
يوسف رجي بين فؤاد بطرس و”الحاج فؤاد”
يتندَّر دبلوماسيون في الإدارة المركزية في وزارة الخارجية اللبنانية باسم “الحاج فؤاد”، وهو الاسم الحركي لمسؤول في “حزب اللّه” كان يتردّد إلى مكتب وزير الخارجية والأمين العام للخارجية وبعض السفراء في الوزارة. كان “الحاج فؤاد” يوصِل رسائل من قيادة “الحزب” إلى مكتب الوزير والأمين العام، و “يستطلع” الأجواء لينقلها إلى “قيادته”. كان ذلك يحصل قبل تولّي الوزير يوسف رجي حقيبة الخارجية.
بعد وصول رجي، حاول “الحاج فؤاد” مواصلة ما كان يقوم به و “تكرار المحاولة”، لكنه صُدّ وقيل له “لم يعد لك شغل هون”.
هكذا كانت تُدار الخارجية قبل وصول رجي: تعليمات من “حزب اللّه”، وقبل نيسان 2005، تعليمات من عنجر.
دبلوماسية “مرتهنة” على مدى أربعة وثلاثين عامًا، إلى درجة أنّ الخارجية اللبنانية طوال تلك الفترة لم تعد “وزارة سيادية” بل وزارة “محتلة”. جاء الوزير يوسف رجي فأحدث الانقلاب وعادت الدبلوماسية اللبنانية إلى زمن فؤاد بطرس وفؤاد الترك. فؤاد بطرس وقف في وجه حافظ الأسد في عزّ ضعف لبنان وفي ذروة قوة سوريا.
عام 1983، استدعى الأمين العام للخارجية السفير فؤاد الترك، في عهد الوزير إيلي سالم في الخارجية، القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية (لأنه لم يكن التمثيل على مستوى سفير) وأمهله اثنتين وسبعين ساعة لمغادرة لبنان، ومصطلح “مغادرة لبنان” تعبير دبلوماسي ملطَّف بديل من “الطرد”.
الجدير ذكره أن السفير الترك هو صاحب شعار “أنا أعمل عند رب عمل اسمه لبنان”.
يوسف رجي وزير عن القوات اللبنانية، لكنه منذ دخوله الحكومة وتسلّمه حقيبة الخارجية، لم يتخذ أي إجراء أو موقف إلّا وفق البيان الوزاري وبالتشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وموافقتهما.
ثمة مَن يتهم الوزير رجي بالخشونة الدبلوماسية، يأتي رد التهمة: وهل كان وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس ليّنًا؟ ويتابع الردّ: مَن يغيظهم أسلوب يوسف رجي، يعرفون في قرارة أنفسهم أنّ رجي لا يشبه معظم “دبلوماسيي الممانعة” الذين تعاقبوا على قصر بسترس منذ العام 1990 حتى أواخر 2024.
حتى قبل الطائف عام 1989، وصولًا إلى الأمس القريب، كان وزراء خارجية سوريا هُم عمليًا “وزراء خارجية لبنان” في آن، من عبد الحليم خدام وصلافته، إلى فاروق الشرع وقساوته، إلى وليد المعلِّم ولادبلوماسيته. في عهود هؤلاء الوزراء، لم تكن كلمة الدبلوماسية اللبنانية مسموعة، على عكس ما هو حاصل اليوم.
لاريجاني لم يطلب موعدًا من وزير الخارجية يوسف رجي للقائه، وعزا السبب إلى “ضيق الوقت”، ولمَّا سئل الوزير رجي عن ردّ لاريجاني، أجاب: حتى لو طلب موعدًا فلم أكن لأحدّد له موعدًا.
هل هو “ضيق الوقت” أو “ضيق الصدر” لدى لاريجاني؟ فبالنسبة إلى الوقت، الحجة واهية، فالزائر الإيراني خصّص موعدين من أصل ستة مواعيد للقاءات في السفارة الإيرانية في بيروت، وفي اعتقاده أن استقبال ناشطين، من مختلف الفئات، وأحزاب وتنظيمات من مختلف الأحجام، أهم من طلب موعد للقاء رئيس الدبلوماسية اللبنانية.
يكفي أن الوزير رجي “وصله حقه” حين تبلَّغ ما قاله رئيس الجمهورية أمام لاريجاني، وما قاله رئيس الحكومة، وحتى لو استقبل لاريجاني فإنّ ما كان سيقوله مشابه لما سمعه الزائر الإيراني في القصر الجمهوري وفي السراي الحكومي.
الممارسة الدبلوماسية للوزير يوسف رجي تُظهره على خطى فؤاد بطرس وليس على خطى “الحاج فؤاد”.