
خطان لا يلتقيان: الدولة لحصرية السلاح و”الحزب” لإعادة بناء ترسانته
لا تعثّر محركات البحث الإلكتروني،”غوغل” وأخواته، ولا تطبيقات “الذكاء الاصطناعي”، ولا حتى البحث التقليدي في الأرشيف والوثائق، أين كان الأمين العام الحالي لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، حين دمَّر “الحزب” مقرّ مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 23 تشرين الأول 1983، عندما قام انتحاري بتفجير أدّى إلى قتل 241 جنديًا أميركيًا. ما يظهر على شاشة البحث الحاج عماد مغنية، “العقل الأمني” وربما المدبِّر لتلك العملية، فيما يظهر على الشاشة أن الشيخ قاسم كان ناشطًا في اللجان الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية – فرع لبنان، وحركة أمل الإسلامية التي انشقت عن حركة “أمل”، وطوال هذه الفترة استمر أستاذًا في مادة الكيمياء.
بهذا المعنى لا يعرف الشيخ قاسم الشيء الكثير عن تفجير مقر البحرية الأميركية، لأنه لم يكن في “دائرة القرار” مثل الحاج عماد مغنية. لكن يبدو أن القدر، وبعد اثنين وأربعين عامًا، وضعه في “دائرة القرار”.
في خطابه الأخير يوم الجمعة الفائت، يقول الشيخ نعيم قاسم: “تحصل تظاهرة في الشوارع، تعم لبنان، تذهب إلى السفارة الأمريكية، تقوم بأعمال لها علاقة بنصرة الحق وإبراز الحضور والوجود. هذا يصبح أمرًا آخر، لوقته هو بالحسبان. ولكن هذا ليس هو الوقت”.
لم يقل الشيخ نعيم قاسم ماذا يقصد بقوله “تقوم التظاهرة بأعمال لها علاقة بنصرة الحق”، أليس هو الكلام نفسه الذي قيل عشية ضرب مقر البحرية الأميركية عام 1983؟ عمليًا، ماذا يريد الشيخ نعيم قاسم أن يقول؟ هل يريد أن يذكِّر بالعام 1983؟
لئلا نرواح في التحليل والاجتهاد، نورد معطيات وردت في تقرير دبلوماسي وصل إلى جهات رسمية عن زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى كل من العراق ولبنان. يقول التقرير إن الزيارتين مترابطتان، وأن اللقاءات الأساسية تمت مع “حزب الله” سواء في العراق أو في لبنان. في العراق التقى لاريجاني الأمين العام لـ “حزب الله” العراقي أبو حسين الحميداوي، وفي لبنان التقى الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم.
يتابع التقرير، وهنا “بيت القصيد”، أن حصيلة اللقاءين، في العراق وفي لبنان، تشكيل “خلية أزمة” تتبع غرفة عمليات واحدة، وتتعهد إيران بتقديم أسلحة نوعية إلى كل من “حزب الله” في لبنان و”حزب الله” في العراق. ويكشف التقرير أن إيران أنجزت وضع خطة من قسمين: قسم تزويد الفصيلين، في بيروت وبغداد، بالأسلحة المطلوبة، وقسم تزويدهما بكل المتطلبات لتصنيع الأسلحة سواء في لبنان ( بعدما سُدَّت منافذ سوريا) أو في العراق.
انتهى إيجاز التقرير. ماذا في الاستنتاج؟
الدولة اللبنانية و”حزب الله” يسيران في خطين متعاكسين: الدولة تسير في خط حصرية السلاح بيدها، فيما “حزب الله” يسير في خط إعادة بناء ترسانته العسكرية، مدعومًا من إيران.
في هذه الحال، هل يُفترض تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في حق إيران بسبب تدخلها السياسي والعسكري في الشأن اللبناني؟ قد لا تصل الحكومة اللبنانية إلى هذا السقف من المواجهة، ولكن ما هو واضح من مسار الأمور أن “حزب الله” اتخذ قرار المواجهة، وأن “أمر العمليات” سلَّمه لاريجاني للشيخ نعيم قاسم الذي تلاه في اليوم التالي للقاء الذي تسلّم فيه “أمر العمليات”.