الجيش يُطلق خطة تسليم السلاح… واليونيفيل أمام سيناريو التمديد الأخير

الجيش يُطلق خطة تسليم السلاح… واليونيفيل أمام سيناريو التمديد الأخير

الكاتب: ناديا الحلاق | المصدر: هنا لبنان
16 آب 2025

الرئاسة والحكومة تراهنان على أن يسلّم الحزب سلاحه طوعًا لتجنّب المواجهة، لكن القرار السياسي حُسم، واللجوء إلى القوة يبقى خيارًا أخيرًا إذا فشلت لغة العقل، في لحظةٍ يعتبرها الكثيرون الفرصة الأخيرة لإعادة حصرية السلاح إلى الدولة.

في تطوّر أمني وسياسي لافت، دخل ملف السلاح غير الشرعي في لبنان مرحلةً مفصليةً، مع تكليف الحكومة الجيش إعداد خطة واضحة ومتكاملة لحصر السلاح بيد الدولة. القرار، الذي جاء بعد سنوات من المراوحة والجدل، يضع المؤسّسة العسكرية في قلب المشهد، وسط انقسام داخلي، وضغوط إقليمية ودولية، وتحدّيات تقنية ولوجستية بالغة التعقيد. وبينما يتصاعد النقاش حول شكل هذه الخطة ومداها، تتزامن التطوّرات مع ملف آخر لا يقلّ حساسية، هو مستقبل قوات “اليونيفيل” في الجنوب، حيث يلوح سيناريو تعديل مهامّها أو تمديدها للمرة الأخيرة.

وسط هذه التطورات، يبرز دور الجيش اللبناني كمحورٍ رئيسي في تنفيذ خطة حصر السلاح. وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي والخبير العسكري العقيد أكرم سريوي لموقع “هنا لبنان” إنّ “ما يُحكى عن خطّة الجيش بأربع مراحل ليس إلا تكهّنات، فالجيش لن يعلن عن تفاصيل خطته قبل عرضها على مجلس الوزراء، لكنّه يؤكد أنّ المؤسّسة العسكرية لن تتردّد في تنفيذ أي مهمة تُكَلَّف بها”.

ويضيف أنّ بعض القوى السياسية تُحاول تصوير القرار وكأنّه توجيه للجيش لمواجهة حزب الله أو دخول المخيمات الفلسطينية، لكنّ الحقيقة، بحسب سريوي، أنّ الخطة ستأخذ في الحسبان القدرات اللوجستية والفنية، ولن تتضمّن أي سيناريو يضع الجيش في مواجهة مباشرة مع الحزب أو في حرب مخيمات جديدة.

الملف التقني: مصير الصواريخ والمسيّرات
ويشرح سريوي أنّ جوهر الجانب التقني يتمثّل في تحديد مصير السلاح الثقيل لدى حزب الله، وخاصة الصواريخ والطائرات المسيّرة، قبل تقرير ما إذا كان الجيش سيحتفظ به، أو سيدمّره، أو يبيعه، أو يُعيده إلى إيران. وبعد ذلك، ستتمّ عملية كشف على أماكن التخزين والنقل إلى مواقع مناسبة، وكلّ ذلك لن يتمّ إلا عبر التنسيق مع الجهات المالكة للسلاح، سواء لبنانية أو فلسطينية.

المسؤولية السياسية: الحلّ بالحوار لا بالقوة
وعلى الرغم من قدرة الجيش على تنفيذ المهام، يبقى التحدّي الأكبر مرتبطًا بالموقف السياسي للأطراف المعنية، إذ يرى سريوي أن الحلّ يكمن بالحوار لا بالقوة. ويشير إلى أنّ المشكلة ليست لدى الجيش، بل في الموقف السياسي، إذ يرفض حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية تسليم أسلحتهم، ما يضع المسؤولية على عاتق الحكومة لإيجاد حلّ وتحمّل تبعات القرار. ويشدّد على استبعاد خيار القوة لما يحمله من مخاطر على السلم الأهلي، معتبرًا أن خطاب رئيس الجمهورية في الأول من آب يمكن أن يشكل خريطة طريق جامعة.

