
محاسبة “الحزب” أفضل وسيلة للجم استراتيجيّته
كيف يمكن لحزب يحرّض على الدولة ويخون قادتها ويهدد السلم الأهلي علناً، وبات سلاحه غير شرعي، أن يستمر في المشاركة في الحكومة والمجلس النيابي؟
بموجب قرار الحكومة برفع الغطاء السياسي عن سلاح الحزب، بات هذا السلاح اليوم من الناحية القانونية سلاحاً غير شرعي، ولا يحظى بامتيازات خاصة استثنته عام 1991 من قرارات اتفاق الطائف التي دعت إلى سحب سلاح جميع الميليشيات اللبنانية. فهو لم يعد يُصنَّف كسلاح مقاومة، بل كسلاح ميليشيا، وهناك أوامر للقوات المسلحة اللبنانية بنزعه. وبما أن قيادة الحزب أعلنت رفضها تسليمه، فقد وضعت نفسها في خانة القوى المتمردة على الدولة والخارجة عن القانون.
لقد تغير الواقع الجيوسياسي كثيراً خلال السنة الأخيرة، بشكل أفقد “حزب الله” معظم عوامل القوة التي كان يمتلكها، والتي جعلته لسنوات طويلة فوق القوانين اللبنانية، وأعطت قياداته وعناصره حصانة ضد أي محاسبة على أي فعل مهما بلغت فداحته. واستطاع استغلال الوجود السوري في لبنان لتوفير هذه الحصانة، ولاحقاً اعتمد على تحالفاته الداخلية وعلى محور الممانعة لتأمين استمرارية الغطاءين السياسي والقانوني لتحركاته.
يجد “حزب الله” نفسه وحيداً اليوم في مواجهة الدولة اللبنانية. فباستثناء أصوات ومواقف مؤيدة له من شخصيات معدودة لا تملك أي وزن أو تأثير سياسي في الشارع اللبناني، آثرت باقي القوى البقاء بعيداً أو تأييد قرار نزع السلاح. حتى ثاني طرفي الثنائي الشيعي، حركة أمل، قررت التمايز عنه. فهي تحفظت على توقيت قرار نزع السلاح، لكنها لم تعلن رفضها للقرار، ولم تعتبره وكأنه لم يكن. حتى إن قيادتها أعلنت عدم مشاركتها في مسيرات الدراجات. أما إقليمياً، فهو لا يملك أي تأييد من سوريا وقوى عربية رئيسية، ولا من أي جهة خارجية باستثناء إيران.
بناءً على التطورات والمواقف الأخيرة لقيادات الحزب والمرجعيات الدينية التابعة له، فإن استراتيجيته للتعامل مع قرار الحكومة تقوم على تحويل أزمة نزع السلاح إلى مشكلة ذات بعد طائفي. فهو يصوّر الأمر على أنه مؤامرة أميركية-إسرائيلية تهدد المكوّن الشيعي وتسعى لتجريده من السلاح تمهيداً لطرده من أرضه. وتتعدد سرديات التهويل للحزب لإخافة الطائفة وتجييشها، لتشمل أموراً مثل تهديد القوى الإسلامية السنية التي تسيطر على الحكم في سوريا، وهناك من يتحدث عن ربط السلاح بظهور المهدي.
لكن استراتيجية الحزب التي تسعى لشراء الوقت على أمل حصول متغيرات إقليمية تعيد له ما فقده من عوامل القوة، تواجه تحديات، أهمها رفض حركة أمل المخاطرة بإمكانية تجدد الحرب الإسرائيلية، والتي ستؤدي إلى مضاعفة خسائر الطائفة الشيعية وفقدان أراضٍ إضافية. وهناك مستقلون من الشيعة ممن هم ضد توجهات “حزب الله”، وبالتالي لا يملك الحزب احتكار قيادة الشيعة رغم محاولة آلته الإعلامية تصوير عكس ذلك. كما أن تحرك الجيش السريع والفعال لحصر تحرك مسيرات دراجات الحزب منع الاحتكاك مع المواطنين في الأحياء المسيحية أو السنية، وبالتالي حدّ من التوترات المذهبية أو الطائفية. ليس هناك أي ميليشيات أو قوى حزبية تواجه مسيرات الحزب في الشارع، وبالتالي هي تواجه الجيش اللبناني وحده.
يبدو أن الحكومة اللبنانية مصممة على تنفيذ قرار نزع السلاح، والمرجح أن يبدأ بالمخيمات الفلسطينية أولاً. ولتعزيز موقفها، لا بد للحكومة من أن تبدأ بمحاسبة “حزب الله” على أفعاله المخالفة للقوانين كافة، من سحب السلاح إلى إغلاق المؤسسات المصرفية غير الشرعية، إلى توقيف ومحاكمة المسلحين والمحرضين على الدولة ومن يهددون السلم الأهلي. فالقانون هو أساس الحكم. ومن هذا المنطلق، نجد أنفسنا أمام سؤال مهم: كيف يمكن لحزب يحرّض على الدولة ويخون قادتها ويهدد السلم الأهلي علناً، وبات سلاحه غير شرعي، أن يستمر في المشاركة في الحكومة والمجلس النيابي؟