
البطريرك يتصدّى لأعداء لبنان… و “الثنائي” يُطلق عنان قبلان
تعرّضت البطريركية المارونية على مرّ التاريخ لهجمات وصمدت. وبقي هدفها الحفاظ على فكرة الاستقلالية اللبنانية وصولًا إلى نشأة لبنان الكبير عام 1920 والذي شكّل ملاذًا آمنًا للأقليات والأكثريات. ولا تختلف الحملة التي تتعرّض لها بكركي حاليًا عن سابقاتها لأنها تقول الكلام الوطني الذي يمثّل الجميع.
أطلّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس الأول على قناة “العربية” مطلقًا مواقف وطنية تصبّ في اتجاه استعادة السيادة. وما هي إلّا لحظات بعد انتهاء كلام الراعي حتّى أتى الردّ من المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان متهجّمًا على أكبر مقام مسيحيّ في لبنان والشرق ومستهدفًا دور بكركي الوطني.
ليس مهمًا إذا كان بيان قبلان كتب في عين التينة أو في أحد الأقبية أو السراديب تحت الأرض التي يختبئ بها قادة “حزب اللّه”، المهم أنّ “الثنائي الشيعي” الذي أطلق العنان لقبلان يلعب بنار الفتنة ويعتدي على أكبر مرجعية دينية ووطنية للمسيحيين.
يواصل “الثنائي الشيعي” سياسة الاستقواء والعناد، ويغيب عن باله أنّ أي شارع تقابله شوارع، فالبطريرك الماروني هو بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق ومرجع الموارنة في كل العالم، وينتمي إلى كنيسة الفاتيكان التي هي أكبر كنيسة في العالم، بينما قبلان هو موظّف يقبض راتبه من الدولة اللبنانية ولا يمكن مقارنته بموقع البطريرك.
ويدخل ردّ المفتي قبلان الذي يستخدمه “الثنائي الشيعي” لينطق باسمه في إطار فضح الانتماءات داخل أرض البلد الواحد. البطريرك الماروني هو سيد بكركي ومسؤول عن كلّ المؤسسات البطريركية التربوية والصحية والاجتماعية التي أسّست نهضة لبنان، بينما قبلان موظّف في الدولة ويعمل وفق أجندة “حزب اللّه” وحركة “أمل” ويتحرّك وفق ما يطلبانه.
من جهة ثانية، يتفاخر البطريرك الماروني بتاريخ أسلافه الذين ناضلوا من أجل الوصول إلى لبنان الكبير، بينما قبلان ومن يقف وراءه يوالون النظام الإيراني ويتحرّكون وفق ما تقتضيه مصلحة طهران. ما يهمّ البطريرك هو مصلحة لبنان وشعبه، بينما يُصنّف قبلان على أنه شاهد زور يأخذ طائفته نحو الانتحار تماشيًا مع طلب إيران، ويُحرّض على المراجع الوطنية وعلى مؤسّسات الدولة.
عملت بكركي منذ زمن طويل على تطوير البنية التربوية والاجتماعية والصحية، وأقرّت الرهبنة حقّ تعليم المرأة منذ العام 1700، وساهمت المدارس في تطوير البلد وعلّمت جميع اللبنانيين، بينما يسير قبلان ومن يستعمله من قوى شيعية وفق ثقافة الموت، يتاجرون بأرواح أبناء الطائفة الشيعية ولا يرحمون أحدًا وكل همهم التمسّك بسلاح جلب الموت والخراب والدمار وبات يعمل في خدمة إيران.
كثر من أبناء الطائفة الشيعية الأحرار يرفضون تصاريح قبلان المعلّبة والمكتوبة، لكن الأساس يبقى ماذا تريد حركة “أمل” أو “حزب اللّه” من وراء تحريك هذا المفتي: هل يريدون فتنة مسيحية – شيعية؟ هل يرغبون في زيادة الشرخ الوطني بينما تتطلّب المرحلة أقصى درجات الوعي؟ لماذا هذا الانجرار وراء الخارج؟
بعد وقوع تفجيرات “البيجر” واشتداد حرب “الإسناد” وتهجير أهل الجنوب والضاحية والبقاع، حضنت البلدات المسيحية المهجّرين الشيعة الذين دفعوا ثمن مغامرات “حزب اللّه” وإيران، فأتى ردّ الجميل من ناكر الجميل وكأنه يريد زرع العداء بين المسيحيين والشيعة.
لن يمرّ كلام قبلان مرور الكرام عند المسيحيين، فولّى الزمن الذي يُعتدى فيه على قياداتهم ويسكتون، ومن يتحمّل مسؤولية أي إشكال قد يقع فهو من ينفخ بنار الفتنة، إذ إن موقع بطريرك الموارنة مقدّس عند الموارنة والذي يعتدي عليه سيلقى الردّ المناسب.
وإذا كانت تصاريح قبلان لتخويف البطريرك، فالتجارب علّمت أن بكركي لا تخاف أو تلين وهي التي واجهت الإمبراطوريات الكبرى وهزمتها، لذلك سيبقى البطريرك الراعي في واجهة المدافعين عن سيادة لبنان والمطالبين برفع الاحتلال الإيراني وإنهاء حالة “حزب اللّه” الشاذة، فعندما كان بعزّ قوته لم تلن البطريركية فكيف الحال الآن بعدما أصبح ورقة منتهية الصلاحية تستعملها إيران لتبيعها في سوق المفاوضات.