
أسراب البجع تثير الدهشة في لبنان وتسلط الضوء على اضطرابات مناخية غير معتادة
في ظاهرة مفاجئة لفتت أنظار السكان وأثارت فضول المراقبين، حلّقت أسراب كبيرة من طيور البجع فوق مناطق البقاع والجنوب اللبناني في وقت غير معتاد من السنة، لتكسر النمط التقليدي لهجرتها وتفتح بابًا واسعًا للتساؤلات.
لم يأتِ هذا الظهور المذهل في سياقه الطبيعي، بل في توقيت يخرج عن المألوف، ما يشير إلى خلل ما في التوازن البيئي أو تغيّر غير محسوب في الأنماط الجوية المعتادة.
ما الذي يدفع هذه الطيور المهاجرة إلى تغيير وجهتها في هذا الوقت بالتحديد؟ وهل يحمل تحليقها المبكر رسالة خفية عن اضطرابات مناخية بدأت تفرض واقعًا جديدًا على البيئة في المنطقة؟
وبين التحذير الطبيعي والتأويل العلمي، تبدو أسراب البجع وكأنها ناقوس إنذار، يقرع مبكرًا ليوقظ الانتباه إلى تحوّلات مناخية قد تكون أعمق وأخطر مما نظن.
هذه الظاهرة لا تقتصر على مجرد مشهد بصري لافت، بل تحمل في طيّاتها دلائل مقلقة على تغيّرات بيئية غير مسبوقة، تستدعي التوقف والتفكير في مدى تأثيرها على التنوّع البيولوجي، وعلى أنماط الطقس في لبنان، وربما على شكل الشتاء القادم.
وفي هذا السياق، أشار رئيس حزب البيئة العالمي، الدكتور ضومط كامل، في حديث لـ “نداء الوطن”، إلى أن ظهور أسراب من طيور البجع في مناطق البقاع والجنوب في هذا الوقت غير المعتاد من السنة، يعكس تغييرات مناخية غير طبيعية. فهذه الطيور عادة لا تمر خلال هذا الموسم، ما يشير إلى اضطرابات جوية كبيرة، وربما تكون المناطق التي مرت بها قد شهدت أمطارًا غزيرة وغير معتادة في هذا التوقيت، ما دفعها إلى مغادرتها.
وأضاف: “إذا كانت هذه الطيور قرأت الأحوال الجوية بشكل صحيح، فقد يكون الشتاء هذا العام مبكرًا، ولكنني أستبعد ذلك. اللافت أن أسراب البجع بدأت هجرتها هذا العام في وقت أبكر بكثير من المعتاد؛ فبدلًا من أن تبدأ رحلتها في شهري أيار أو حزيران، شهدنا مرورها في أوائل نيسان. أما عودتها إلى أوروبا، فقد بدأت في أواخر آذار، والآن نراها تعود مبكرًا إلى أفريقيا أيضًا”.
وتابع : “يبدو أن هناك تغيّرًا في الأنماط الجوية، نحن ندرس هذه الظاهرة ضمن إطار عملنا في حزب البيئة العالمي، لمعرفة الأسباب المحتملة”.
وعن تأثير ظهور هذه الأسراب في المناطق المأهولة بالسكان على الزراعة أو النظام البيئي المحلي، أوضح أن “طائر البجع هو صديق للإنسان وللطبيعة والبيئة، ولكن للأسف، في لبنان يتعرض لإطلاق النار من قبل بعض المواطنين، ولا يُسمح له بالمرور بأمان. هذا تصرف غير مسؤول، ويعكس ثقافة مدمّرة تجاه البيئة”.
أما بشأن ما إذا كان ظهور هذه الأسراب ينذر بشتاء قاسٍ هذا العام، فأكد كامل: “لا توجد حتى الآن أي مؤشرات بيئية تدل على عودة كثيفة للثلوج على ارتفاعات منخفضة مثل 200 أو 300 متر، كما كان يحصل في السابق. العوامل التي أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة لا تزال قائمة، ولا يمكن أن تختفي في يوم أو يومين. لذلك من غير المرجّح أن نشهد شتاءً استثنائيًا في المدى القريب”.