
كرامي تمنح بدران عقوداً استشارية: إدارة رديفة لـ”اللبنانية”؟
اطلعت “المدن” على عقود استشارية وقّعتها وزيرة التربية ريما كرامي لمصلحة رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران، هي بمثابة تجديد عقود بعض المستشارين. وإذا كان بعض هذه العقود يعتبر عادياً ويشكل حاجة لرئيس الجامعة، بذريعة الشغور الحاصل بسبب تقاعد موظفين (كما جاء في نص مشروع طلب الموافقة على العقود)، إلا أن عقوداً أخرى تكرّس إدارة رديفة في الجامعة، قوامها مستشارون، لإدارة الوظائف التي يشغلها موظفون عموميون.
بعض هذه العقود، التي وافقت عليها كرامي، يعود لأساتذة متقاعدين يتولون شؤوناً استشارية مثل التواصل والإعلام وغيرها، إلا أن بعضها الآخر يعود لموظفين متقاعدين منذ سنوات، وحل مكانهم موظفون عموميون في الإدارة، ما ينفي حاجة الجامعة إليهم، لاسيما أن الأمر ترافق مع تهميش دور الموظفين لمصلحة المستشارين. فبدران أبقى على المتقاعدين في مناصبهم، وبات حضور الموظف العمومي شكلياً لا أكثر.
مواقع حساسة في الشؤون المالية
ورغم أن المواقع التي يحتلها هؤلاء المتقاعدون تعتبر حساسة للغاية، وافقت الوزيرة كرامي على العقود من دون أي مراجعة قبل التوقيع. وجرى التجديد للموظفين المتقاعدين بعقود قيمتها مليار ونصف المليار ليرة. ووفق مصادر مطلعة على الملف، طلب بدران من وزارة المال نقل اعتماد بهذه القيمة للعقود الاستشارية، ولم يعرف ما إذا كان وزير المال ياسين جابر وافق عليها أم لا، رغم أن بعض العقود يرتبط مباشرة بإنفاق المال العام، ولوزارة المال رقابة على الجامعة اللبنانية. وبمعزل عن كون هذه العقود بمثابة هدر للمال العام، وإن كانت قيمتها منخفضة، فالأخطر يكمن في الوظائف التي يشغرها بعض هؤلاء المستشارين.
يتعلق الأمر بأربعة عقود تعتبر حساسة للغاية نظراً للمهام التي يتولاها المستشار الذي حلّ مكان موظف دوره رقابي في الجامعة. ويتبين من العقود أن ثلاثة منها تتعلق بمالية الجامعة ومراقبة كيفية إدارة الجامعة للمال العام، والرابع يعود لأمانة سر الجامعة.
المهام المرتبطة بالوظيفة
بالتفصيل، سبق وتولى المتقاعد ج. أ. والمتقاعدة ب. ع. وظيفة مراقب عقد النفقات على التوالي. ورغم أن الموظفة في الفئة الثالثة ز.ن. معيّنة في هذا المنصب، فالأولان ما زالا يقومان بهذه المهام.
العقد الثالث يعود للمتقاعدة ف.ع. التي شغلت منصب المحتسب المالي. وما زالت تجدد لها عقود استشارية، رغم أن هذا الموقع تشغله رسمياً الموظفة ن.س. وأما العقد الرابع فيعود لأمينة السر العامة السابقة س.ع.د. ورغم تكليف الموظفة أ.س بهذا المنصب، ما زال الموظفة المتقاعدة تدير هذا الموقع، تحت مسمى عقد استشاري.
مهام هؤلاء الموظفين مهمة جداً. فمن مهام مراقب عقد النفقات التأشير المسبق على كل معاملة تؤدي إلى عقد نفقة، والتثبت من قانونية وسلامة النفقة، والتأكد من توافر اعتماد مناسب في الموازنة للنفقة المطلوبة، والتحقق من أن النفقة مخصصة للغايات التي أُعِدّت من أجلها، وأنها لا تتجاوز سقف الاعتماد المتاح. أما المحتسب المالي المركزي فمهامه تبدأ بعد مراقب عقد النفقة لتنفيذ النفقة وتسجيل كل العمليات المالية والإيرادات والنفقات بدفاتر رسمية، والتأكد من صحة الحسابات، والتحقق من المستندات التي تثبت الصرف وغيرها. أما أمانة السر العامة فمن مهامها حضور الاجتماعات وتنظيم المحاضر والمراسلات وحفظ جميع الملفات، وغيرها من المهام المهمّة.
تعليل بدران ومبررات الوزارة
في نص تجديد العقود المقدم من بدران إلى وزيرة التربية، يطلب رئيس الجامعة السماح له بعقد “إجارة خدمة لتقديم خدمات في إطار أعمال استشارية وإدارية”. ويبرر الطلب بأن معظم موظفي الإدارة المركزية أحيلوا إلى التقاعد، وأن الأشخاص المراد استئجار خدماتهم لديهم خبرات واسعة في مجال عملهم. لكن كما تبين من الممارسة، وفق مصادر مطلعة، لا يؤدي المستشارون أدواراً استشارية لرئيس الجامعة، بل يحلّون مكان الموظفين الحاليين الذين لا حول ولا قوة لهم. فهم يخضعون لمشيئة الرئيس وينفذون ما يطلبه المستشارون. وعليه، تتشكل الإدارة البديلة أو الموازية في الجامعة، ليس من هؤلاء المستشارين فحسب، بل حتى من أساتذة محيطين بالرئيس، يتدخلون في عمل الإدارة.
“المدن” تواصلت مع رئيس الجامعة أكثر من مرة لاستيضاح حقيقة هذه العقود وإعادة تجديدها، لكنه لم يُجب على الاتصالات. علماً أن هذا النوع من العقود، بحسب مرجع في القانوني الإداري، يعقد لستة أشهر ويجدد لمدة مماثلة إذا استدعت الحاجة، ولا يجوز أن يستمر لسنوات بالذريعة عينها، لاسيما أن الجامعة لديها الصلاحيات في طلب تعيين موظفين إصيلين.
أما مصادر وزيرة التربية فردت في المرة الأولى بالقول: “ما فيه شي من هيدا الحكي”، وطلبت تزويدها بأسماء الأشخاص المعنيين. وهذا ما حصل بالفعل. وعليه، عادت المصادر وعللت قبول كرامي بالعقود، فأشارت إلى أن “توقيعها هو من الأمور الروتينية، وقد تم بناء على طلب معلل من رئيس الجامعة. وأكدت أن هذه العقود لا تنشئ أي إدارة رديفة ولا تشكل تعدياً من رئيس الجامعة على صلاحيات أحد”.
وأضافت المصادر أن “الأمر لا يعدو كونه استفادة رئيس الجامعة من خبرات هؤلاء الأشخاص. والغاية منه تسيير شؤون العمل في الجامعة، لأن الرئيس ربما لديه الكثير من الملفات والأعمال. وبعض هذه الملفات له خصوصية معينة. والرئيس له ثقة في أشخاص معيّنين لديهم خبراتهم”.
ولفتت المصادر إلى أن الوزيرة كرامي لا تستطيع أن ترفض طلب رئيس الجامعة أو أن تعرقل عمله، علماً أن الجامعة “تستفيد من خبرات هؤلاء المستشارين مقابل مبالغ مالية لا تعتبر كبيرة (مليار ونصف المليار ليرة)، بمعنى أن عقود هؤلاء المستشارين ليست شبيهة بتلك التي تعقد على حساب الدول المانحة، وتقدر قيمتها بآلاف الدولارات شهرياً”.