“ملاك” ليست الحالة الوحيدة… “الأمن العام” يُعيد للدولة هيبتها بقوّة القانون من دون مجاملات أو تهاون!

“ملاك” ليست الحالة الوحيدة… “الأمن العام” يُعيد للدولة هيبتها بقوّة القانون من دون مجاملات أو تهاون!

الكاتب: كارين القسيس | المصدر: هنا لبنان
20 آب 2025

لبنان ليس دارًا للجوءٍ دائمٍ، ولا مخيمًا مفتوحًا على حساب أمنه وهويته. فمن اليوم، لا تساهل، ولا تسويات، ولا مواربة. كلّ مَن تواطأ بالصمت أو المجاملات على حساب سيادة الدولة شريك في الجريمة، وكل مسؤول تقاعس عن فرض القانون سيكون غدًا شاهد زور على انهيار وطن بأكمله.

لم تكن التعيينات الأمنيّة الأخيرة مُجرّد تغييرات إداريّة عابرة، بل شكّلت صفعةً مدوّيةً في وجه سنوات من الجمود، والفساد، وربّما التواطؤ. إنّها لحظة مفصليّة كسرت رتابة المشهد السياسي المُهترئ، وأعادت إحياء بصيص الأمل في نفوس اللبنانيين المنهكين تحت وطأة الانهيار.

لم يترقّب اللبنانيون هذه الخطوة بدافع الفضول أو حبّ التغيير، بل لأنّهم سئموا الانتظار، وتعطّشوا إلى قرار شجاع يُعيد للدولة شيئًا من حضورها وهيبتها، فالتعيينات الأمنيّة قد تكون الشرارة الأولى في مسار التصحيح، والمفتاح الذي يفتح أبواب المواجهة مع ملفاتٍ ملتهبة، تتصدّرها فوضى الوجود السوري، ذاك الكابوس المتضخّم يومًا بعد يوم، والذي يُهدّد بنية لبنان واستقراره.

الأمن العام يتحرّك…!

منذ أن تسلّم اللواء حسن شقير منصب المدير العام للأمن العام، ظهرت بوادر التغيير بوضوح، حيثُ تحرّكت ملفات بقيت لسنوات طيّ الإهمال والتجاهل، وبدأت خطوات المعالجة تنطلق على قاعدة القانون لا المجاملات، وعلى أساس المصلحة العامة لا الحسابات السياسيّة، بحسب أوساط سياسيّة مراقبة. ومن بين أخطر هذه الملفات وأكثرها حساسيّةً، ملفّ السوريين المولودين في لبنان من دون أي أوراق ثبوتيّة، وهي فئة لم تعد تمثّل حالاتٍ فرديّةً، بل باتت ظاهرةً واسعةً تُشكّل تهديدًا مباشرًا، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضًا على الهويّة الوطنيّة والتوازن الديموغرافي.

الأمن العام، بتوجيه مباشر من اللواء شقير، بدأ التعامل مع هذا الملف بحزم قانوني واضح، متوازن بين الحفاظ على حقوق الإنسان وصون سيادة الدولة، وقد شرعت “المديريّة” فعليًا في تنفيذ عمليات الترحيل بصورة منظّمة وقانونيّة، بحسبما أفادت به مصادر قانونيّة لـ “هنا لبنان”، مؤكدةً أنّ ثمّة إقرارًا جدّيًا على أعلى المستويات بضرورة ترحيل كل من لا يملك صفة قانونية تخوّله البقاء، معتبرةً أنّه، وإن كانت هذه المعالجة تحتاج إلى وقتٍ وجهدٍ، فإنّ انطلاق العمل على هذا المسار وفق رؤية قانونيّة واضحة يُعدّ خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، وبالتالي يبعث برسالة جديّة مفادها بأنّ الفوضى لن تبقى من دون سقف.

وفي مواجهة الحملات التي تسعى إلى تخويف الرأي العام من احتمال منح الجنسيّة اللبنانيّة للنازحين السوريين، توضح المصادر أنّ القانون اللبناني واضح لجهة منح الجنسيّة، فهي تُمنح فقط على أساس رابطة الدمّ، لا رابطة الأرض أو مدّة الإقامة، أي أنّ الجنسية لا تُعطى إلاّ لمن يُثبت أنّ والده لبناني، وبالتالي، لا مجال لأي مطالبة قانونيّة مستقبليّة بالجنسيّة من قبل المولودين لأبٍ غير لبناني، مهما طالت إقامتهم أو وُلدوا في لبنان، وهو ما ينسف الادّعاءات التي يُروّج لها البعض.

وتكشف المصادر نفسها أنّ محاولات التزوير بدأت تظهر للعلن، وخصوصًا في مدينة طرابلس وضواحيها، حيثُ رُصدت محاولات عدّة لتسجيل مواليد سوريين على أنّهم لبنانيون، في مسعًى لفتح باب التجنيس لاحقًا، الأمر الذي يُعدّ جريمةً قانونيةً ومسًّا مباشرًا بسيادة الدولة، ويجب أن يُلاحَق قضائيًا من دون أي تهاون.

وتُضيف أنّ أي شخص لا يملك رابطة دم بأب لبناني، لا يمكنه اكتساب الجنسية اللبنانية، مهما طالت إقامته أو وُلد في لبنان، وهو ما ينطبق على الراشدين من السوريين المولودين في لبنان أيضًا، فقانون الجنسية اللبناني لا يترك مجالًا للاستثناءات، ويُطبّق بشكل صارم لحماية التوازن الوطني.

