
لبنان باشر تَسَلُّم سلاح المخيمات الفلسطينية … فماذا عن فصائل «الممانعة»؟
ماذا وراء انطلاقِ قطار تسليمِ سلاح المخيّمات الفلسطينية في لبنان من دون «سابقِ إنذارٍ» وبتأخيرِ شهرين ونيّف عن موعدٍ كان مقرَّراً منتصف يونيو الماضي، بناءً على مقررات القمّة التي جمعتْ الرئيسيْن جوزاف عون ومحمود عباس في بيروت في مايو 21؟ وهل تَنْطوي هذه العملية على مَحاذير تتحوّل معها بمثابةِ «اختبارٍ» للسلطات اللبنانية يُخشى أن تكون له إسقاطاتٌ على الملف الأكثر تَوَهُّجاً المتمثّل في ترسانة «حزب الله» العسكرية والتي تأتي على «رأس اللائحة» في قرار حصر السلاح بيد الدولة وإن من ضمن مسارٍ أفقي يشمل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين؟
سؤالان دَهَما بيروت أمس مع الإعلان المفاجئ عن بدء «المرحلة الأولى من مسار تسليم الأسلحة من داخل المخيمات الفلسطينية انطلاقاً من مخيم برج البراجنة في بيروت» حيث سُلمت دفعة أولى من السّلاح وُضعت في عهدة الجيش اللبناني، كما كشف رئيس لجنة الحوار اللّبناني – الفلسطيني السّفير رامز دمشقية في بيان نشرته رئاسة الوزراء، موضحاً أنّ «عمليّة التسليم هذه ستُشكّل الخطوة الأولى، على أن تُستكمل بتسلّم دفعات أخرى في الأسابيع المقبلة في برج البراجنة وباقي المخيّمات».
وإذ أشار دمشقية إلى أنّ «عمليّة التسليم تأتي تنفيذاً لمقرّرات القمّة اللّبنانيّة – الفلسطينيّة بتاريخ 21 مايو 2025 الّتي أكّدت سيادة لبنان على كامل أراضيه، وبسط سلطة الدّولة وتطبيق مبدأ حصريّة السّلاح»، لفت إلى أنّها «تأتي أيضاً تنفيذاً لمقرّرات الاجتماع المشترك للجنة الحوار اللّبناني- الفلسطيني بتاريخ 23 مايو برئاسة رئيس الوزراء نواف سلام، وبمشاركة ممثّلين للسّلطات اللّبنانيّة والفلسطينيّة، حيث جرى الاتفاق على وضع آليّة تنفيذيّة وجدول زمني واضح لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني».
ومن خلف الأبعاد البالغة الأهمية لأول ترجماتٍ عمليةٍ لطيّ صفحة اتفاق القاهرة (1969) الذي شرّع العمل الفلسطيني المسلّح في لبنان (عاد وأُلغي في 1987)، فإنّ الجولةَ الأولى من التسليم الممرْحَل لسلاحِ المخيمات (تردّد أنه شمل ايضاً أمس مخيم البصّ في صور) بدت مُحَمَّلَةً بأسئلةٍ حول انطلاقِ هذا المسار بموجب الإطار الناظم الذي رَسَمَتْه قمة عون – عباس، علماً أنه مشمولٌ بالورقة اللبنانية – الأميركية المشترَكة التي تشكّل «الإطارَ التنفيذي» لقرار حكومة سلام بحصر السلاح بيد الدولة، من بوابةِ التزام مندرجات اتفاق وقف النار مع اسرائيل (27 نوفمبر)، والذي يَشتمل على جدْولة زمنية وجغرافية على مراحل لتفكيك أي بنيةٍ عسكرية، وبالتوازي، في نطاقاتٍ محدَّدة.
وما جَعَل التطورَ المفاجىء الذي سُجِّل أمس يثير التباساتٍ:
– أنه تَرافَقَ مع تقارير عن أن ما حصل في برج البراجنة فَرَضَه العثورُ على أسلحة في مستودع المفصول من الأمن الوطني الفلسطيني شادي الفار هي عبارة عن دوشكات ثقيلة وصواريخ عيار 107 وصواريخ شامل ومدافع b10 عدد 3 بالإضافة الى كمية ذخائر كبيرة، وأن اللواء العبد ابراهيم (قائد الأمن الوطني الفلسطيني) وَصَلَ من رام الله الى هذا المخيم للاشراف على عملية التسليم للجيش اللبناني.
