خاص – مشكلة الحدود ونفوذ شبكات التهريب والمخدّرات!

خاص – مشكلة الحدود ونفوذ شبكات التهريب والمخدّرات!

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
22 آب 2025

تمكّنت الأجهزة الأمنيّة اللبنانية قبل أيّام في اليمّونة البقاعيّة من تفكيك أكبر معمل لتصنيع الكبتاغون في الشرق الأوسط. وحدث ذلك نتيجة تعاون استخباري بين لبنان وسوريا والعراق، ما أدّى إلى كشف شبكة كاملة لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج. وقبل يومين تمكّنت قوّات الأمن السورية من ضبط شاحنة محمّلة بصواريخ غراد في حمص، كانت وجهتها الأراضي اللبنانية. وفي السادس من آب، نفّذ الجيش اللبناني عمليّة في الشراونة في بعلبك، تمكّن خلالها من قتل أحد أخطر تجّار المخدّرات المعروف بـ “أبو سلّة”.

تأتي هذه العمليّات وغيرها في إطار قرار سياسي يهدف إلى القضاء على تجارة المخدّرات المزدهرة على الحدود اللبنانية السورية، وضبط شبكات التهريب الأخرى، ومن بينها تهريب السلاح. وينصّ أحد بنود الورقة الأميركية على ضبط الحدود ووقف التهريب. وهو ما يسعى إليه الحكم الجديد في سوريا، بعدما حوّل نظام الأسد البلاد في سنوات الحرب الأخيرة إلى أمبراطورية لتصنيع مادّة الكبتاغون والإتجار بها.

ولكن، هل من السهل القضاء على شبكات التهريب والمخدّرات، التي بنت عبر سنوات شبكة واسعة من المتعاملين، وحاكت علاقات مع جماعات محلّية وإقليمية نافذة، وخلقت مصالح مشتركة بين مجموعة واسعة من القوى على الأرض؟

في الواقع، هناك تشابك معقّد من المشاكل على الحدود بين لبنان وسوريا، يعود بجذوره إلى قيام لبنان الكبير، وما خلقه من إشكالات على حدود لم تكن موجودة، جرى تقسيمها إدارياً، ولكن لم يتمّ ترسيمها في شكل رسميّ. فتداخلت القرى اللبنانية بالقرى السورية في مناطق عدّة، وأكبر مثال على ذلك الإشكال القائم حول ملكيّة مزارع شبعا.

وبعد سقوط نظام الأسد، ظهرت أسباب جديدة للتباين والإشكالات عبر الحدود، ناجمة عن العداء القائم بين الحكم الجديد في سوريا و”حزب الله” الذي يبسط نفوذه على مناطق واسعة من الحدود في الهرمل والبقاع. وأدّى ذلك إلى اشتباكات في آذار الماضي في منطقتي حوش السيّد علي  والقصر. وفي الفترة الأخيرة، حصلت إشكالات جديدة على خلفيّة وفاة سجين سوري في سجن رومية. كما أكّد الجيش اللبناني أنّ عناصر أصوليّة تخطّط لخطف جنود لمبادلتهم بسجناء إسلاميين في لبنان.

وتضاف إلى كلّ هذه التعقيدات، المسألة الكبيرة المزمنة، والمتمثّلة بنموّ شبكات قويّة وذات نفوذ، تقوم بتهريب البضائع والأسلحة، وطبعاً المخدّرات. وبما أنّ هذه الشبكات بنت روابط مصلحية مشتركة مع العديد من القوى، فإنّ تفكيكها يُعتبر من أكثر المهمّات صعوبة، وربّما يكون الأمر مستحيلاً.

وبدأت زراعة الحشيش في البقاع منذ خمسينات القرن الماضي، ونمت شبكات الاتجار بالمخدّرات، وكانت في شكل اساسي مرتبطة بالعشائر. ولاحقاً، بعد الحرب العام 1975، ومع الوجود السوري، ازدهرت تجارة المخدّرات التي حظيت بدعم من القوى المهيمنة. ولكن، سنوات الحرب السورية التي بدأت في العام 2011، دفعت هذه التجارة إلى مستويات أوسع. وأصبح الاعتماد في شكل أساسي على تصنيع حبوب الكبتاغون في كلّ من سوريا برعاية النظام، وفي لبنان تحت غطاء “حزب الله”.

ودرّ تصنيع الكبتاغون والإتجار به أموالاً طائلة على النظام السوري، عوّضه في شكل كبير عن انعكاسات العقوبات المفروضة عليه.

وبالنسبة إلى لبنان، استفاد “حزب الله” أيضاً من أموال هذه الشبكات. ولكن الانعكاسات السياسية لمشكلة التهريب وبيع المخدّرات إلى دول الخليج، فاقمت المشكلة السياسية القائمة بين لبنان وهذه الدول. وانعكس ذلك على حركة تصدير المنتجات اللبنانية إلى السعودية وسواها.

واليوم، تبدو السعودية في مقدّمة الدول التي تعمل على تسوية العلاقة بين لبنان وسوريا، والتي تشمل بالطبع مسألة تهريب المخدّرات. كما أن الدفع الأميركي الجاري عبر الموفد توم برّاك أدّى إلى تحريك الملفّ. ويُؤمل أن تؤدّي تسوية العلاقات بين البلدين وترسيم الحدود المشتركة إلى تسهيل ضبط المعابر غير الشرعية، وما يمرّ خلالها من ممنوعات على أنواعها.

ولكن، يعتقد بعض الباحثين أن لدى شبكات المخدّرات، وخصوصاً شبكات الكبتاغون، قدرة على التملّص من الإجراءات الأمنية، وإيجاد سبل مستحدثة لاستمرار تجارتها. فهؤلاء نسجوا أيضاً شبكات عابرة للطوائف، ما مكّنهم من الاستمرار. وتشير تقارير إلى أنّ عمليّات تصنيع الكبتاغون مستمرّة في الشمال السوري وفي جنوب البلاد، وكذلك في منطقة البقاع في لبنان، وإن بنسبة أقلّ مرحليّاً. وأشار مسؤولون محليّون في قرى لبنانية حدودية إلى أنّ التهريب ما زال مزدهراً، لا بل ازدادت وتيرته، حتّى بعد سقوط نظام الأسد.

ويسعى الأميركيون، بمساعدة سعودية، إلى إجراء ترسيم نهائي للحدود بين البلدين. ولكنّ هذا منوط بموافقة دمشق، التي تحاول الربط بين الترسيم وعودة النازحين وحلّ ملفّ السجناء السوريين في لبنان، وبعض هؤلاء شارك في هجمات ضدّ الجيش اللبناني، ما يقتضي الاتّفاق على آليّة واضحة. فالعمليّة الإصلاحية في لبنان مترابطة في ما بينها، بدءاً من نزع السلاح، وصولاً إلى ترسيم الحدود مع إسرائيل وسوريا، وإعادة النازحين، وصولاً إلى إطلاق مسيرة التعافي الاقتصادي الحقيقية.

وإذا تمكّنت الحكومة من فصل المسارات بين نفوذ السلاح والسيطرة السياسية وفلتان التهريب، فإنّ المصالح التي تؤمّنها شبكات المخدّرات تجعل القضاء على هذه الآفة من الأمور الشديدة الصعوبة. ففي غالب الأحيان، تكون المصالح المالية أقوى بكثير من أي قوّة أخرى.