أمّا ما يتعلّق بآلية الترحيل، فترى المصادر أنّ الأمر لا يتمّ بشكل عشوائي أو ارتجالي، بل يجري العمل على تنسيق فعلي واتفاقيات مع الدولة السورية لتأمين عودة منظّمة لهؤلاء، تضمن حقوقهم كأفراد، وتحترم في الوقت نفسه قوانين الدولة اللبنانية، وهذا ما يؤكّد الجدّية في التعاطي مع هذا الملف، بعدما بلغ مرحلةً لا يمكن معها الاستمرار في سياسة التغاضي.

وعلى الرّغم من سعي بعض الجهات السياسيّة إلى تضخيم حوادث فرديّة واستغلالها للإيحاء بوجود ظلمٍ يفتك بالنازحين، كما في حالة الشابّة السورية “ملاك”، فإنّ موقف الدولة اللبنانية يظل مستندًا إلى أسُسٍ قانونيّةٍ بحتةٍ. وفي هذا السياق، قام موقع “هنا لبنان” بجولةٍ في بلدة الدكوانة، حيثُ التقت ملاك، التي أكدت أنّها وُلدت في لبنان قبل سبعة عشر عامًا، ولم تُمنح يومًا أي وثائق رسميّة تثبت هويتها، وقالت: “وُلدت في لبنان، ولا أعرف شيئًا عن سوريا، وبعد أربعة أيام سأرحل إلى بلد مجهول، فالموت أهون عليّ من المغادرة”.

هذه العبارة، على ما تحمله من بُعدٍ إنسانيّ، لا تُلغي الحقيقة القانونيّة، وهي أنّ الدولة اللبنانية غير مسؤولة عن تقصير الأهل، ولا عن فشل المنظمات في تسوية أوضاع هذه الحالات طوال السنوات الماضية، فالدولة لا تُحاكِم بالعاطفة، بل تُطبّق القوانين، ولا يمكن إدارة المصلحة الوطنية انطلاقًا من المشاعر.

وفي سياق متّصل، ترى مصادر نيابيّة متابعة أنّ الشابة ملاك ليست ضحيّة الدولة، بل ضحيّة الإهمال، ونتاج سنوات من الفوضى وعدم تحمّل المسؤولية من الجهات التي كان يجب أن تسعى لتسوية أوضاعها، معتبرةً أنّ المسؤوليّة القانونيّة تقع على عاتق الأهل، لا على الدولة التي تتحمّل اليوم تبعات هذا الإهمال، ولا تملك ترف البكاء على الأطلال.

ملاك ليست الحالة الوحيدة، إذْ علم موقع “هنا لبنان” أنّ القوى الأمنيّة أوقفت خلال الأسبوع الماضي شابًا من الجنسيّة السورية يُدعى “ف. أ.”، وذلك بعد الاشتباه في وضعه القانوني، إذ تبيّن لاحقًا أنّه لا يحمل أي مستندات ثبوتيّة رسميّة تُؤكّد هويته أو قانونيّة إقامته على الأراضي اللبنانية، الأمر الذي دفع الأمن العام إلى المباشرة بالإجراءات القانونية اللازمة تمهيدًا لترحيله.

ما تقوم به المديريّة العامة للأمن العام ليس سوى واجب وطني، وتنفيذ دقيق وصارم للقانون. لا أحد يدعو إلى إذلال النازحين أو معاقبة الأبرياء، لكن لا يمكن السماح باستمرار الفوضى الديموغرافية التي تهدّد أسس الدولة، فترك الملف من دون معالجة لم يعد خيارًا، خصوصًا بعد أن تبيّن أنّ البعض بدأ يعمل على تزوير وثائق الولادة للتحايل على القانون وفتح باب التجنيس.

لبنان لا يُرحّل مَن يستحق الحماية، لكنه لم يعد قادرًا على تحمّل عبء الفوضى، ولا على دفع ثمن تقاعس الآخرين، وبالتالي، اليوم، الدولة تُعيد فرض سلطتها، وتضع النقاط على الحروف: من لا يملك إقامةً شرعيةً، ولا أوراقًا قانونيةً، ولا صفةً قانونيةً للبقاء، لن يُسمح له بالاستمرار في تحويل لبنان إلى ساحةٍ مفتوحةٍ للفوضى.

من هنا، لبنان ليس دارًا للجوءٍ دائمٍ، ولا مخيمًا مفتوحًا على حساب أمنه وهويته. فمن اليوم، لا تساهل، ولا تسويات، ولا مواربة. كلّ مَن تواطأ بالصمت أو المجاملات على حساب سيادة الدولة شريك في الجريمة، وكل مسؤول تقاعس عن فرض القانون سيكون غدًا شاهد زور على انهيار وطن بأكمله. لا مجال بعد الآن للاختباء خلف شعارات حقوق الإنسان لتبرير الإهمال والتواطؤ. فليُرحَّل كلّ من لا يملك شرعية البقاء، ولتُفتح الملفات، ولتسقط كلّ خطوط الرجعة.

لبنان ليس للبيع، ولن يُستغلّ مجدّدًا كممرّ عبور لتوطينٍ مُقنّعٍ، الدولة عادت، فإمّا الخضوع لقوانينها، أو الرحيل…