سركيس: الغطاء السياسي متوفر لأول مرة منذ عقود
من جهته، يرى المحلل السياسي ألان سركيس أنّ قرار الحكومة هذه المرّة مختلف، إذ بات سلاح حزب الله بلا غطاء داخلي، والخيارات أمامه محدودة بعد متغيّرات كبرى، منها الحرب الأخيرة، واغتيال حسن نصر الله، وانهيار النظام السوري. ويؤكّد أنّ مجلس الوزراء ينتظر من قيادة الجيش خطةً قبل نهاية الشهر، مستفيدًا من ثلاثة عوامل: الإجماع الوطني حول الجيش، الثمن الذي تدفعه المؤسّسة العسكرية في مواجهة الفوضى والإرهاب، والثقة الدولية الممنوحة لها.

خطة ميدانية بخمس مناطق ساخنة
ويكشف سركيس أن الخطة ستتعامل مع بنية الحزب عبر خمس مناطق رئيسية:

– جنوب الليطاني: حيث أُنجز نحو 80% من مهام القرار 1701.
– شمال الليطاني: ضرورة السيطرة لتفادي أي مواجهة مع إسرائيل.
– البقاع: مستودعات صواريخ بعيدة المدى ومصانع أسلحة ومسيّرات.
– الضاحية الجنوبية: حيث تُكدَّس الأسلحة بين المدنيين.
– بؤر منتشرة: بلدات ومراكز تابعة للحزب يجب تفكيكها.

ملف اليونيفيل: تمديد بشروط جديدة
وفي موازاة هذه الخطة الداخلية، يظل ملف قوات “اليونيفيل” في الجنوب محورًا حسّاسًا، إذ يشير سركيس إلى اعتراض أميركي على استمرار عملها بالصيغة الحالية، ومطالبات بتعديل مهامها، فيما تلعب فرنسا دور الوسيط للإبقاء على الوضع القائم. القرار النهائي بيد مجلس الأمن، لكنّ المؤشرات ترجّح تعديلًا جزئيًا في طبيعة مهام القوة الدولية.

ويختم سركيس بالقول إنّ الرئاسة والحكومة تراهنان على أن يسلّم حزب الله سلاحه طوعًا لتجنّب المواجهة، لكن القرار السياسي حُسم، واللجوء إلى القوة يبقى خيارًا أخيرًا إذا فشلت لغة العقل، في لحظةٍ يعتبرها الكثيرون الفرصة الأخيرة لإعادة حصرية السلاح إلى الدولة.

مع هذه التعقيدات كلّها، يبدو واضحًا أنّ أي تقدم في حصر السلاح بيد الدولة يتطلب توازنًا دقيقًا بين القوة السياسية والدعم العسكري، ما يجعل الجيش اللبناني على مفترق طرقٍ بين فرض سيادة الدولة وضمان الاستقرار الداخلي. ومع تكثيف الرقابة السياسية والدولية، تُراهن الحكومة على أسلوبٍ تدريجيّ ومتدرجٍ في معالجة ملف السلاح غير الشرعي، بالاعتماد على الحوار والتفاهم مع الأطراف المعنية وتجنّب أي مواجهة عسكرية مباشرة.

وعلى الرغم من صعوبة المهمة وتعقيداتها التقنية واللوجستية، فإنّ الغطاء السياسي الداخلي والدعم الدولي المتواصل يمنحان الجيش فرصةً فريدةً لإنجاز ما عجزت عنه السنوات الماضية، بما يعيد للدولة هيبتها وحصرية السلاح بيدها، ويعزّز من استقرار لبنان في ظلّ تحدّيات إقليمية مُتصاعدة. في هذه المرحلة، تبقى المبادرة الحكيمة والحوار البنّاء السبيل الأضمن لتجنب الانزلاق نحو أزمة أمنية أو حرب داخلية جديدة.