
هل ستقع الواقعة بعد 2 أيلول؟
في البرنامج المفترض إنجازه لنزع السلاح بشكل شامل سيكون الجيش في موقف صعب جدًا، إذ سيضطر إلى التعامل مع مدنيين، ما قد يوقع ضحايا.. وحتى الآن، لا يبدو أي من الطرفين، الدولة أو “الحزب”، مستعداً للتراجع. وستكون المواجهة بمثابة صراع سياسي وأمني معقد، يتمظهر باشتباكات متفرقة
دخل الوضع اللبناني تعقيدات صعبة للغاية، وبات يحمل في طياته ملامح التصعيد الكبير. والمواجهة بين الدولة و”حزب الله” تقترب فعلاً، إلا إذا قام أحد باجتراح معجزة. فالحكومة مصممة بشكل قاطع على تطبيق خطة الجيش لحصر السلاح بها. والجيش لا يستطيع إلا الالتزام بقرار السلطة السياسية، ولو أنه يسمع ضجيجاً متزايداً من داخل بيئة “الحزب” “ينصحه” بالتمرد على الحكومة، كما يتعرض لكميات هائلة من التهديدات بإنزال “الناس” لمواجهته في الشارع، إذا تجرأ على المسّ بترسانته.
يقول “الحزب” صراحة إنه لن يسلم السلاح “ولو على قطع رأسه”. لكن ما لا يقوله هو أنّ الهدف من هذا السلاح يتجاوز مسألة قتال إسرائيل بكثير. إنه في الواقع جزء من عقيدته ووجوده، وهو مرسوم على شعاره المرفوع، فكيف يسلمه؟
في الجنوب، بعد قرار وقف النار في تشرين الثاني الفائت، اعتمد “الحزب” تكتيكاً مماثلاً. فقد تجنب المواجهة المباشرة مع الجيش ودَفع بالأهالي إلى واجهة الصدام. لكن الجيش تمكن من تجاوز هذا المطب باعتماده مقداراً عالياً من الدراية. لكنه في البرنامج المفترض إنجازه لنزع السلاح في شكل شامل سيكون في موقف صعب جدًا، إذ سيضطر إلى التعامل مع مدنيين، ما قد يوقع ضحايا. وستصاب الدولة بالإحراج، إذ ستظهر وكأنها تعتدي على “شعبها”.
بالتأكيد، حتى الآن، لا يبدو أي من الطرفين، الدولة أو “الحزب”، مستعداً للتراجع. وستكون المواجهة بمثابة صراع سياسي وأمني معقد، يتمظهر باشتباكات متفرقة.
الحكومة اللبنانية تحاول قطع الطريق على هذا السيناريو الأسوَد من خلال إقناع توم باراك ومورغان أورتاغوس بالطلب من إسرائيل أن تبادر إلى تنفيذ خطوة عملانية معينة، من شأنها أن تمنح الحكومة اللبنانية حجة قوية تواجه فيها تصلب “حزب الله”. فهو في الأساس موافق على فكرة التزامن: الخطوة مقابل خطوة. وإذا قدمت إسرائيل أي مبادرة، ولو صغيرة، فسيكون ذلك ورقة قوة في يد الحكومة للمضي في خطواتها والحدّ من اعتراضات “الحزب”. وهذا ما قصده باراك بقوله: الآن جاء دور إسرائيل في القيام بخطوة.
تركز المساعي الأميركية على إيجاد مخارج تمنع الانفجار. وفكرة أن تعطي إسرائيل “شيئاً” للدولة اللبنانية تشكل غطاء سياسياً ومبدئياً مناسباً. وقد تقتنع إسرائيل فتقدم بعض التنازلات، وعلى الأرجح ستكون شكلية أو من نوع الوعود، كما أن لبنان قدم وعوداً بتنفيذ برنامج متكامل لنزع السلاح. لكن “الحزب” من جهته سيعتبر الخطوة الإسرائيلية غير كافية ليبرر استمراره في رفض التخلي عن السلاح. وهذا ما قد يدفع البلد إلى دائرة من نوع “البيضة والدجاجة”، وإلى مواجهة فوضوية شرسة. وهذه المرة، ليس مضموناً ألا تتدخل قوى إقليمية لدعم طرف ضد آخر، عبر الحدود المهترئة، ما يزيد من تعقيد المشهد، في ظل الصراعات الكامنة أو الناشئة في سوريا والعراق، والقائمة على أسس قومية أو طائفية أو مذهبية.
في المشهد السوري، مأزق دروز السويداء القلقين على مستقبلهم، والساعين إما إلى الاستقلال وإما إلى الانضمام إلى إسرائيل. وهذا الوضع سيؤثر على لبنان، عاجلاً أو آجلاً. وكذلك، تبرز مطالب الأكراد ومخاوف العلويين، ورغباتهم في تطبيق نظام يذهب بعيداً في اللامركزية. ويشير هذا الواقع إلى أنّ الهويات الفرعية، القومية والمذهبية، في الشرق الأوسط، أصبحت أقوى من الهويات الوطنية المركزية، أي إنّ مفهوم “الدولة” في المشرق العربي كله تراجع كثيراً.
ولكن، هل هناك مخاوف حقيقية من تحول الصدام حول السلاح صراعاً طائفياً شاملاً، في ظل الإجماع الكامل لدى الطوائف الأخرى، أي السنّة والمسيحيين والدروز، على مطلب نزع السلاح؟
إذا دفع “الحزب” بـ”الأهالي” إلى المواجهة مع الجيش، فإنه سيؤطّر الصراع ضمن دائرة “المواجهة الطائفية” بين الشيعة من جهة و”دولة الآخرين” في المقابل. وقد ترى الطوائف الأخرى أيضاً أنها تخوض صراع وجود، ما يجعلها أكثر اتحاداً في مواجهة مشحونة باللغة الطائفية، بهدف تبرير المواقف وتعبئة المؤيدين. وقد تندلع اشتباكات في مناطق مختلطة أو على خطوط التماس بين مناطق سيطرة كل طائفة. وهذا هو الخطر الأكبر. وستكون هناك حاجة إلى أصوات “عقلاء” للتهدئة ومنع الانزلاق نحو الأسوأ. لكن أصوات بعض رجال الدين والدنيا، القريبين من “الحزب”، بدت في الأيام الأخيرة مشحونة أكثر من أصوات المحازبين أنفسهم.
إذا وقع الصدام، فسيصبح المشهد اللبناني أكثر تعقيداً، وتصطبغ المواجهة بلون طائفي ومذهبي. وفي هذه الحال، لن يكون أمام اللبنانيين سوى الرهان على القوى الخارجية، كي تمنع انزلاق بلدهم إلى نوع جديد من الحرب الأهلية.