وزير الثقافة يحمي الأَهراءات من الهدم… وليس الانهيار!

وزير الثقافة يحمي الأَهراءات من الهدم… وليس الانهيار!

الكاتب: راجانا حمية | المصدر: الاخبار
14 آب 2025

عشية الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت، خطا وزير الثقافة غسان سلامة خطوة باتّجاه حسم الجدل بشأن الإبقاء على الصوامع الجنوبية لأهراءات القمح، التي لا تزال «صامدة» حتى اللحظة. تمثّل ذلك بقراره وضعها على لائحة الجَرد العام للأبنية التاريخية في لبنان، ضارباً هدفين بحجرٍ واحد: أولهما استحالة هدم هذه الإنشاءات من دون موافقة المديرية العامة للآثار، وثانيهما حفظ الذاكرة الجماعية.

وفي هذا السياق، تشير المديرية العامة للآثار إلى ارتباط قرار سلامة بالأهمية العمرانية للأهراءات، كونها «الأولى في لبنان من حيث النموذج والنمط المعماري، ما يوجب الحفاظ عليها». ولذلك أعطاها القرار صفة «موقع ذي قيمة تاريخية ووطنية خاصة». ومن ناحية أخرى، يحمل القرار بُعداً رمزياً لارتباطه بأضخم انفجار أصاب العاصمة، وخلّف مئات الضحايا وآلاف الجرحى.

نظرياً، يمكن القول إن القرار حمى الأهراءات من أي قرار رسمي قد يُتّخذ لهدمها، لكنه لا يحميها من الانهيار نتيجة عوامل أخرى. وهو يشكّل، وفقاً للمديرية، «دفشة للوزارات المختصة للعمل على معالجة وضع الأهراءات من الناحية الإنشائية… كي لا تسقط»، مع اشتراط أن يُعامل هذا المبنى «معاملة الأبنية التاريخية والتراثية في سياق ترميمه أو أي إجراء إنشائي آخر بمواكبة من المديرية العامة».

الصوامع ثابتة… ولكن

يعيد قرار سلامة فتح باب النقاش واسعاً على حال الصوامع الجنوبية، وهي الوحيدة التي تبقّت بعد انهيار تلك الشمالية. وكان النقاش بدأ عام 2022 مع توصية الحكومة بهدمها، والتي باتت اليوم تتعارض مع قرار وزير الثقافة.

وإن كانت الحكومة قد غضّت الطرف عن الهدم، إلا أن التوصية لم تسقط حتى الآن. ومع تشكيل الحكومة الجديدة، استعادت النقاشات زخمها، لا سيما مع تشكيل لجنة مختصين برعاية وزارة الاقتصاد لتبادل الآراء حول الصوامع وإحالة تقرير إلى مجلس الوزراء بشأنها. وفي هذا السياق، يشير أحد خبراء اللجنة المهندس يحيى تمساح، الذي أعدّ دراسة مفصّلة حول واقع الصوامع الشمالية والجنوبية، إلى أن الحديث عن الصوامع القائمة لا يتوقف عند دراسة وضعها من الناحية الإنشائية، في ظلّ وجود أزمة القمح المحبوس داخلها.

يشكّل قرار سلامة «دفشة للوزارات المختصة لتعالج وضع الأَهراءات إنشائياً… كي لا تسقط»

تمساح يخلص إلى أنه «من الناحية الهندسية الإنشائية، الجهة الجنوبية ثابتة ومتزنة ومستقرة وغير مهددة بالسقوط، بإجماع الخبراء»، لأنها منفصلة إنشائياً عن الجهة الشمالية التي سقطت، والتي كانت في حال حركة دائمة «على عكس الجهة الجنوبية التي تعرّضت عقب الانفجار لميلان أولي، ومن ثم استقرّت وبقيت ثابتة».