– أنّ تقاريرَ أخرى (وكالة الأنباء المركزية) تحدّثتْ عن أن تسليمَ السلاح الفلسطيني يشتمل على 3 مراحل هي اولاً بيروت وجنوب الليطاني، ثانياً مخيمات الشمال والبقاع وثالثاً عين الحلوة ومخيمات صيدا، على ان توضع المخيمات هذه تحت أمرة الجيش بالتنسيق مع حركة فتح، وعلى أن يبدأ البحث بعد ذلك مع حركة «حماس» وفصائل المحور.
وهذا الأمر طرح علامات استفهام حول مَحاذير اقتصارِ تسليم السلاح في هذه المرحلة على «فتح»، في ظل غموض حول موقف الفصائل الموالية لـ «الممانعة»، وخصوصاً «حماس» و«الجهاد الاسلامي» التي لا «تمون» عليها السلطة الفلسطينية، وسط ملاحظة أن المخيمات في المرحلتين الأولييْن تكاد أن تكون بالكامل تحت سلطة «فتح» وهو ما يسهّل عملية التسليم للسلاح الثقيل والمتوسط، وليس الفردي، كما أكد مسؤولون فلسطينيون أمس، ومن دون أن يُعرف إذا كانت أي عرقلة من «حماس» لهذا المسار:
– ستعني حُكماً وَقْفَه في المخيمات «المتعددة النفوذ»، ولا سيما عين الحلوة، المخيم الأكبر والأخطر، في ضوء صعوبة تَصَوُّر أن تترك فصائل «منظمة التحرير» الساحة لحماس وأخواتها، لاعتبارات أمنية كما سياسية.
– وأن مثل هذه المعاندة من المنظمات المحسوبة على «الممانعة» لقرار الحكومة اللبنانية، المدعوم من السلطة الفلسطينية، بحصر سلاح المخيمات بيد الدولة، قد تترك تداعياتٍ على المسار الأهم المرتبط بسلاح «حزب الله» الذي يُخشى أن يستفيد من أي انتكاسة على جبهة «السلاح الفلسطيني» ليمرتس خلفها في ممانعته تسليم سلاحه، على أهميةِ الإشارة التي أعطاها لبنان الرسمي بجديته وجرأته في بسط سلطته على كامل أراضيه بما فيها ما تحوّل بمثابة «جزر أمنية» مقفلة على امتداد عقود طويلة.
عودة الموفدين الأميركيين
ولم يحجب هذا الملف الأنظار عن العودة المرتقبة للموفد الأميركية توماس براك والمبعوثة مورغان اورتاغوس إلى بيروت الأسبوع الطالع بعد زيارةٍ قامت بها الأخيرة لتل ابيب لجس نبضها حيال إمكان ملاقاة لبنان خطوةً بعدما قامت الحكومة بالخطوة الأولى وفق مقترح براك الملبنَن بقرارها سحب سلاح حزب الله بحلول نهاية السنة وتكليفها الجيش اللبناني وضع خطة تنفيذية قبل 31 الجاري، ثم أقرت أهداف المقترح الـ 11.
وفي موازاة تقارير عن لقاءٍ عُقد حول الورقة الأميركية في باريس، وجمع براك وأورتاغوس مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، فإن ملف السلاح واستحقاق التمديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان (في جلسة لمجلس الأمن الاثنين المقبل)، حضرا في محادثات موفد الأمين العام للجامعة العربية السفير حسام زكي في بيروت حيث التقى كبار المسؤولين وقائد الجيش العماد رودولف هيكل في زيارة رمت إلى تاكيد وقوف «الجامعة» إلى جانب الدولة في مساعيها لبسط سيطرتها على كامل أراضيها.
الجامعة تدعم
وقد أكد الرئيس جوزاف عون لزكي ان «القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في ما خص حصرية السلاح، أبلغ الى جميع الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة، ولبنان ملتزم تطبيقه على نحو يحفظ مصلحة جميع اللبنانيين، وتم إبلاغ جميع المعنيين، ولا سيما الولايات المتحدة من خلال السفير براك، ان المطلوب الآن التزام إسرائيل من جهتها بالانسحاب من المناطق التي تحتلّها في الجنوب اللبناني وإعادة الاسرى وتطبيق القرار 1701، لتوفير الأجواء المناسبة لاستكمال بسط سيادة الدولة اللبنانية بواسطة قواها الذاتية حتى الحدود المعترف بها دولياً».
وأشار عون إلى أن «الدعم العربي للبنان مهم في هذه المرحلة، لا سيما وان المجتمع الدولي يتفهم الموقف اللبناني ويدعمه أيضاً».
