3 سيناريوهات قاتمة تحوم فوق لبنان

3 سيناريوهات قاتمة تحوم فوق لبنان

المصدر: الراي الكويتية
17 آب 2025
– إيران المنتظِرة ورقة ويتكوف تعيب على لبنان ورقة براك

دَخَلَ لبنان ما يشبه «حال الطوارئ» السياسية في ضوء «الحمولة شديدة التفجير» في المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم وكرّستْ الخشيةَ من أن «بلاد الأرز» تتّجه إلى مرحلة «الارتطام الكبير» في ضوء «الصدمات المتوالية» والمتعددة البُعد التي بات يُحْدِثُها ملف سحْب السلاح، وتشي بأن الوطن الصغير يُقتاد مجدداً إلى وضعية الوقوع بين ناريْن: تهديد إسرائيلي دائم باستنئاف الحرب الموسّعة، وتهديدٍ داهِم من الحزب بـ«معركة كربلائية» في الداخل حمايةً لترسانته العسكرية.

وغداة الزيارة الصاخبة لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت وما تخلّلها من مواقف بدت أقرب إلى «أمر عملياتٍ» بـ «الارتقاء» في مواجهةِ مقترح الموفد الأميركي توماس براك، لم يكن عادياً أن يطلّ قاسم بخطابٍ تحدّى فيه «بالفم الملآن» حكومة الرئيس نواف سلام وقرارها بسحْب سلاح «حزب الله» بحلول نهاية السنة وتكليفها الجيش اللبناني وضع خطةٍ تطبيقية قبل نهاية أغسطس الجاري، وأوحى معه الحزبُ بأنه انتقل من إسنادِ غزة بعد «طوفان الأقصى» إلى التلويح بحرب ضدّ الداخل لإسنادِ السلاح على قاعدة «وبعدي الطوفان».

واعتُبرت إطلالةُ قاسم التي هاجم فيها «الحكومة التي تنفّذ الأمر الأميركي الإسرائيلي بإنهاء المقاومة، ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية وفتنة داخلية، وتقوم بخدمة المشروع الإسرائيلي»، بمثابة محوٍ لأيّ «هامش مناورةٍ» يمكن للبنان الرسمي «النفاذ» منه لتجنيبِ البلاد ارتداداتِ ما تم التعاطي معه على أنه «عصيان متدرج» لقرارات الحكومة وذلك بمعزل عن «مسرحِ العمليات» الأوسع الذي جَعَلَ ملف السلاح يتحوّل «صاعقاً تفجيرياً» والذي يرتبط بانقضاء «فترة السماح» الدولية التي مُنحت لبيروت لإنجاز «الهيكل التنفيذي» لتفكيك ترسانة الحزب وبدء التطبيق، كما بمقتضياتِ محاولة إيران «إدارة» أذرعها الإقليمية بما يقوّي موقعها في الطريق لاستئناف مفاوضات النووي.

ومن هنا تقاطعتْ المؤشراتُ في الداخل والخارج عند أن لبنان دخل واقعياً مرحلةً هي الأخطر في ضوء الإشارات الآتية التي توقف عندها أوساط مطلعة:

– أن «حزب الله» قام بـ «حرق الجسور» مع الداخل اللبناني، المناهض في غالبيته الكبرى لسلاحه، رغم محاولات قريبين من الثنائي الشيعي التخفيف من وطأة تهديدات قاسم وأنه لم يقفل الباب نهائياً أمام حصرية السلاح. علماً أن الحزب يصرّ على ربْط نقاشها بإطار ناظِم «بات من الماضي» عملياً (حوار حول إستراتيجية أمن وطني أو إستراتيجية دفاعية) في ضوء استعجال الخارج بت قضية السلاح وفق مندرجات اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) والقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان واتفاق الطائف والبيان الوزاري للحكومة وخطاب القسَم للرئيس جوزاف عون، في موازاة سعي لبنان الرسمي لضمان شمول المرحلة التنفيذية لتفكيك الترسانة العسكرية في جنوب الليطاني وشماله انسحاب إسرائيل من التلال الخمس وإطلاق الأسرى ووقف الاعتداءات.

ولعل أكثر ما استوقف هذه الأوساط كان إبداء «حزب الله» الاستعداد لـ «انتحار جَماعي» وعلى قاعدة «ننتحر معاً» أو «ننتحر بكم» في حال مضت الحكومة بتنفيذ قرارها، إذ بَلْوَر قاسم شعار «الموت ولا تسليم السلاح» بإعلانه «لا حياة للبنان إذا كنتم ستقفون في المقلب الآخَر، وتحاولون مواجهتنا والقضاء علينا، لا يمكن أن يُبنى لبنان إلا بكل مقوماته. إما أن يبقى ونبقى معاً، وإما على الدنيا السلام. وأنتم تتحملون المسؤولية».

