
مثلث سوريا- لبنان- إسرائيل: شروط دمشق “الصعبة” على بيروت
لم يكن أمراً تفصيلياً أن تعلن وكالة سانا الرسمية خبر اللقاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في باريس. هذا حتماً ليس اللقاء الأول. لكن إعلانه رسمياً له الكثير من المؤشرات والدلالات التي لا بد من التوقف عندها، لا سيما على أبواب التحضير لمشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، واللقاءات التي سيعقدها، وسط محاولات أميركية لتأمين عقد لقاء أو إجراء مصافحة أو حتى إلقاء سلام بين الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يأتي ذلك في ظل تسارع وتيرة اللقاءات الأميركية- السورية، والأميركية- الإسرائيلية لتحقيق تقدم في مسار الوصول إلى تفاهم حول الترتيبات الأمنية بين الجانبين.
إطلاق الموقوفين هو المدخل
على المستوى السياسي تتوزع اهتمامات دمشق على ملفات متعددة. أهمها الوصول إلى حلّ ومعالجة لمشكلة السويداء، والوصول إلى إطار لتطبيق اتفاق 10 آذار بين الحكومة السورية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى. وتُبذل جهود كثيرة للوصول إلى حلول سياسية وتجنّب الضغط العسكري أو المعارك أو المواجهات. والملف اللبناني يبقى حاضراً بالنسبة إلى دمشق، وسط استعداد لتطوير العلاقات وتحسينها وتفعيل العمل الديبلوماسي بين البلدين. وهو ما تعتبر سوريا أن المدخل الفعلي إليه ينطلق من خلال معالجة ملف الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية.
في هذا السياق، تكشف مصادر متابعة أن سوريا تولي اهتماماً كبيراً لملف الموقوفين، وتسعى إلى إطلاق سراحهم جميعاً، كمدخل فعلي لتطوير العلاقة. وتؤكد المصادر أن دمشق كانت تنتظر من لبنان مبادرة حسن نية في إطلاق سراح هؤلاء الموقوفين، من دون الحاجة إلى المطالبة بهم، ولكن لبنان رفض ذلك واعتبر أنه لا بد من وضع إطار قانوني لهذه المعضلة. ويتوزع الموقوفون السوريون في لبنان على ثلاثة أقسام: الأول، للمحكومين بجنح. والثاني، للمحكومين بجنايات. والثالث، لغير المحكومين. دمشق تطالب باسترداد الجميع ومحاكمتهم أو قضاء محكومياتهم في سوريا.
وفد سوري إلى بيروت الأسبوع المقبل
وحسب المعلومات، فإن دمشق شكلت وفداً يضم مسؤولين من وزارات الخارجية، الداخلية، العدل، والداخلية والاستخبارات لزيارة لبنان خلال الأسبوع المقبل، من أجل البحث في توقيع اتفاقية تسمح بنقل الموقوفين إلى داخل سوريا. وفي دمشق أيضاً، هناك حرص على موقوفين لبنانيين ناصروا الثورة السورية، وهي تعتبر أن توقيفهم جاء بسبب مناصرتهم للثورة، وحان الوقت لإطلاق سراحهم ما دامت هذه الثورة قد انتصرت.
في الموازاة، فإن الوفد سيبحث في ملفات أخرى، من بينها معالجة آليات الدخول والخروج للسوريين إلى لبنان، وإحسان معاملة المواطنين السوريين على الأراضي اللبنانية، لاسيما بعد ما تعتبره دمشق تجاوزات ومضايقات كثيرة يتعرضون لها، إضافة إلى استمرار حملة التوقيفات الواسعة بحق السوريين، وزجهم في السجون بحجج كثيرة مثل عدم حيازة أوراق، أو الدخول خلسة إلى لبنان. ويقول المسؤولون السوريون إن هذه الحالات كلها تحتاج إلى معالجة. كذلك هناك مطالبات تتصل بتعزيز العمل في سبيل ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح أو المخدرات، وصولاً إلى العمل على ترسيم الحدود بشكل نهائي. وتؤكد المصادر أن التنسيق قائم ومستمر بين المعنيين في البلدين، من قوى عسكرية أو أمنية، وأنه لا بد من تعزيز ذلك.
ما بعد إنجاز هذه الملفات، يفترض أن يتم الانتقال إلى مسار جديد من العلاقة، مثل إعادة تفعيل العمل الديبلوماسي وتعيين السفراء في البلدين، إضافة إلى البحث في مشاريع تجارية مشتركة، يتمكن لبنان عبرها من الاستفادة من خطوط التجارة والترانزيت، وفي مجالات الطاقة والنفط. كما يمكن للبنان أن يكون أحد المنطلقات الأساسية لإعادة إعمار سوريا، ما ينعكس إيجاباً على وضعه الاقتصادي.
نحو إنهاء الصراع بين لبنان وإسرائيل
إلى انهماك لبنان بالسعي إلى ترتيب العلاقة مع سوريا وتحسينها بدفع أميركي وعربي، وبرعاية سعودية لملف ضبط الحدود وترسيمها، يبقى لبنان في مواجهة التحديات الإسرائيلية وانتظار الجواب الذي سينقله الموفد توم باراك، كرد من تل أبيب على ورقته. وذلك في موازاة استحقاق التمديد لقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل، والتي تشترط واشنطن أن تحدد عملها في لبنان بمهلة زمنية معينة قبل إنهاء مهامها بشكل كامل.
وهذا الإنهاء يرتبط بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية بنقطة أساسية، وهي الدفع باتجاه الوصول إلى حالة إنهاء الصراع بين لبنان وإسرائيل، وربما الانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات، خصوصاً عندما كرر باراك في بيروت أكثر من مرة، عبارة ضرورة تحسين العلاقات مع الجيران، وعندما تحدث عن السلام في المنطقة. هذه الإشارات لا يمكن فصلها عن الإشارات السورية والتي وصلت إلى حدود الإعلان الرسمي عن لقاءات سورية- إسرائيلية.
وفي السابق، كانت مهمة اليونيفيل العمل على ضبط الوضع بين لبنان وإسرائيل، كما اضطلعت بمهمة نقل الرسائل أو المواقف بين الجانبين ولعبت دوراً في المفاوضات غير المباشرة. في هذا السياق، هناك من يدفع لبنان إلى قراءة تطورات الوضع السوري ومعرفة حجم الشروط الإسرائيلية، التي ربما تقود إلى الدخول في مفاوضات مباشرة.