
خاص- تصنيف الليرة والتحديات
مع تقدم الاصلاحات التي تتبناها الحكومة اللبنانية ، ومع اصدار القوانين عن المجلس النيابي ، والتزام مصرف لبنان بسياسة نقدية مستقلة عن الحكومة ، الامر الذي ادى الى تعزيز احتياطي العملات الصعبة لديه واستقرار الكتلة النقدية خارج مصرف لبنان ، رفعت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف لبنان طويل الأجل بالعملة المحلية إلى CCC مع نظرة مستقبلية مستقرة وتثبيت تصنيفه بالعملة الأجنبية عند SD. ورأت ستاندرد آند بورز أن “خطر التخلف عن سداد الدين المحلي قائم بسبب ضغوط الإنفاق ومحدودية الوصول إلى الأسواق والقصور في الإدارة والحوكمة ” . وأضافت بأن خطر التخلف عن سداد الدين المحلي قائم بسبب قيود السيولة في النظام المصرفي المحلي والبيئة الاقتصادية الأقل دعماً. في المقابل لم تتوقع الوكالة أي تقدم ملموس في إعادة هيكلة الديون في الأجل القريب ، وتضيف الوكالة بإن تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان في شباط 2025 أدى إلى “إحياء الزخم اللازم للإصلاحات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن تسهيل الصندوق الموسع” . وأشارت الوكالة إلى أنه على الرغم من المساحة المالية المحدودة ، “فإننا نتفهم أن الحكومة ظلت حتى الآن ملتزمة بسداد التزاماتها المتعلقة بالديون التجارية بالعملة المحلية ، واستأنفت سداد الفوائد للبنك المركزي على ديونها المقومة بالعملة المحلية” .
ان ستاندرد آند بورز (S&P) هي واحدة من أكبر ثلاث وكالات تصنيف ائتماني في العالم، تأسست في الولايات المتحدة عام 1860. تختص الوكالة بتقييم الجدارة الائتمانية للدول والشركات والأوراق المالية، حيث تقيس قدرة المقترض على سداد ديونه. تعتمد تصنيفات S&P على تحليل شامل للوضع الاقتصادي والمالي والسياسي للدولة أو الكيان محل التقييم، وتؤثر هذه التصنيفات بشكل كبير على تكلفة الاقتراض وثقة المستثمرين .
بالعودة الى العملة اللبنانية فقد شهدت هذه العملة (الليرة) أزمة غير مسبوقة منذ عام 2019، حيث فقدت حوالي 98% من قيمتها مقابل الدولار بين 2019 و2024. هذا الانهيار جاء نتيجة لأزمة اقتصادية شاملة تضمنت انهيار النظام المصرفي، وارتفاع الدين العام إلى مستويات غير مستدامة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 55 مليار دولار عام 2018 إلى حوالي 28 مليار دولار في 2024. وقد استقر سعر الصرف عند نحو 89,500 ليرة للدولار منذ شباط 2024 ، بعد فترة من التقلبات الحادة .
قبل هذا التحديث ، كان تصنيف لبنان طويل الأجل بالعملة المحلية عند “CC” مع نظرة مستقبلية سلبية ، بينما بقي تصنيفه بالعملة الأجنبية عند “SD” (تخلف انتقائي عن السداد) منذ اذار 2020 عندما أعلن لبنان أول تخلف عن سداد دينه الخارجي في تاريخه. وكانت الوكالة قد خفضت تصنيف لبنان عدة مرات منذ بداية الأزمة الاقتصادية .
مع هذا التصنيف الجديد رفعت S&P تصنيف لبنان طويل الأجل بالعملة المحلية من “CC” إلى “CCC” مع نظرة مستقبلية مستقرة ، مع الإبقاء على تصنيف العملة الأجنبية عند “SD”. تصنيف “CCC” يعني أن الدولة معرضة بشكل كبير لخطر التخلف عن السداد ، وتعتمد على ظروف اقتصادية ومالية وسياسية مواتية لالتزامها بسداد التزاماتها . أما النظرة المستقبلية المستقرة فتعكس توقعات الوكالة بعدم تغير التصنيف خلال الأشهر الـ12-18 المقبلة .
يمكن الاستفادة من هذا التصنيف في عدة مجالات لها علاقة مباشرة بالوضع النقدي والاقتصادي المحلي منها:
1. تحسين الوصول إلى الأسواق المالية: قد يفتح تحسين التصنيف الباب أمام لبنان للعودة إلى الأسواق المالية الدولية، وإن كان بأسعار فائدة مرتفعة تعكس المخاطر العالية .
2. تعزيز ثقة المستثمرين: يعطي إشارة إيجابية للمستثمرين المحليين والأجانب عن استقرار نسبي في المدى القصير، رغم استمرار المخاطر .
3. التفاوض مع الدائنين: قد يساعد في مفاوضات إعادة هيكلة الديون مع الدائنين المحليين والدوليين .
4. المفاوضات مع صندوق النقد الدولي: يعكس تقدماً في الإصلاحات المطلوبة للوصول إلى اتفاق مع الصندوق .
لكن رغم التحسن في التصنيف ، فلبنان يواجه عدة تحديات تمنعه من الاستفادة منها :
• أزمة النظام المصرفي: قيود السيولة في النظام المصرفي المحلي تحد من أي فوائد عملية للتصنيف .
• إغلاق السوق المالي: السوق المالي اللبناني عملياً مغلق أمام التداولات الخارجية، مما يحد من تأثير التصنيف .
• البيئة الاقتصادية الضعيفة: البيئة الاقتصادية “الأقل دعماً” تضعف قدرة لبنان على جذب الاستثمارات .
• عدم التقدم في إعادة هيكلة الديون: لا تتوقع الوكالة أي تقدم ملموس في هذا الملف في المدى القريب .
هنا نود ان نشير الى ان تصنيف S&P أكد على ان تشكيل الحكومة الجديدة في شباط 2025 أعطى زخماً للإصلاحات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وقد أحرزت الحكومة تقدماً في بعض الإصلاحات الأساسية مثل :
• تعديل قانون السرية المصرفية
• إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف
• البدء ببحث قانون الفجوة المالية
لكن التقرير يحذر من أن الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026 قد تعيق التقدم في إعادة هيكلة الدين . كما أن تأثير الصراع بين إسرائيل وحزب الله يظل عاملاً سلبياً على آفاق التعافي الاقتصادي ، رغم وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الثاني 2024 .
بينما يمثل رفع التصنيف خطوة إيجابية رمزية ، تبقى التحديات الاقتصادية والمالية والمصرفية هائلة. ان نجاح لبنان في تحويل هذا التحسن الائتماني إلى مكاسب عملية سيعتمد على قدرته على المضي قدماً في الإصلاحات الهيكلية ، معالجة أزمة السيولة في القطاع المصرفي ، إحراز تقدم في مفاوضات إعادة هيكلة الديون ، والحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني ، بدون هذه الخطوات ، قد تبقى الفوائد العملية للتصنيف الجديد محدودة في ظل البيئة الاقتصادية الصعبة التي يواجهها لبنان .