معالجة سلاح «الحزب» تسرّع ملف «القرض الحسن»… فهل يُسحب الترخيص؟

معالجة سلاح «الحزب» تسرّع ملف «القرض الحسن»… فهل يُسحب الترخيص؟

المصدر: الراي الكويتية
21 آب 2025

لم يَعُدْ خافياً على السلطات اللبنانية أن التقدّمَ المطلوبَ على مسار التصدي للجرائم المالية وسدّ مَنافذ غَسْلِ الأموال وتمويل الإرهاب، لا يقلّ وزناً في الأهمية والتأثير عن «خريطة الطريق» الصريحة التي وَضَعَتْها حكومة الرئيس نواف سلام لتنفيذ القرار الإستراتيجي بحصرية السلاح (بحلول نهاية السنة) بيد الدولة ومؤسساتها الشرعية واستعادتها قرار الحرب والسلم.

وهذا الإدراك العميق الذي ارتسم على أكثر من صعيدٍ مردُّه إلى اعتبارين متداخلين: الأول حجم المعاينة الدولية اللصيقة والحضّ المتكرِّر للبنان على ضرورة بلوغ «حصرية الأموال عبر القنوات المشروعة»، من ضمن المسار «المتعدد الحلقة» الذي يُراد عبره أن تستعيد الدولة مقوّماتها وتقويض نفوذ حزب الله العسكري والمالي. والثاني الحاجة الداخلية المُلِحّة لمعالجة أحد «الثقوب السوداء» التي لا ترتّب فقط تداعياتٍ خارجية خطيرة بل تساهم أيضاً في تعميق «النزف» المالي لمَوارد الخزينة عبر «الاقتصاد الموازي».

ومن هنا، يبرز تَوالي الخطوات والتدابير المنشودة من الدولة على المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية والنقدية، وفي إطار سياقاتٍ متوازية، يؤمل أن تُفْضي خلال الأشهر القليلة المقبلة إلى ضمان عدم الانزلاق إلى الحيز «الأسود» في تصنيفات المؤسسات المالية الدولية، وتَفتح الطريق في نهاية المطاف إلى استعادة لبنان موقعه على اللوائح «الآمنة» بعد أن يحقق القطاعان المالي والمصرفي الاستجابةَ المتكاملةَ للمعايير الدولية وللتنبيهات الجدية الواردة من وزارة الخزانة الأميركية والاتحاد الأوروربي وسواهما.

ويُتوقّع، بحسب مسؤول مالي تواصلت معه «الراي»، أن يتم استباق إحالة مشروع الموازنة العامة للسنة المقبلة، بمبادرة اللجان النيابية المختصة، ولا سيما «الإدارة والعدل»، الى مناقشة مشروع القانون الذي أقرّتْه الحكومة أخيراً والذي يتضمّن حزمةَ تعديلاتٍ مهمة على القانون رقم 44 الخاص بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بما يمهّد لتوسيع مشاركاتِ الوزارات والمؤسسات العامة المعنية في «تبييض» الملف الشائك الذي تَسَبَّبَ بإدراج لبنان، الخريف الماضي، على اللائحة «الرمادية» لمجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، والذي استجرّ بدوره الإدراجَ في اللائحة السوداء من قبل مجموعة الاتحاد الأوروربي.

وفي مسألة التوازي، يؤكد المسؤول المالي، أن اعتمادَ الحُكْمِ والحكومة الترتيبَ الأفقي، وليس العمودي، للاستحقاقات الحيوية هو الأسلم والمضمون الفعالية في معالجة التعقيدات ذات الطابع السيادي التي تَحول دون مساعدة الأشقاء والأصدقاء للبنان في توفير متطلبات الخروج من مستنقع أزماته فوق العادية، وبما يشمل المعالجات المنشودة لاحقاً لفجوة «الخسائر» العالقة، وعبْرها تحديد وسائل ومهل ردّ الأموال المشروعة للمودعين المقيمين وغير المقيمين في الجهاز المصرفي.

وقد شكلّتْ التدابيرُ المحدّثة التي اتخذتْها السلطة النقدية، ممثَّلَةً بحاكمية البنك المركزي، وما تلاها من إقرار الحكومة قبل أيام مشروع قانون التعديلات الخاصة بمكافحة غسل الأموال، أسسَ الانطلاقةِ المنشودة لتصحيح الانحرافات التراكمية التي أدت إلى بسْط سيطرةٍ موصوفةٍ، مناطقياً وعملياتياً، للأنشطة المالية غير المشروعة والاتجار بالمخدرات والتهريب، وتَوَسُّعِها مستفيدةً من انحسار عمليات الوحدات المصرفية التي تلتزم مجمل المتطلبات الدولية في منْع مرور الأموال المشبوهة داخلياً وعبر الحدود.

