لبنان محطةٌ لتصدير النفط العراقي… لولا فساد الفاسدين!

لبنان محطةٌ لتصدير النفط العراقي… لولا فساد الفاسدين!

الكاتب: خضر حسان | المصدر: المدن
15 آب 2025

يُفتَح مراراً ملفّ إيصال النفط العراقي إلى لبنان بهدف إعادة تصديره. وتكرّر وزارة النفط العراقية أنّها “تدرس إمكان تصدير النفط عبر مرفأ طرابلس”. ولإضفاء الجديّة على هذا الطرح، تؤكّد الوزارة أنّها “ستدرس تجديد الأنبوب الخاص بتصدير النفط بين العراق وسوريا”. وعلى المستوى اللبناني، كان هذا الملفّ محطّ نقاش مع وزارة النفط العراقية في أيار الماضي من خلال وفد لبناني ضمّ وزيري المالية ياسين جابر والطاقة والمياه جو صدي. لكن على المستوى التنفيذي، ليس من السهل حالياً إعداد الأرضية المناسبة لاستقبال النفط العراقي في لبنان، فهل أضاعت الطبقة السياسية بفسادها فرصة تساهم في إنعاش لبنان اقتصادياً؟

آمالٌ عراقية وتقاعس لبناني

يسعى العراق إلى رفع أسهم تصدير نفطه تعزيزاً للمكاسب الاقتصادية. ويثمّن المسؤولون العراقيون مساعيهم لتحقيق إنجازات خصوصاً في قطاع النفط، إذ رأى وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، أنّ “العراق حقق إنجازات كبيرة في مجالات استثمار الغاز ومجال تكرير النفط، وهو يسعى إلى زيادة الطاقات التصديرية من المنافذ الجنوبية، واستئناف التصدير من الأنبوب التركي عبر ميناء جيهان، فضلاً عن دراسة مقترحات التصدير عبر خط بانياس السوري وخط طرابلس اللبناني”.

في موازاة السعي العراقي، هناك تقاعس من الجانب اللبناني، إذ لم تشهد منشآت النفط في طرابلس حتى الآن، ورشة إعادة تأهيل تمهيداً لمواكبة أي تطوّر على مستوى توريد النفط العراقي إلى لبنان، علماً أنّ رحلة توريد النفط العراقي إلى لبنان تعود جذورها إلى العام 1931 من خلال امتياز لشركة نفط العراق تنقل بموجبه النفط الخام من كركوك إلى منطقة البدّاوي في طرابلس، بهدف معالجته وتصديره. ولمواكبة وصول النفط الخام، تم في العام 1940 إنشاء المصفاة التي تتسع لـ21 ألف برميل يومياً.

وتفرض الحالة الراهنة للمنشآت، ضرورة التحرّك السريع. إذ تشير مصادر إدارية في منشآت النفط في طرابلس، خلال حديث لـ”المدن”، إلى أنّ “المنشآت تحتاج إلى كشف عام وتغيير الكثير من الأمور، خصوصاً في ما يتعلّق بالأنابيب”. والحاجة إلى إعادة التأهيل، تحيلنا إلى ملفّ تلزيم شركة “روسنفت” الروسية، مشروع تطوير المنشآت النفطية في طرابلس في العام 2017. والعقد الموقّع برعاية وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، مدّته 20 عاماً، تستأجر خلالها الشركة الروسية سِعات تخزينية في المنشآت، وتبني خلال 18 شهراً، 14 خزاناً بسعة 428 ألف طن، توازي مصروف لبنان من المشتقات النفطية لمدة شهرين. وبعدها ستضيف 32 خزاناً بقدرة استيعابية تقدّر بمليون طن. لكن روسنفت انسحبت من العقد واختفى النقاش حوله بطريقة مفاجئة وغامضة.

أوهام ووعود

الحاجة كبيرة والوعود كثيرة والفساد هائل. بهذه الصفات يمكن تلخيص الواقع المرتبط بتوريد النفط العراقي إلى لبنان. فالطبقة السياسية دأبت منذ عقود على “بيع الأوهام والأحلام وإطلاق الوعود الوردية” على حدّ توصيف المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون، الذي كان في عداد الوفد اللبناني الذي بحث ملف توريد النفط العراقي إلى لبنان بوصفه مستشاراً لوزير المالية.

ويرى بيضون في حديث إلى “المدن” أنّ مشروع توريد النفط العراقي إلى لبنان وإعادة تصديره عبر مرفأ طرابلس “هو حاجة للبنان، لكنه مشروع طويل الأمد، ولا شيء على المدى القريب يدعو للاعتقاد أنّ المشروع يحلّ مشكلتنا الاقتصادية”.

لكن لو أنّ الحكومات المتعاقبة أهّلَت على مدى سنوات، أنابيب وخزانات منشآت النفط في طرابلس “لكانت وفَّرَت الكثير اليوم. إذ تزداد قدرة لبنان على تخزين النفط وإعادة تصديره. فضلاً عن أنّ التخزين بكميات كبيرة، يتيح للبنان شراء النفط عند انخفاض أسعاره عالمياً، وتخزينه لصالح مؤسسة كهرباء لبنان على سبيل المثال، ما يتيح زيادة إنتاج الكهرباء وتخفيف الأعباء المالية على المؤسسة”. لكن برأي بيضون “لا يوجد عقلانية في إدارة هذ الملف، بل هناك مناقصات سريعة لتحقيق المنافع الخاصة”.

لا إجراءات جدية وعملية حتى الآن في ملفّ توريد النفط العراقي إلى لبنان. لكن استمرار الطرح من الجانب العراقي واستمرار التقاعس اللبناني، يشي بأنّ إتمام العملية ليس يسيراً، فالمسألة لا تتعلّق فقط بالإجراءات التقنية وتأهيل المنشآت والرغبة العراقية، بل أيضاً تنسحب إلى سلطة شبكة تدير حركة استيراد النفط في لبنان، فهل سيرضى النافذون إيصال نفط عراقي قد تؤدّي معالجته في مصفاة طرابلس وامكان توفير كميات خاصة للسوق المحلّي، إلى التأثير على أرباحهم الحالية من استيراد النفط؟ 

ولذلك، إنّ الحديث عن تحويل لبنان إلى محطّة لتصدير النفط العراقي، محفوف بالمخاطر التي قد “تؤذي” تجارة النافذين في هذ القطاع، الأمر الذي ينذر باحتمال فشل المشروع مستقبلاً، ليس في شكل صريح، وإنما بالكثير من التسويف والمماطلة والعراقيل التي لا تحتاج إلى جهد لابتداعها في ظل الظروف الراهنة التي تولِّد الأزمات سريعاً.