– أن إيران التي يعتقد البعض أنها تخوض «معركة بقاء» بعد حرب الـ 12 يوماً الإسرائيلية – الأميركية عليها والتي هزّت الأرض تحت أقدام نظامها، تدير المرحلة الراهنة خصوصاً ملف النووي بما يراعي مقتضى استيعاب الضغوط وتخفيفها و«الأخذ والعطاء» مع الأوروبيين ومن خَلْفهم الأميركيين، ولكنها في المقابل تعتمد أعلى درجات التشدد عبر حلفائها، من الحشد الشعبي في العراق إلى «حزب الله» في لبنان الذي لم يتأخر في «تأكيد المؤكد» لجهة الطابع «الوجودي» لسلاحه.

ولم يتوانَ خصوم لـ «حزب الله» في هذا السياق، عن استحضار أن سلاح الحزب باتت وظيفته «حماية السلاح»، في ضوء مواقف قاسم التي خلت من التهديدات لإسرائيل لتصبّ عوضاً عنها على الحكومة، وأن «طهران التي تستطلع احتمالات استئناف مفاوضات النووي تبيح لنفسها ما تعيبه على غيرها، هي التي كانت تتلقى مقترح ستيف ويتكوف وأوراقه في ما خص«النووي»في فترة ما قبل حرب يونيو، وتنتظرها حالياً ليُبنى على الشيء».

وتوقف هؤلاء أيضاً عند إكمال السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني ما بدأه مسؤولون إيرانيون وتوّجه لاريجاني، من سقفٍ«بلا حدود»لِما اعتبره لبنان الرسمي تدخلاً في الشأن الداخلي، حيث أعلن أمس أنّ«الضغط الأميركي لن يكسر لبنان ومقاومته، وإيران صامدة بحكومتها وشعبها وتريد الأمر نفسه للبنان». وقال:«إيران تدعم اللبنانيين بكل طوائفهم ولا تفرق بينهم ودعمها ملموس وليس شعاراً».

– أن لبنان بات في ضوء هذه التعقيدات، وعشية عودة براك والموفدة السابقة مورغان أورتاغوس إلى بيروت، أمام 3 سيناريوهات قاتمة: إما الصِدام الداخلي الذي أعلن حزب الله ضمناً«نحن له»، وإما الانهيار والعزلة في حال فرْمل مسار سحب السلاح لأن الخارج سيَترك«بلاد الأرز»لمصيرها الذي«اختارته بيدها»عبر التراجع عن استعادة مقوّمات الدولة الطبيعية التي لا مساعدات ولا دعماً قبل قيامها، وإما حرب إسرائيلية جديدة.

وبرز في الساعات الماضية موقف لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن فيه أن الجيش الإسرائيلي شنّ أخيراً هجمات في جنوب لبنان ضد بنية تحتية تابعة لـ«حزب الله»، وقال: «لن نسمح بظهور تهديدات ضدّ سكان الشمال وجميع مواطنينا»، وأضاف: «أوجه رسالة مباشرة إلى الرئيس اللبناني جوزاف عون… إنكم والحكومة اللبنانية مسؤولون مسؤولية مباشرة عن فرض سيادة لبنان والحفاظ على اتفاق وقف النار. لن نعود إلى واقع 7 أكتوبر 2023، وسنواصل العمل بحزم ضد أي انتهاك».

وفي حين يسود ترقُّب لِما سيكون عليه الموقف الرسمي اللبناني، وهل سيمضي وفق مندرجات الخطوات الجريئة التي قام به في ملف السلاح، أم ينتقل الى وضعية «الدفاع عن النفس» والتبرير، أو يتراجع خطوة، فإن المواقف التي أطلقها رئيس الحكومة أعطت إشاراتٍ إلى ثبات على المسار، وسط انتظار لِما سيعلنه الرئيس عون في إطلالته على «العربية» التي تُبث مساء اليوم، علماً أنه تفقّد أمس سرية حرس رئاسة الجمهورية التابعة لقوى الأمن الداخلي مؤكداً دعمه الكامل للمؤسّسة الأمنية، ومشدّداً على «أهمّية الجهوزية الدائمة في ظلّ الظروف التي تمرّ بها البلاد».