وكان زكي نقل الى عون تحيات الأمين العام أحمد أبو الغيط ومتابعة الجامعة للوضع في لبنان، وما يمكن ان تقدمه من دعم في هذه المرحلة.
وبعد اللقاء، قال زكي: «أعربت عن دعم جامعة الدول العربية لفكرة بسط الدولة اللبنانية لسلطتها على جميع الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيدها. وهذه الأفكار والمبادىء موجودة في قرارات جامعة الدول العربية، وبالذات القرار الأخير الذي صدر في قمة بغداد قبل عدة أشهر. ونطالب بكل قوة، ونضم صوتنا الى صوت الدولة اللبنانية في مسألة مطالبة القوى الدولية بالضغط على إسرائيل للإنسحاب من جميع الأراضي اللبنانية والإمتناع عن اي أفعال تمس بالسيادة اللبنانية».
أضاف: «في هذا الإطار أيضاً لاحظنا بعض علو النبرة الداخلية في التراشق الإعلامي، وما الى ذلك. وفي لبنان، وبسبب الأوضاع والظرف الإقليمي وكل الظروف التي نعلمها، فإننا نأخذ هذا الموضوع بقدر من الحذر لأن ما من احد يريد ان ينزلق هذا البلد الى وضع يمكن ان تكون فيه عواقب غير مرغوب بها. ونأمل من الجميع ان تكون هناك حكمة في تناول هذا الموضوع، ورؤية لصالح البلد، لأن الهدف من كل هذه التحركات هو استعادة قدر من الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، وتطبيق سياسة فيها سيادة للبلد على كل أراضيه».
وعقب لقائه الرئيس سلام كرر زكي «ان من المهم للقيادات اللبنانية سواء سياسية أو روحية أو اجتماعية أو غير ذلك، أن تساهم في وأد الفتنة وليس اذكاء نار الفتنة وهذه مسألة أساسية لاستقرار البلد».
رفض تسليم السلاح
وفي المقابل تمسكت كتلة نواب «حزب الله» برفض تسليم السلاح، معلنة «أنّ إسرائيل تواصل اعتداءاتها اليومية على لبنان مستحدثة مواقع داخل الأراضي اللبنانية، في وقت تصرّ السلطة اللبنانية على القرار الخطيئة لتجريد المقاومة من سلاحها»، معتبرة أنّ «هذا القرار غير وطني، يناقض مقدمة الدستور ووثيقة الوفاق الوطني والبيان الوزاري، ويصبّ في مصلحة إسرائيل». ورأت أنّ الخطوة «سقطة كبرى وانصياع كامل للإملاءات الخارجية ولا سيما الأميركية»، مشددة على وجوب التراجع عنها.
وثمّنت «الزيارة الأخويّة الرسميّة لأمين عام مجلس الأمن القومي في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الدكتور علي لاريجاني»، مؤكدة رفضها «للحملات الإعلامية والسياسية الممنهجة ضد المقاومة وبيئتها والتي وتنمّ عن عنصرية وكراهية بغيضة تحضّ على الانقسام».
بري ورحال
وفي موازاة ذلك، برز استقبالُ الرئيس نبيه بري مستشار رئيس الجمهورية العميد اندريه رحال، في ما بدا بداية احتواء التوتر الذي ساد علاقة رئيس البرلمان وعون على خلفية جلستيْ 5 و 7 أغسطس التاريخيتين ومآخذ الثنائي الشيعي على رئيسيْ الجمهورية والحكومة وما وصفاه بأنه «انقلاب» على تفاهمات بعدم وضع جدول زمني لتسليم السلاح.
واستوقف أوساطاً سياسية ما نقله رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل بعد لقائه بري في عين التينة عن أن رئيس البرلمان«يحاول ألا يخلق تشنجاً في البلد وهذا أمر نحن بحاجة اليه، وهو يرفض منطق مواجهة الدولة».
براك: إنجاز عظيم وخطوة تاريخية
رحّب المبعوث الأميركي توم براك باتفاق حركة «فتح» والسلطات اللبنانية على بدء نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية في بيروت. وكتب في منشور على منصة «إكس»، «نهنئ الحكومة اللبنانية وفتح على اتفاقهما حول نزع السلاح طوعاً من مخيمات بيروت»، معتبراً أنه «إنجاز عظيم جاء نتيجة الخطوة الجريئة التي اتخذها أخيراً مجلس الوزراء اللبناني» و«خطوة تاريخية نحو الوحدة والاستقرار».