هل تلوح «حرب هجينة» أخرى بين إسرائيل وإيران؟

هل تلوح «حرب هجينة» أخرى بين إسرائيل وإيران؟

الكاتب: ايليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
25 آب 2025
– في الحرب الهجينة تنهار الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمقاتلين لكن نجاحها مشروط… قد تُحدث صدمة لكنها نادراً ما تُحقق نصراً حاسماً
– هجوم شامل لا يهدف إلى تحقيق نصر حاسم في ساحة المعركة بل إلى تآكل الأنظمة والمجتمعات

لم يعد احتمال تجدد المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية افتراضياً، بل أصبح جلياً وفي شكل متزايد في خطاب القادة السياسيين والعسكريين من الطرفين. إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيراً أن إيران «تمتلك 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة سليماً»، مُصراً على أن إسرائيل تحتفظ بحقها في «تدمير القدرة النووية العسكرية الإيرانية».

واعتبر هذا التصريح وعلى نطاق واسع إشارة إلى أن الحرب التي استمرت 12 يوماً بين الخصمين – والتي لم تتوقف إلا بوقف نار شفوي – لم تكن صداماً معزولاً، بل مقدمة لمزيد من التصعيد.

على الجانب الإيراني، حذّرت مصادر قريبة من صناع القرار من أن «إسرائيل قد تُشعل حرباً جديدة إذا نجحت أجهزتها الاستخبارية، وبمساعدة وكالات غربية، في اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي. كان خامنئي هو من تمكّن، في غضون ست ساعات فقط من الهجوم الإسرائيلي، من حشد الدولة، واستعادة تماسكها، وتعيين جميع كبار القادة العسكريين شخصياً لضمان استمرارية القيادة».

لقد كشف وزير الدفاع أمير ناصر زاده أن طهران حجبت أنظمتها الصاروخية الأكثر تطوراً خلال الصراع، بما في ذلك مركبات المناورة العائدة وصاروخ «قاسم بصير»، سلاحها الأكثر دقة.

والأهم من ذلك، تأكيده أن إنتاج الصواريخ لم يتوقف طوال الحرب، مما يُظهر الاستمرارية والصمود حتى في ظل القصف. ويردد كبار المسؤولين هذا الرأي.

فقد حذّر قائد الحرس الثوري اللواء محمد باكبور، من أن أي «خطأ في التقدير» سيُقابل برد «حاسم وسريع ومكلف».

وقال نائب الرئيس محمد رضا عارف بصراحة «لسنا في حالة وقف نار، بل تعليق للأعمال العدائية».

وذهب المستشار يحيى رحيم صفوي إلى أبعد من ذلك، واصفاً إيران بأنها بالفعل «في حالة حرب» من دون قواعد أو بروتوكولات.

في غضون ذلك، أصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن إدارته «قضت على البرنامج النووي الإيراني»، لكنه حذّر من أن واشنطن مستعدة لشنّ هجوم جديد إذا سعت طهران إلى امتلاك أسلحة نووية.

لذا تشير هذه الإشارات مجتمعةً إلى أن الصراع لم ينتهِ بحل، بل بتعليقه – أي مواجهة «مُهدئة» بدلاً من حلها.

هذه الوقائع تثير ثلاثة أسئلة جوهرية: ما نوع الحرب التي قد تندلع إذا استؤنفت الأعمال العدائية؟ ما الدروس المستفادة من المواجهة التي استمرت 12 يوماً؟ وكيف يُمكن فهم حملة إسرائيل على أنها حالة من الحرب الهجينة عبر محاولة متكاملة ليس فقط لإضعاف ترسانة إيران، بل لزعزعة استقرار نظامها الحاكم؟

المخطط العملياتي

وفقاً للروايات الإيرانية، جمعت الدفعة الأولى من الهجمات الجوية على المجمعات السكنية التي تضم عائلات أفراداً من وزارة الدفاع مع هجمات متزامنة على مواقع عسكرية وصناعية.

في الوقت نفسه، شلت العمليات الإلكترونية، بنك سيباه خلال «أسبوع الرواتب»، ما أدى إلى عرقلة دفع رواتب الجنود والمتقاعدين.

على مدار الأيام اللاحقة، أفادت التقارير بأن إسرائيل واصلت الضغط من خلال: طائرات من دون طيار تُطلق من أذربيجان والعراق، عمليات تسلل لوحدات صغيرة بدعم من متعاونين محليين، تعطيلات إلكترونية، وحملات إعلامية، وكان الهدف إجبار إيران على الدفاع في آن واحد على الجبهات العسكرية والمالية والنفسية، ما أدى إلى اندلاع حرب متعددة المجال على مدار الساعة.