إلا أنه ربط هذا الثبات والاستقرار بعبارة «حتى اللحظة الراهنة»، وذلك بسبب شق آخر أكثر تعقيداً من الهندسة بحد ذاتها، وهو الشق البيئي المتعلّق بالقمح المكدّس داخل الصوامع. والأكثر تعقيداً، بحسب تمساح، هو أن أحداً لا يعرف بدقّة «كميات الحبوب الموجودة داخل الصوامع، ولا درجة تحلّلها وإلى أين تصل وعلى أي أعماق».

الخيارات المطروحة

وهذا ما يجعل أي قرار لحظوياً ما لم يتمّ العمل على حل مشكلة القمح. وفيما تمّ استثناء خيار الهدم، انطلاقاً من أنه لا يحلّ المشكلة، وإنما «يفلِشُها»، إذ يتسبّب بخروج المواد المحبوسة دفعة واحدة، الأمر الذي ستكون له تداعيات بيئية، تنوّعت الآراء، وبينها مقترح بتسكير هذه الصوامع كلياً لمنع المياه من التسرب إليها، وبالتالي الرطوبة ومن ثم التخمّر والتحلل، وهي العوامل التي كانت من أسباب سقوط الصوامع الشمالية. غير أن هذا الرأي، بحسب تمساح، «ليس حلاً هندسياً موثوقاً».

ومن بين الآراء التي طُرحت أيضاً: محاولة الوصول إلى القمح لاستخراجه. لكن دون ذلك صعوبات كبيرة، أُولاها عدم وجود معلومات كافية عن الكميات ودرجة تحلّلها، ما «يُصعِّب المهمّة». ويسترجع تمساح ما جرى سابقاً في إطار العمل على إحداث فتحات في الصوامع وتفريغ الحبوب، استناداً إلى توصية وضعتها شركة «خطيب وعلمي» بتكليف من مجلس الوزراء. فقد فُتحت مجموعة من الفتحات في الصوامع الشمالية والجنوبية، لكن «بعشوائية تتجاوز توصية خطيب وعلمي التي حدّدت قطر الفتحة بحدود 40 سنتمتراً، فيما العمل على الأرض أظهر فتحات بقطر متر ومترين».

وبذلك فشلت الخطوة في الكشف عن كامل كمية الحبوب، أضف إلى أنها كانت سبباً أدّى إلى أضرار إنشائية، إذ إن الثقوب الكبيرة سرّعت في إضعاف الصوامع الشمالية من محيطها وتسبّبت بحدوث تشققات، ما أدّى في النهاية إلى سقوطها. أما الصوامع الجنوبية، فيشير تمساح إلى أنه كان يمكن أن تكون مؤذية وتؤدّي إلى نفس الأضرار والتبعات، غير أن الفتحات التي استُحدثت فيها لم تكن «قاتلة»، بدليل أنها «لم تؤثّر في ثبات هذه الصوامع حتى الآن، بحسب آخر المعطيات».

رغم ذلك، ينبّه تمساح إلى أن بقاء الصوامع ثابتة غير مضمون، انطلاقاً من التأثيرات البيئية وتبعات وجود الحبوب فيها. ويلفت أيضاً إلى رأي جرى تداوله في الجلسة الأخيرة في وزارة الاقتصاد، يشير إلى أن الحفرة التي أحدثها الانفجار «تتوسّع شيئاً فشيئاً نتيجة تآكل محيطها». ويحذّر تمساح من إمكانية «أن يؤدي ذلك على المدى الطويل إلى مشكلة في الإنشاءات».

ولذلك، فإن أي قرار بالحفاظ على بقاء هذا المعلم يشترط، وفقاً لتمساح وغيره من الخبراء، معالجة لا تقوم على القرارات العشوائية، وإنما «بالاستناد إلى طريقة هندسية هي في الغالب معقّدة». أمّا ما عدا ذلك، فلا يُعتدّ به، ولو حتى جرى ضمّه إلى لائحة الجَرد.