
31 كانون الاول… موعد الحسم لأخطر مهمة عسكرية في لبنان
وصف كثر قرار الحكومة اللبنانية المضي بحصرية السلاح بالخطوة التاريخية وقالوا إن موعد 31 ديسمبر (كانون الأول) 2025 هو موعد الحسم لأخطر مهمة عسكرية في لبنان، لكن أهمية القرار لم تحجب تساؤلات طرحت حول أسباب استبعاد المجلس الأعلى للدفاع من جهة وتقيد الجيش بالمهلة الزمنية وما يلزمه لتنفيذ المهمة من جهة أخرى، وسط تساؤلات عن امتلاكه القدرة اللازمة لتنفيذ المهمة.
خلال جلسة الثلاثاء الماضي الشهيرة، اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قراراً بتكليف الجيش وضع خطة لتنفيذ قرار حصر السلاح ضمن مهلة لا تتعدى نهاية أغسطس (آب) الجاري وحسم الجدول الزمني لهذه المهمة، محدداً نهاية العام الحالي كمدة أقصاها لإنهاء ملف كل سلاح غير شرعي، ومن ضمنه سلاح “حزب الله”.
وعلى رغم أن النقاشات التي سبقت الجلسة حول الصيغة النهائية التي ستعتمدها الحكومة كانت أشارت إلى احتمال تكليف المجلس الأعلى للدفاع متابعة ملف سحب السلاح، بوصفه الجهة القادرة على إيجاد مخارج تقنية لهذا الملف، فإن القرار النهائي قضى بتكليف قيادة الجيش اللبناني.
الخطوة وصفها كثرٌ بالتاريخية، وقالوا إن موعد الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل هو موعد الحسم لأخطر مهمة عسكرية في لبنان، لكن أهمية القرار لم تحجب تساؤلات طرحت حول أسباب استبعاد المجلس الأعلى للدفاع من جهة وتقيد الجيش بالمهلة الزمنية وما يلزمه لتنفيذ المهمة من جهة أخرى، وسط تساؤلات عن امتلاكه القدرة اللازمة لتنفيذ المهمة.
لماذا الجيش وليس المجلس الأعلى للدفاع؟
عن تكليف الجيش بدلاً من المجلس الأعلى للدفاع، يشرح العميد المتقاعد سعيد القزح أن مجلس الوزراء هو صاحب القرار في تكليف الجهة التي يراها مناسبة لوضع خطة التنفيذ لحصر السلاح. ويعتبر أن مجلس الوزراء بتكليفه الجيش اختصر الوقت لأن المجلس الأعلى للدفاع كان سيطلب من المؤسسة العسكرية وضع الخطة.
ويتابع “لا فرق بين تكليف الجيش أو تكليف المجلس الأعلى للدفاع إنما القرار بصيغته الحالية من شأنه تسريع بتّ الأمور. فاختصاراً للوقت وللمجهود وللمجادلات والنقاشات خلال اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع الذي يضم أمنيين وسياسيين، اعتمدت الحكومة طريقاً مختصرة وكلفت الجيش”.
ويعد المجلس الأعلى للدفاع الذي أسس عام 1983، أعلى سلطة دفاع في لبنان، ويترأسه رئيس الجمهورية ويضم رئيس مجلس الوزراء بصفة نائب الرئيس، ووزراء الدفاع الوطني والداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين والمالية والاقتصاد والتجارة والأشغال العامة والنقل، إضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية والمدعي العام التمييزي.
واتخذ المجلس الأعلى للدفاع منذ عام 1990 حتى 2025، قرارات مهمة عدة في ظل الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية التي شهدها لبنان، وكان أبرزها قرار حل الميليشيات ونزع السلاح عام 1991 مع نهاية الحرب الأهلية، وحينها استثني “حزب الله” بذريعة تصنيفه مقاومة، وقرار نشر الجيش عام 2000 في بعض المناطق التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، ومكافحة الإرهاب عام 2014 بعد هجمات تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”، فقرر شن عمليات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة جرود عرسال شرق البلاد.
أما آخر قراراته فكان في مايو (أيار) الماضي، إذ رفع توصية إلى مجلس الوزراء تتضمن تحذير حركة “حماس” من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأية أعمال تمس الأمن القومي الوطني، وكان ذلك على أثر إطلاق الحركة صواريخ من الجنوب باتجاه إسرائيل في خرق لقرار وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه برعاية أميركية.
