وسط الانهماك بسلاح الحزب.. أي فرصةٍ لتسوية السلاح الفلسطيني؟

وسط الانهماك بسلاح الحزب.. أي فرصةٍ لتسوية السلاح الفلسطيني؟

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
17 آب 2025

يعود ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات إلى المشهد السياسي والأمني في لبنان، كأحد القضايا الحساسة في ميزان السيادة والاستقرار الداخلي. رغم التعهدات السابقة من الفصائل، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، بتسليم هذا السلاح داخل المخيمات، فإن الواقع الميداني بقي بعيدًا عن هذه الالتزامات، بفعل الانقسامات الداخلية، وتعدّد الولاءات، وتشابك الارتباطات الإقليمية.

خطة لبنانية تحت سقف القرارات الدولية

اليوم تعمل السلطة اللبنانية، بالتنسيق مع الجيش، على مقاربة تدريجية لحصر السلاح بيد الدولة، في إطار خطة أشمل لتطبيق القرار 1701، وربطه بالقرار 1559 الذي ينص على تفكيك الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية كافة. وفي ما خص السلاح داخل المخيمات الفلسطينية، يملك الجيش، الذي راكم خبرة واسعة في الرصد الاستخباري داخل المخيمات وعلى حدودها، قيودًا دقيقة على أعداد الأسلحة وأنواعها. أي إن الجيش يعلم ما في داخل المخيمات من سلاح خفيف ومتوسط وثقيل، كما أنه جهز ملفات شاملة عن كل المجموعات والفصائل وتوجهاتها وتمويلها وانتماءاتها. ولكن، على رغم ذلك، هو لا يعتزم اقتحام المخيمات بالقوة، بل يسعى إلى اتفاقات واضحة مع الفصائل لتسليم السلاح، وفق آليات تمنع أي فراغ أمني، مع مراعاة الحساسية الميدانية داخل الأحياء المكتظة.

تفعيل المسار الفلسطيني 

على المقلب الفلسطيني، أطلقت السلطة في رام الله ورشة تنظيمية في الساحة اللبنانية خلال تموز الماضي، شملت تغييرات في الصفين الأول والثاني من قيادة منظمة التحرير وفتح، تمهيدًا لاحتواء الاعتراضات التي حالت دون التزام المرحلة الأولى من سحب السلاح من المخيمات في السادس عشر من حزيران الماضي، على أثر الاتفاق الذي تم بين رئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة اللبنانية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خلال زيارته لبنان. 

الموقف اللبناني 

وما تم إبلاغه إلى الجانب الفلسطيني، من خلال لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني وعبر المستوى السياسي، أعاد تحريك الملف فلسطينياً، فجرى استبدال السفير أشرف دبور، المتمسك بخيار “تنظيم السلاح”، بمحمد الأسعد. وهذه رسالة واضحة تؤكد تبنّي خيار “التسليم”. وقبل وصول الأسعد إلى بيروت، المقرر خلال أيام، سيزور بيروت وفد من لجان الأمن الوطني الفلسطيني للتنسيق مع لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني والجهات الأمنية والعسكرية، بمتابعة مباشرة من ياسر عباس، نجل الرئيس محمود عباس.

من بيروت إلى الجنوب… والعقبات

الخطة السابقة كانت تقتضي بدء التسليم منتصف حزيران من مخيمات بيروت، لكن الخلافات بين الفصائل، وحتى داخل فتح، دفعت إلى تأجيلها. والمعطيات المتوافرة تشير إلى أن رئيس الحكومة نواف سلام يتواصل مع الرئيس محمود عباس، وأن التوجّه الحالي يقضي بالانطلاق من مخيمات جنوب الليطاني، وتحديداً الرشيدية والبص والبرج الشمالي، قبل الانتقال إلى المخيمات التسعة الأخرى، على أمل أن يفتح نجاح هذه التجربة الطريق نحو العاصمة وسائر المناطق. لكن المعضلة الأساسية تبقى في غياب المرجعية الموحدة داخل المخيمات؛ فحركتا حماس والجهاد الإسلامي لا تلتزمان بسياسة منظمة التحرير، وبعض الفصائل على تماس مباشر مع سلاح حزب الله، ما يضع الملف في قلب النقاش اللبناني الأوسع حول السلاح خارج الدولة.

تكشف مصادر معنية لـ”المدن” أن السيناريو المحتمل لتسليم السلاح الفلسطيني يرتكز إلى أربع خطوات: 

البدء من الجنوب، وهنا الرهان على قدرة رام الله على فرض الالتزام، وعلى قدرة بيروت على توفير حوافز حياتية وخدماتية للاجئين، مقابل التقدم في تسليم السلاح.

التدرج الزمني وعدم ترك أي فراغ أمني، على أن تختتم كل مرحلة بجردة مشتركة ويثبت الأمن تحت سقف القرار 1701.

فصل بعض السلاح الفلسطيني عن سلاح حزب الله، شرط تأمين غطاء سياسي داخلي والتزامات فلسطينية مكتوبة.

عامل الثقة، خصوصاً أن نجاح تجربة المخيمات في الجنوب قد يفتح الطريق أمام باقي المخيمات، وأما فشلها فيعيد الملف الى النقطة الصفر.

تشابك السلاحين

بالنسبة إلى شريحة واسعة من القوى السياسية اللبنانية، إن معالجة السلاح الفلسطيني بمعزل عن سلاح حزب الله تبقى خطوة ناقصة. ويرى هؤلاء أن أي مقاربة شاملة لفرض سيادة الدولة لا يمكن أن تستثني السلاح المرتبط بالحزب، ولاسيما في ظل التداخل الميداني والسياسي بين بعض الفصائل الفلسطينية وحزب الله. في المقابل، هناك من يفضل الفصل الإجرائي بين الملفين، والاكتفاء حاليًا بترتيب الوضع داخل المخيمات بما يسمح بفرض القرار 1701 جنوب الليطاني، على أن يُرحّل النقاش حول ملف السلاح الخارج عن الشرعية بشموليته خارج نطاق جنوب الليطاني إلى مسار سياسي داخلي وإقليمي أوسع.

في كل الأحوال، يبقى هذا المسار إختبارًا لقدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها، وجدية الشريك الفلسطيني وسط بيئة إقليمية معقّدة. فمنذ توقيع إتفاق القاهرة في العام 1969، الذي غطى العمل الفلسطيني العسكري إنطلاقًا من المخيمات بضوابط محددة، ثم إنهيار هذه الضوابط خلال حرب العام 1975، ظل السلاح الفلسطيني عنصرًا فاعلًا في المعادلة الأمنية اللبنانية. ومع إلغاء الاتفاق بقرار من مجلس النواب عام 1987، بقي وجود هذا السلاح خارج سلطة الدولة مصدر خلاف وتوتر. واليوم، يعود النقاش: هل تستطيع الدولة، في ظل الانقسامات الداخلية والتشابكات الإقليمية، أن تدير مسارًا متوازيًا في ملف السلاح الفلسطيني وملف سلاح حزب الله، على بعد أيام من عودة توم براك ومعه مورغان أورتاغوس إلى بيروت، وإنجاز الجيش لخطة حصر السلاح التي لا أحد يعرف ما ستكون انعكاساتها على الوضع الداخلي بكل تشعباته.