لماذا لا تصطلح العلاقات بين لبنان وسوريا الجديدة؟

لماذا لا تصطلح العلاقات بين لبنان وسوريا الجديدة؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى
14 آب 2025

لم تكن العلاقات بين لبنان وسوريا يوماً طبيعيّة، خصوصاً في ظلّ نظام آل الأسد الذي دام أربعة وأربعين عاماً. وتاريخ هذه العلاقات مجبول بالحروب والدماء والقمع. وكان من الصعب أن تُبنى معه علاقة ندّية، بحيث كثُرت الملفّات الشائكة، من المعتقلين والمخفيّين في السجون السورية، إلى ملفّ النازحين، والحدود، والتهريب.

وبعدما سقط النظام، الذي لطالما شكّل رأس حربة في المحور الإيراني، وقام نظام جديد، وعلى رغم تغيّر الموازين في السلطة اللبنانية أيضاً، إلّا أنّ العلاقة بين البلدين استمرّت من دون أيّ تقدّم. فالرئيس السوري أحمد الشرع يتعمّد عدم فتح الأبواب مع لبنان، ويطالب قبل ذلك بحلّ سلسلة من الأمور.

وإذا كان لبنان هو من لديه مطالب وملفّات مع سوريا، تتعلّق بالمعتقلين الذين لم يُعرف شيء عن مصيرهم بعد فتح سجون النظام، فإنّ سوريا الشرع تطالب لبنان بتسليمها موقوفين سوريين، بعضهم من الجيش السوري الحرّ. ولكنّ بعض هؤلاء متورّط في إطلاق النار على الجيش اللبناني والمشاركة في معارك عرسال. لذلك ما يزال هذا الملفّ معلّقاً، ولم يُسجّل فيه أي تقدّم.

وبالنسبة إلى الشرع، فإنّ لبنان يتحمّل وزر ما فعله حزب اللهضد المعارضة السورية خلال الحرب. ويرى أنّ المشكلة تكمن في استمرار وجوده المسلّح. ويعتبر أنّ السلطة اللبنانية متهاونة في التعامل مع الحزب، وفي ما يسبّبه من إشكالات على الحدود، مع استمرار شبكات التهريب والمخدّرات في العمل. وتعتبر الحكومة السوريّة أنّ من الصعب تطبيع العلاقة مع لبنان، ما دام هناك سلاح في حوزة الحزب، وما دام لديه نفوذ في الدولة.

ولكن في الجانب اللبناني، هناك أيضاً مطالب كثيرة عالقة. فسنوات طويلة من تراكم المشاكل لا تُحلّ بكبسة زرّ.  فلبنان قلق من عدم تجاوب الحكومة السوريّة في موضوع النازحين. وحتّى بعد أكثر من سبعة أشهر على تغيّر الحكم في دمشق، واستلام الشرع للسلطة، لم يُطرح هذا الملفّ، بعدما زالت العوائق السياسية والأمنيّة من أمام عودتهم إلى بلادهم. وإذا كان النازحون يخافون من انتقام نظام الأسد منهم، فها هو النظام قد طار، ووصلت سلطة من قلب المعارضة السابقة.

ويعتقد أطراف في لبنان أنّ دمشق ما زالت تريد المساومة في موضوع النازحين، تماماً كما كان الأمر بالنسبة إلى نظام الأسد المخلوع. ففي مقابل حلّ هذا الملفّ الثقيل  والمكلف للبنان أمنياً واقتصادياً، يمكن لسوريا أن تسحب مكتسبات لها تتعلّق بالسجناء والحدود وسوى ذلك.

وما زالت مسألة ضبط الحدود وتنظيم المرور وتسهيله عالقة نسبيّاً. فلبنان يخشى من تسلّل عناصر إرهابية، تؤدّي إلى زعزعة الأمن في البلاد. ولكن هناك ضرورة في الوقت عينه لتسهيل حركة الشاحنات وسلاسل الإمداد، لكون سوريا تشكّل ممرّاً اساسياً لحركة الاستيراد والتصدير البرّي.

إضافة إلى كلّ ذلك، هناك العامل النفسي وتراكمات السنوات الماضية. فلبنان يعتقد أنّ لسوريا مطامع فيه، وهي تتطلّع إلى ممارسة نفوذ عليه. فهي الدولة الكبرى التي تحيط بدولة صغيرة من الشرق والشمال. وقد أسهم في تفاقم هذه المخاوف كلام الموفد الأميركي توم برّاك على احتمال عودة لبنان إلى بلاد الشام، في حال لم تقُم فيه دولة قويّة وقادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها.

وباستثناء زيارة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان المميّزة، بقيت زيارة رئيس الحكومة نوّاف سلام للعاصمة السورية من دون ترجمة على الأرض، فيما اقتصر الأمر بين الرئيسين اللبناني والسوري على اتّصال هاتفي.

وفي الواقع، باتت مسألة العلاقات اللبنانية السورية مرتبطة بشكل كبير، بالخطّة التي قدّمها برّاك، والتي وافقت عليها الحكومة في لبنان. فهذه الخطّة كفيلة بالانتهاء من وجود سلاح خارج الشرعيّة. كما أنّها تنصّ في أحد بنودها على ترسيم الحدود بين البلدين. وهذا سيكون كفيلاً بضبط الممرّات غير الشرعية، وربّما ببداية حلّ لمسألة ملكيّة مزارع شبعا.

كما أنّ تحسّن الوضع الاقتصادي في كلا البلدين، سيتيح لسوريا إعادة الإعمار، وبالتالي إعادة مواطنيها إلى بيوتهم، وإزالة هذا الثقل عن كاهل لبنان. وستكون الدول الخليجية من أوائل الجهات الضامنة اقتصادياً وسياسيّاً. فالسعودية تعمل أصلاً على تقريب وجهات النظر بين لبنان وسوريا. وستسهم عملية بناء الدولة في كلّ من البلدين في تزخيم مبادرة الرياض في هذا الاتّجاه.