القرار لقائد الجيش
خلال تصريح إعلامي أكد وزير الدفاع ميشال منسى أنه سيعود مع قائد الجيش لمجلس الوزراء خلال هذا الشهر بخطة مقترحة لتنفيذ اتفاق حصر السلاح بيد الدولة، وأكد التزام المؤسسة العسكرية تنفيذ القرار وأن التنفيذ سيبدأ فور تصديق الحكومة عليه، وسيكون ذلك على مراحل وفق آلية تنفيذية يضعها الجيش.
وكشفت مصادر في قيادة الجيش لـ”اندبندنت عربية” عن أن القرار مرتبط بقائد الجيش رودولف هيكل وحده ومن المقرر أن يكون فور عودته من بريطانيا قد بدأ العمل على الخطة مع لجنة عسكرية، فيما أكدت مصادر وزارية أن الخطة جاهزة وسبق لقائد الجيش أن عرضها مع الموفد الأميركي توم براك عندما زاره في اليرزة في التاسع من يوليو (تموز) الماضي.
في المقابل يراهن الحزب على أن قيادة الجيش قد تعيد الكرة لملعب الحكومة بإعلان موقف واضح يشترط التوافق السياسي لتنفيذ أي إجراء، بخاصة بعد إعلان الحزب رفض تنفيذ القرار.
ويعتبر المقربون من الحزب أنه فضلاً عن غياب الغطاء السياسي من قبل “الثنائي الشيعي”، فإن الخطة المطلوبة من الجيش تعترضها صعوبات ومعوقات، أهمها حاجات مالية وعسكرية ولوجستية قد تكون غير متوافرة.
الجيش ملزم ويحتاج إلى مواكبة سياسية
ويشدد العميد القزح على أن الجيش اللبناني ملزم تنفيذ المطلوب منه ضمن المهل المكلف بها والمعطاة له لأنه يخضع لقرارات السلطة السياسية الممثلة بمجلس الوزراء وعليه أن ينفذ المطلوب منه. أما إذا لم ينفذ ضمن المهلة المحددة، وإذا رأت الحكومة في الأمر مماطلة أو تهرباً من مسؤوليته، فيمكنها محاسبة قائد الجيش وإقالته من منصبه أو فرض عقوبة عليه.
ويتابع القزح أن الجيش ملزم تقديم الخطة المطلوبة منه قبل الـ31 من أغسطس الجاري، إلا إذا سمح له مجلس الوزراء بتمديد المهلة ومنحه وقتاً إضافياً.
من جهته يعتبر العميد المتقاعد خليل الحلو أن أية خطة عسكرية تنطوي على هدف سياسي، وأن ما طلب من الجيش يهدف إلى استعادة سيادة الدولة من قبل السلطة التنفيذية، بالتالي فإن قيادة الجيش بالدرجة الأولى تحتاج إلى مواكبة سياسية لتنفيذ مهمة حصر السلاح، والجهات المعنية بالمواكبة السياسية هي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والخارجية والداخلية والوزراء المختصين كافة. فالدفاع، بحسب الحلو، ليس فقط بالبندقية والمدفع والطيارة والجيش والقوى الأمنية إنما هو مسألة استراتيجية كبيرة، إذ لا يكفي اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بل يجب مواكبته بالتواصل الدائم بين قيادة الجيش والسياسيين لتأمين أمن المهمة، وعدم تعريض الجيش لأي فشل قد يعترضه عند التنفيذ أياً كانت هذه المهمة.
الجيش قادر ولديه كل الإمكانات والموارد
ويؤكد الحلو أن الجيش لديه كل الإمكانات والموارد التي يحتاج إليها لتنفيذ مهمة حصر السلاح، فإذا تجاوب “حزب الله” يكفي بالمعنى الكاريكاتيري عسكري واحد لإتمام المهمة، أما إذا لم يتجاوب كما هو واضح حتى الآن، فإن القرار حينها يتوقف على الحكومة وليس على المؤسسة العسكرية، وعلى الجيش في حال رفض الحزب تسليم السلاح أن يسأل مجلس الوزراء ماذا تريدون أن تفعلوا في هذه الحال.