ووفق المعلومات التي تَقَصَّتْها «الراي» من مصادر معنية، فإن الأسابيعَ المقبلةَ ستشهد زخماً أقوى على صعيد دفق الخطوات التنفيذية والإجرائية والقضائية الكفيلة بمحاصرة ظاهرة الأموال غير المشروعة، بمؤسساتها ووسائلها المعروفة أو المَخفيّة، وبما يؤول لاحقاً إلى «حصرية» المبادلات المالية والنقدية ضمن الوحدات المرخّصة لدى البنك المركزي (مصارف، شركات مالية، شركات صرافة) والخاضعة حتماً لتعليماته ورقابته والتعاميم الصادرة عن الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة.

وفي الترجمة العملانية، بادر حاكم البنك المركزي كريم سعيد، إلى إصدار التعميم رقم 170 منتصف الشهر الماضي، والذي حظر على جميع المؤسسات الخاضعة لترخيص مصرف لبنان، بما فيها شركات الوساطة وهيئات الاستثمار الجماعي، القيام بأي تَعامُلٍ مباشر أو غير مباشر، كلياً أو جزئياً، مالي أو تجاري، مع الجهات غير المرخصة التالية (أو ما يماثلها): جمعيات، مؤسسات صرافة، شركات تحويل أموال، مسميّاً بالتحديد «جمعية القرض الحسن»، «شركة اليسر للتمويل»، و«بيت المال للمسلمين»، وأي كيانات خاضعة لعقوبات دولية.

ويشمل الحظر تقديمَ أو تسهيل خدمات مالية أو نقدية أو تحويليّة أو وساطة، وإنشاء أو تنفيذ أي ترتيباتِ تمويلٍ أو إيجار أو إقراض، أو تسهيل الوصول المباشر أو غير المباشر إلى النظام المصرفي اللبناني بأي عملةٍ كانت، مع تأكيد «أن عدم التقيّد بهذا القرار يعرّض مرتكبه للملاحقات القانونية التي قد تصل إلى تعليق أو سحب الترخيص، وتجميد الحسابات والأصول، والإحالة على هيئة التحقيق الخاصة».

وليست التسمية مسألةً عابرة في مندرجات التعميم، فهي تصيب مباشرةً نواةَ النشاط المالي والنقدي لـ«حزب الله»، وتحييده تماماً عن القطاع المالي الشرعي من ضمن أقصى الصلاحية الخاصة بالبنك المركزي. وهذا ما فرض تلقائياً الخطوات التالية سواء من الحكومة مباشرةً أو عبر اقتراحاتٍ ترفعها وزارة الداخلية بحصْر نشاط «القرض الحسن» ضمن بنود الترخيص الممنوح لهذه الجمعية.

وبالفعل، تنص تعديلات القانون 44، التي أقرّها مجلس الوزراء توطئةً لإحالتها على مجلس النواب، على حزمة متنوعة على صعيد توسيع نطاق التشريعات وصلاحيات الجهات الرقابية في مجالات مهنية (كتّاب العدل والمحامون والمحاسبون المُجازون)، وتجارية (الذهب والأحجار الكريمة، ومهن الوساطة والتجارة العقاريّة). أما التعديل اللافت الذي استوقف أوساطاً مالية فهو الذي يقضي بمنح وزارة الداخليّة والبلديّات صلاحيّة فرض العقوبات على الجمعيّات غير الهادفة للربح، التي تخالف الإجراءات التي تضعها الوزارة، وذلك للحؤول دون استغلال هذه الجمعيّات لغرض«تمويل الإرهاب».

ولم يقلّ دلالةً إبرام البنك المركزي اتفاقية تعاون مع شركة K2 Integrity الأميركية الرائدة في مجال إدارة المخاطر العالمية، الامتثال، والتحقيقات المالية، في إطار الجهود المتواصلة لمصرف لبنان لمكافحة توسّع الاقتصاد النقدي، والتصدي للأنشطة غير المشروعة والاحتيالية بجميع أشكالها.

وتتولّى الشركة، بموجب الاتفاق، تقديم الدعم الفني والاستشاري المتخصص لمصرف لبنان، بهدف تطوير خطة عمل دقيقة، تتضمن إجراءات عملية لتحديد الثغر في النظام المالي وسدّ الفجوات التنظيمية، بما يعيد بناء الثقة المحلية والدولية بالمؤسسات المصرفية اللبنانية.

وتُعَدّ الشركة الأميركية من أبرز الجهات العالمية في مجال تقديم المشورة للمصارف المركزية والحكومات والمصارف التجارية وشركات التكنولوجيا المالية، وتحوز خبرات مهنية تساعد في الالتزام بالقوانين الأميركية الخاصة بمكافحة الجرائم المالية، مثل قانون USA PATRIOT Act، قانون سرية المصارف (BSA)، وأنظمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).