
الفتنة نائمة بين الياء والنون
لم تأتِ الإعلامية ليال الإختيار إلى لبنان بالمصادفة، ولم تفتح محطة العربية هواءها للزعماء اللبنانيين بالمصادفة أيضًا، فالمرحلة تتطلّب حضورًَا لبنانيًا على مستوى العالم العربي وشرحًا مُسهبًا لوجهة نظر السياديين من أعلى الهرم وصولًا إلى كلّ مؤثّرٍ قادرٍ على تغيير صورة لبنان، وأي صورة هذه التي يجب تغييرها وقد شوّهها سلاحٌ وأيديولوجيا ومال “نظيف” وكبتاغون وتدخّلاتٌ عسكرية وسياسية واغتيالات منها مُثبتٌ دوليًا ومنها مُثبتٌ بأذهان اللبنانيين. وإذا اختارت ليال انطلاقتها بلقاء فخامة الرئيس جوزاف عون وأنهتها مع وزير الخارجية يوسف رجّي فالحدث على العربية – الحدث كان اللقاء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، حيث قال ما تقوله القاعدة الشعبية اللبنانية لا الساسة المتملّقون من جهة والخائفون من جهة أخرى. وقبل الحديث عن تداعيات مواقف الراعي، فإن الإختيار حاولت استضافة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي رفض منعًا لتعرّضه للدغات سامة من بيئة المقاومة باعتباره ضيف متَّهمَة بالعمالة قالت مرة للناطق باسم الجيش الإسرائيلي: سيّد أفيخاي.
أمّا الراعي وبالعودة إلى مواقفه، فهو خاطب المجتمع الدولي من شاشة عربية بلسان موارنة ومسيحيي لبنان وبلسان دروز الجبل وسنّته وبلسان سنّة صيدا وبيروت وطرابلس وعكار والبقاع وبلسان شيعة المعارضة من عمامة السيّد علي الأمين وصولًا إلى المونولوغيست قاسم جابر. ما قاله الراعي ليس انقلابًا على الطائف ولا على القوانين ولم يدع إلى حرب أهلية ولا إلى محاسبة “حزب اللّه” ومن لفّ لفيفه عن جرائم بحق لبنان واللبنانيين، بل موقفًا وطنيًا ينادي بتوحيد البندقية ونهاية حقبة اللاشرعية وباتفاق سلام مع إسرائيل.
كلام الراعي هو كلام برّي في السرّ والذي قاله لأكثر من مسؤول لبنانيّ وأميركيّ وكلام كل لبناني تعبَ من كذب “حزب اللّه” وسياسته التي تبدأ بطهران وتنتهي بأصفهان وتتخّذ لبنان رهينة. كل هذا الهجوم الذي تلى مواقف الراعي ليس سوى عيّنة عن حقد بيئة كاملة على طائفة ترفض سلاحًا غير شرعيّ، هذه البيئة التي تناست عظمة بكركي التاريخية على مستوى الكِيان منذ المؤسس الياس الحويّك حتى الصخرة الكسروانية نصراللّه صفير وصولًا إلى بشارة الراعي المؤتَمَن على إرث تاريخيّ كانت له اليد الطولى بتحرير لبنان من احتلالات ليس آخرها الاحتلال السوري إثر زئير مطارنة هزّ عرين أسد سوريا.
إلى جميع هؤلاء نقول اعتصموا بالحق ولا تتجنّوا على تاريخ لبنان وعلى صرح أفضَلَ أصلًا على لبنانيّتكم بإلحاقكم كطائفة بجغرافيا كانت معدّة أصلًا لمسيحيي سوريا. ولكن ما سنقوله للمفتي أحمد قبلان يختلف عن قولنا للبيئة الشيعية، فالمفتي ليس غافلًا عن كل ما ذكرناه وهو يعرف جيّدًا ما يقول، لذا يا حضرة المفتي: هدّئ من روعك واتّقِ الله، فما تقوله يُشعل فتنة داخلية.
والأجدر بك يا أيها المفتي المحترم منع الفتنة والمحافظة على مقامك الديني بصفتك مُفتيًا بالياء وليس بالنون، لأن أمثالك يهدّدون السلم الأهلي ويفتحون الباب واسعًا أمام الطابور الخامس ليضرب الأمن والأمان. ويا ليتكم غير حاقدين لكنتم ضيوف ليال الإختيار على المحطة نفسها التي نقلت وجهة نظر السياديين، ولكان بإمكانكم إقناع العالم بوجهة نظركم التي نخجل نحن بالحديث عنها في الصالونات الضيقة فكيف على الشاشات؟ حقدكم يا حضرة المفتي سيقتلكم كما فعل سلاحكم، أما لبنان فهو أكبر من مشروعكم وأقدم من تاريخكم وأصلب من عقيدتكم. لبنان بتنوّعه لن ينتهي وسيأتي إلى لبنان رجالات دين شيعة من مستوى الإمام موسى الصدر وعندها سيختنق صوت حقدكم وسننتهي من أجنداتكم ومن الذين أتوا بكم لتضربوا صورة لبنان.