العدالة المقلوبة: ويليام نون يُستدعى… والمجرم الحقيقي طليق

العدالة المقلوبة: ويليام نون يُستدعى… والمجرم الحقيقي طليق

الكاتب: ماريانا الخوري | المصدر: نداء الوطن
20 آب 2025

تلقّى ويليام نون، شقيق ضحية انفجار 4 آب جو نون، صباح الجمعة استدعاءً جديدًا إلى التحقيق أمام المباحث الجنائية المركزية، وذلك بناءً على إخبار قدّمه المحامي حسين إبراهيم. الإخبار تضمّن اتهامات له بـ “إثارة النعرات الطائفية” و”خرق قانون مقاطعة إسرائيل”، استنادًا إلى كلمة ألقاها في ذكرى انفجار 4 آب الماضي. على أساسه، كان القاضي صبوح سليمان قد أصدر مذكرة توقيف بحقه، ما استدعى مثوله أمس أمام قاضي التحقيق في قصر العدل في بيروت.

في مشهد يختصر بشاعة الواقع، يتحوّل شقيق ضحية أكبر انفجار شهده العالم في مرفأ بيروت إلى شخص مطلوب للتحقيق، فقط لأنه يطالب بالعدالة. فحين يتحدّث مسؤول حزبي ويثير النعرات الطائفية، يخرج “الحزب” سريعًا ليقول إن كلامه أُسيء فهمه. أما حين ينطق ويليام نون بكلمة في خضم وجعه، تتحوّل إلى تهمة خطيرة من نوع إثارة النعرات الطائفية والتعامل مع العدو، من دون أن يعترف أحد بأن كلامه ربما أُسيء فهمه أيضًا.

لم يعد المشهد في لبنان يشبه ما كان عليه في زمن الوصاية السورية، حين كان تركيب الملفات أداة جاهزة لإسكات الأصوات. اليوم، ومع دخول البلاد مرحلة سياسية جديدة عنوانها العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية والقاضي نواف سلام رئيسًا للحكومة، لم يعد من السهل تمرير الملفات كما في السابق.

وسط هذا الواقع، وجد نون نفسه أمس في قاعة التحقيق لكنه خرج بسند إقامة من دون إمضاء أي تعهّد، ليؤكّد أن القضية أبعد من ملف شخصي، بل تتعلّق بمعركة أهالي الضحايا المستمرة من أجل العدالة. في موازاة ذلك، تجمّع عدد من أهالي الضحايا أمام قصر العدل تضامنًا معه، مؤكدين أن ويليام نون يمثّل كل أهالي الضحايا ومردّدين جملة “كلنا ويليام نون”.

وفي حديث مع “نداء الوطن”، قال ويليام نون: “هذا نوع من الضغط يُمارَس على الأهالي، ومن يقل إنني طائفي، فليأتِ ويرَ الأهالي من السنّة والشيعة والدروز اليوم واقفين أكثر من المسيحيين. ما يصدر عني هو باسم كل الأهالي. أنا تحدثت عن انتهاء الحزب العسكري، ولم أقصد ضحايا “حزب الله”، بل قصدت أنّه انتهى عسكريًا. نعم، لم يبقَ منهم شيء ولا نريد أن يبقى منهم أي وجود عسكري”.

وأضاف: “حزب الله” يعرقل قضية المرفأ منذ خمس سنوات، ولا ننسى أنّ وفيق صفا قد هدّد القضاء. فأين كان القضاء حين هُدّد؟ فليستدعوا إلى التحقيق من هدّد بحرب أهلية ومن هدّد الجيش اللبناني”.

وعند انتهاء التحقيق قال نون: “المعاملة كانت محترمة جدًا، ونحن كأهالي الضحايا ليس لدينا أي مشكلة طائفية مع أحد، بل مطلبنا قضائي. مشكلتنا مع “الحزب” هي في القضاء. أما بالنسبة للهجوم علينا من “حزب الله” على مواقع التواصل الاجتماعي، فنقول: كلما علت أصواتهم نعلم أن حديثنا وصل”. وختم بالقول: “نحن عملاء لوطننا لبنان وهم عملاء لإسرائيل”.

من جهته، أوضح المحامي رالف طنوس لـ”نداء الوطن”: “هناك إخبار قدّم ضد ويليام أمام النيابة العامة التمييزية، وهذا الإخبار يُلزم النيابة العامة باستدعائه. كان من الممكن للنيابة العامة أن تحفظ الإخبار، لكنها قررت استدعاءه. ومن الجو العام والقانوني يمكن القول إنّ هذا الإخبار، بعد التحقيق، سيُحفَظ ولن تتحرّك دعوى الحق العام”.

أما رئيس حزب “حركة التغيير” إيلي محفوض فقال لـ “نداء الوطن”: “المجرم الحقيقي، القاتل الهارب من وجه العدالة، إن كان نائبًا مسؤولًا أو وزيرًا، بحقّه مذكرات توقيف، يجب أن يُنشأ له تمثال ويُقدَّس. أما ويليام نون المطالب بالعدالة فيجب تعليق مشنقته! أريد أن أهنّئ ويليام لأنه لم يتأخر يومًا عن التلبية والمثول أمام القضاء، والآن من المفترض بالوزراء والنواب الحاليين والسابقين، الذين صدرت بحقّهم مذكرات توقيف، أن يمثلوا أمام القضاء لإجراء المقتضى”.

منذ خمس سنوات، يعيش ويليام نون على إيقاع مواجهة مستمرة مع “حزب الله” باعتبار أن الأخير مسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طمس الحقيقة في قضية انفجار مرفأ بيروت. وفيما نون يُستدعى للمساءلة، يبقى المجرم الحقيقي الذي يقف وراء انفجار المرفأ بعيدًا عن أي مساءلة، إذ لم يمثل حتى الآن أمام القضاء، بينما تنشغل الدولة في ملاحقة من يرفع الصوت طلبًا للعدالة. هذا المشهد لا يقتصر على قضية المرفأ فقط، بل بات يختصر مسارًا أوسع تتكرر فيه المفارقة نفسها: الإفلات التام من العقاب للمسؤولين الكبار، في مقابل تحويل المطالبين بالعدالة إلى متّهمين.