وهذه مهمة يجب ألا يتحملها الجيش، فإذا اتخذ مجلس الوزراء قرار المواجهة عندئذ يذهب إلى المواجهة ويطلب من الحكومة أن تؤمن له الحاجات من عتيد وعداد التي قد تتطلبها المهمة.
ويقترح الحلو تنفيذ خطة مرحلية على أن تخصص المرحلة الأولى للمناطق التي لا توجد لـ”حزب الله” فيها حاضنة شعبية، فتعلن مثلاً بيروت الإدارية وطرابلس وصيدا ومناطق من جبل لبنان والبقاع الأوسط مناطق خالية من السلاح، والمقصود سلاح كل التنظيمات غير الشرعية بما فيها “حزب الله” وحزب “البعث” و”التوحيد” وغيرها. وبعد هذه المرحلة يصبح التفاوض مع “حزب الله” أسهل وموقف الحكومة اللبنانية أقوى والمجتمع الدولي يساند أكثر.
ويشدد على أن مساندة المجتمع الدولي، خصوصا اللوجستية، بغض النظر عن الخطة وآلية التنفيذ تبقى ضرورية لأن موازنة الدفاع لا تكفي ولا تسمح لأن ينفذ الجيش مهمات واسعة بهذا الشكل. فالمهمة تتطلب انتشاراً أوسع ودائماً وتنقلات وآليات ومحروقات وقطعاً للآليات بملايين الدولارات لن تتخلف الدول المانحة والصديقة بحسب رأيه عن تقديمها إلى الجيش إذا تبين أن الحكومة لديها جدية وتتمتع بمصداقية.
ويختم أن “المسألة لا تتعلق بالمعدات المطلوبة، إنما الأهم هي المظلة السياسية اللبنانية والإقليمية والعربية والدولية”.
الخطة بحسب ورقة براك
وبحسب الخطة المتوقع عرضها على مجلس الوزراء من قبل الجيش اللبناني لأخذ موافقته، يفترض أن يلتزم لبنان نزع سلاح الحزب بحلول الـ31 من ديسمبر المقبل أي في اليوم الأخير من عام 2025، على أن تبدأ العملية في غضون 60 يوماً وأن تنجز ضمن فترة لا تتخطى 120 يوماً.
أما الورقة الأميركية، فتقترح أن تنفذ الخطة على ثلاث مراحل جغرافية، خارج منطقة جنوب الليطاني، بحيث تكون المرحلة الأولى لنزع السلاح الموجود حتى نهر الأولي، تليها بيروت الكبرى ثم البقاع شرقاً. وتترافق مع نشر قوات للجيش واستحداث مواقع نقاط التفتيش، وتحدد الأسلحة المطلوب تسليمها مثل قذائف الهاون وقاذفات الصواريخ والقنابل اليدوية والمتفجرات والصواريخ الحارقة والأسلحة التي تسبب إصابات جماعية والأسلحة البيولوجية الكيماوية والمركبات الجوية من دون طيار.
ويستبعد العميد القزح اعتماد الاقتراح الذي ينص على إبقاء الأسلحة في المستودعات التابعة للحزب على أن تكون تحت حراسة الجيش اللبناني، معتبراً أن الحل الوحيد هو أن تسلم الأسلحة وتخزن في المخازن التابعة للمؤسسة العسكرية التي تنطبق عليها شروط السلامة العالمية، والشروط الصحيحة لتخزين الذخيرة التي تكون معرضة للانفجار. أما أن يضع الجيش نقاط مراقبة حيث الأسلحة موجودة حالياً، فهذا يعني أن أية حادثة تحصل أو سرقة أو عمل تخريبي سيتحمل مسؤوليتها الجيش، مما لا يمكن القبول به.
وإلى الجانب المتعلق بالسلامة العامة، يرى القزح أن إبقاء سلاح الحزب، بخاصة الذخائر والصواريخ والمسيّرات في المخازن حيث هي وبإشراف الجيش قد تكون مهمة مستحيلة، فوفق عملية حسابية هناك ألفا مخزن تابع لـ”حزب الله”، وكل مركز يحتاج إلى فصيلة من الجيش اللبناني أي 30 عنصراً، مما يعني تكليف 60 ألفاً لحراسة كل المخازن، وهذا أمر غير عملي ومستحيل بالمفهوم العسكري واللوجستي.