«الخرائط الحمراء» شرقاً: ترسيم أحادي لمنطقة عازلة يختبر السيادة والـ1701

«الخرائط الحمراء» شرقاً: ترسيم أحادي لمنطقة عازلة يختبر السيادة والـ1701

الكاتب: داود رمّال | المصدر: الانباء الكويتية
16 آب 2025

شهد القطاع الشرقي المحاذي لمزارع شبعا خطوة إسرائيلية غير مسبوقة منذ بدء ترتيبات وقف إطلاق النار، تمثلت في إلقاء مناشير مرفقة بخرائط تظلل مساحة واسعة باللون الأحمر وتحذر المدنيين من دخولها. هذه الخطوة تشي بمحاولة ترسيم منطقة عازلة أحادية، تتجاوز الإشعار الأمني إلى هندسة واقع ميداني دائم، ما يضع السيادة اللبنانية ومرجعية القرار 1701 أمام اختبار مباشر.

الخرائط والمنشورات تحمل مظهرا مدنيا بدعوى حماية السكان، لكن مضمونها يعيد رسم خط تماس جديد داخل أراض لبنانية وعلى تخوم مناطق متنازع عليها. سبق ذلك تحذيرات موجهة إلى مزارعين ونحالين من الاقتراب من «مناطق حساسة»، في مسار تدريجي نحو نطاق أمني مراقب ومفرغ من الحركة البشرية. هذا التمهيد يقترن بجولات ميدانية إسرائيلية علنية على الحدود لتأكيد قيام «واقع جديد» على الأرض.

المساحة المظللة، التي تقدر بنحو 50 كيلومترا مربعا، تشمل حقولا وملكيات خاصة وممرات تقليدية لأهالي القرى. منع الوصول إليها يضعف حق الانتفاع، أحد ركائز تثبيت الملكية، ويفتح الباب لتحويل المنع المؤقت إلى مرجعية تفاوضية لاحقة، بحيث يصبح «الخط الأحمر» حدا عمليا في أي تسوية مستقبلية. الأخطر بحسب مصدر وزاري لـ «الأنباء» أن «تعاد صياغة خطوط وقف النار تدريجيا: يبدأ الأمر في الشرق، ثم يمتد إلى قطاعات أخرى، لتنشأ منطقة عازلة موازية لخط هدنة جديد، خارج أي تفاهمات أممية أو لبنانية».

وأوضح المصدر: «قانونيا، لطالما حكمت هذه المناطق ثلاث مرجعيات: الحدود الدولية، خط الانسحاب الذي تراقبه القوات الدولية، وحقوق الملكية الخاصة الموثقة. أي نطاق أمني أحادي يعلق هذه المرجعيات يقوضها تدريجيا. ومع تراجع الوصول اليومي، تتآكل الحيازة الفعلية التي كانت درعا ضد محاولات التعدي، ليجد الأهالي أنفسهم أمام خيارين قاسيين: الامتثال لمنع يقطع أرزاقهم أو المخاطرة بحياتهم».

البعد الرمزي والعسكري حاضر أيضا، إذ يضم التظليل الأحمر مواقع متقدمة شهدت سابقا سجالات حول «قواعد الاشتباك»، ما يكشف رغبة في محو أي تمركز لبناني قريب من نقاط الاحتكاك، فعليا أو رمزيا، وتجفيف رمزية تلك المواقع.

خلفية النزاعات تزيد المشهد تعقيدا. فالحدود اللبنانية – السورية رسمت نهائيا منذ السبعينيات من القرن الماضي، بينما بقيت الإشكالات عقارية الطابع، تتعلق بحقوق تملك وانتفاع متداخلة. المناطق المحتلة منذ 1967 وما تلاها خضعت لمسار تدريجي: احتلال بذريعة أمنية، توسع بفعل الحروب، ثم تثبيت عبر منع الوصول وتغيير أنماط الاستعمال. «الخرائط الحمراء» تبدو حلقة جديدة في هذا النمط، تبدأ بتعريف مساحة حساسة وتنتهي بتعويد الجميع على أنها «خارج الحياة».

أمام ذلك، يرى المصدر: «تبدو مسؤولية الدولة اللبنانية ثلاثية: تسجيل اعتراض رسمي لدى الأمم المتحدة على أي تغيير أحادي للوضع القائم. تنظيم حضور مدني آمن للأهالي والمزارعين بالتنسيق مع القوات الدولية لتجنب «الفراغ البشري»، وإطلاق ورشة تحديث لتوثيق الملكيات والحدود وطرق الوصول لحماية الملف القانوني والحقوقي. على الصعيد الداخلي، يجب الابتعاد عن التهويل الذي يشل القدرة على إدارة المخاطر، وعن التهوين الذي يمنح الخطوة وقتا للتجذر، والاكتفاء بوصف دقيق: محاولة ترسيم منطقة عازلة بخطوط حمراء ذات طابع مدني شكلا وأمني مضمونا، هدفها خلق خط وقف نار بديل على مراحل».

الحدود لا تتغير بضربة واحدة، بل بسلسلة خطوات صغيرة تطبع في الخرائط والوعي. كسر هذه السلسلة يبدأ برفض تطبيع الحظر، وإعادة الاعتبار لحق الناس في أرضهم ولحق الدولة في إدارة حدودها، مع سياسة صلبة وهادئة تجعل الأمن مرادفا لأمن السكان وحقوقهم، لا لأمن خرائط أحادية.