سلام و«أول الكلام»

وكان سلام قال في «أول الكلام» رداً على قاسم (عبر صحيفة «الشرق الأوسط») إن «التهديد أو التخويف بالحرب الأهلية حرام. لا أحد من اللبنانيين يريد اليوم أن يرجع للحرب الأهلية»، لافتاً إلى «ان الكلام عن السلاح بالطريقة الذي تناوله فيه الشيخ نعيم، وكأن الحكومة اليوم تقوم بمسألة جديدة، في حين أن موضوع حصرية السلاح بيد الدولة مسألة مطروحة منذ وقت اتفاق الطائف الذي يذكرنا به اليوم الشيخ نعيم. (…)».

وشدد على «أن هذه الحكومة لبنانية وطنية تأخذ قراراتها من خلال مجلس الوزراء، وهي ليست خاضعة لإملاءات، بل لمطالب اللبنانيين منها»، معلناً «أعتقد أن اللبنانيين، بغالبيتهم الساحقة، هم مع قرارات الحكومة اللبنانية التي تضع اليوم خطة تنفيذية لحصر السلاح. وحرام الكلام عن أن هذه الحكومة خاضعة لإملاءات (…) وأعرف مَن هو الخاضع لإملاءات، ومَن الذي يستمع للإملاءات، ومَن الذي اعتبر نفسه امتداداً لأطراف خارجية».

وأوضح «ليس هناك دولة إذا لم يكن عندها حصرية السلاح، وقرار الدولة يؤخذ في مجلس الوزراء وليس في مكان آخر»، وأضاف رداً على «الكلام عن أننا لن نسلّم سلاحنا» بـ «لا أحد يطلب من الشيخ نعيم أن يسلم سلاحه لإسرائيل. بالعكس، لا نرضى أن يسلّم أحد سلاحه لإسرائيل. نحن نريد أن نحمي سلاح المقاومة من الضربات الإسرائيلية. وما نطلبه هو حصرية السلاح في أيدي الدولة. هذا يعني أن يسلم هذا السلاح للدولة اللبنانية ولجيشها الوطني».

وذكّر بما «بعد الحرب الأخيرة وترتيبات وقف الأعمال العدائية في نوفمبر الماضي والذي أكد من جديد على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وسمى من له الحق في أن يحمل السلاح بلبنان: الجيش اللبناني، قوى الأمن اللبناني، الأمن العام، أمن الدولة، الشرطة البلدية ولا أحد آخر». وأكد أن «أي حزب ولا أي طرف سياسي آخر مخول له أن يحمل السلاح بلبنان». هذا «(قرار منذ أيام) الحكومة السابقة. وهم (حزب الله وحركة امل) وافقوا على هذا الاتفاق».

جعجع و«أحرار لبنان»

في موازاة ذلك، ارتسمت ملامح جبهة رفض عريضة لمواقف قاسم، استعاد معها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لغة «أحرار لبنان»، معتبراً ما أعلنه الأمين العام «تهديداً مباشراً للحكومة اللبنانية والأكثرية النيابية التي منحت هذه الحكومة الثقة، وللمؤسسات الدستورية كافة وفي طليعتها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة».

وأضاف «إذا كان الشيخ نعيم يَفترض أنّه لم يَعُد في لبنان لبنانيون أحرار، وأنّه بهذه الطريقة يفرض هيبته غير الموجودة أصلاً على هؤلاء اللبنانيين الأحرار، فهو مخطئ جداً».

وتابع «في هذه اللحظات الحساسة من تاريخ لبنان، نقف جميعاً كلبنانيين أحرار، ونحن نشكّل الأكثرية الكبرى في لبنان، خلف مؤسساتنا الدستورية والرئيسين عون وسلام اللذين سعيان بكل ما أوتيا من وطنية واندفاع وقوة لإعادة لبنان إلى نفسه وإعادة الدولة الفعلية إلى انتظامها (…) والمرحلة التي نعيشها تأسيسية بامتياز، ولن نألو جهداً في بذل كل ما يمكن في سبيل عدم السماح لأيّ كان بإفشال هذه المحاولة من جديد».

ولم يقلّ دلالة استعجال الرؤساء السابقون أمين الجميل، ميشال سليمان، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، الردّ على كلام قاسم بعد اجتماع عقدوه (الجمعة) عبر تقنية «زوم»، ونوّهوا في ختامه بـ«الموقف المبدئي والوطني والمتقدم الذي أعلنته الحكومة والقاضي بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية»، معربين عن«قلقهم من خطورة الكلام الذي صدر عن الشيخ قاسم ورفضه فكرة تسليم السلاح إلى الدولة، وتصعيده لموقفه السياسي وشروطه التي يحاول إعادة فرضها على لبنان وشعبه ودولته».