المكونات المتكاملة لإستراتيجية إسرائيل الهجينة

– الضغط الحركي العلني

طمس استهداف مقرات الدفاع الخط الفاصل بين المقاتلين والمدنيين، ما يشير إلى أن حتى عائلات أفراد الأمن جرى التعامل معها كأهداف مشروعة. لم يكن هذا ضرراً جانبياً، بل إكراه متعمد واستُخدم لتقويض القدرة على الصمود الاجتماعي. سبق لإسرائيل أن استخدمت الأسلوب نفسه في لبنان، حيث قصفت منازل وعائلات قادة وأفراد «حزب الله» والقرى الجنوبية لإفقار المجتمعات التي دعمت الحزب. كانت أصداء ذلك في إيران جلية: فما تم اختباره سابقاً ضد «حزب الله» استخدم على نحو موسع ضد طهران.

– الطائرات المُسيّرة كقوة فتك موزعة

تعكس تقارير إطلاق طائرات مُسيّرة من دول مجاورة، الاتجاهات العالمية التي لوحظت في أوكرانيا. تُضاعف الطلعات الجوية قصيرة المدى من الأراضي القريبة لنطاق الهجوم، وتُضعف نسبه. بالنسبة إلى إيران، كان هذا يعني أن محيطها أصبح نقطة ضعف دائمة. لطالما واجه «حزب الله» تهديدات مماثلة. حملات، مع طائرات إسرائيلية من دون طيار تجوب سماء لبنان وتضرب أحياناً مستودعات أو قادة مشتبه بهم.

– عمليات برية غير منتظمة وقابلة للإنكار

تُسلّط روايات تسلل القوات الخاصة الإسرائيلية وشبكات المتعاونين الضوء على ركيزة هجينة أخرى: تأثيرات تكتيكية مع غموض إستراتيجي. وحدات صغيرة وضعت منارات أو خرّبت عقداً، بينما حافظ المتعاونون على الاستهداف. أدى ذلك إلى استنزاف موارد إيران في مجال مكافحة التجسس، ما يُعيد إلى الأذهان اتهامات «حزب الله» بأن إسرائيل اعتمدت طويلاً على عملاء محليين لتحديد المخابئ أو تتبّع القادة.

– الاضطراب السيبراني والمالي

يُجسّد اقتحام بنك سبأ خلال أسبوع صرف الرواتب «اقتصاديات الوقت المُستهدف»: الضرب في لحظة ضيقة ومتوقعة عندما يكون للاضطراب أقصى تأثير اجتماعي. لم يتقاضَ الجنود رواتبهم، وتقطعت السبل بالمتقاعدين، وفقدت الأسر نقودها. وقد طبّقت إسرائيل المنطق نفسه ضد الذراع المالية لـ«حزب الله»، المعروفة بـ«القرض الحسن»، فضربت مستودعات نقدية لكسر صبر المجتمع. ففي كلتا الحالتين، كان الهدف زعزعة الثقة في موثوقية الإدارة وميزانيتها المالية.

– إفقار المدنيين كإستراتيجية

تُستخدم الحرب الهجينة عمداً كسلاحٍ للضعف. من خلال استهداف المساكن والبنية التحتية الأساسية، فإسرائيل سعت إلى إفقار المجتمعات التي تُشكل العمود الفقري للمقاومة. وهذا يُحاكي حربي لبنان عامي 2006 و2024، حيث دُمرت مئات المباني المدنية لاستنزاف قاعدة حزب الله الاجتماعية.

– العمليات المعلوماتية والنفسية

ضخّمت صور المنازل المنهارة والحسابات المصرفية المجمدة الشعور بالهشاشة، مُشيرةً إلى عجز الدولة عن حماية شعبها. كما ضربت إسرائيل البنية التحتية للتلفزيون الإيراني في محاولةٍ لإسكات الرسائل الرسمية، على الرغم من استمرار البث في إشارة إلى الصمود. ردّت إيران بأدواتها النفسية الخاصة: ظهرت تقارير عن مدنيين يُشعلون حرائق مُتحكّم بها في المدن لمحاكاة دمار واسع النطاق، وهو تكتيكٌ يهدف إلى اختبار رد الفعل الاجتماعي تجاه الفوضى. ففي الحرب الهجينة، يكون الإدراك حاسماً بقدر قوة النيران.

– الإنكار المعقول والمنطقة الرمادية

أدى إطلاق الطائرات المسيرة من دول ثالثة والاعتماد على المتعاونين إلى الحفاظ على الغموض الإستراتيجي، ما عقّد حسابات الرد الإيراني. وكان توجيه ضربة مباشرة إلى أذربيجان أو العراق يُنذر بتصعيد واسع النطاق.

استمرارية إيران وردّها التكيفي

على الرغم من الخسائر البشرية وأضرار البنية التحتية، حافظت وزارة الدفاع الإيرانية على إنتاج الأسلحة وتأمين الرواتب والخدمات اللوجستية طوال الحرب. وقد حيّدت الحلول البديلة الطارئة الاضطرابات المصرفية.

وقد عكس هذا مبدأ الاستمرارية المدنية – العسكرية القائم على التكرار: مصانع متفرقة، وقنوات دفع رواتب بديلة، وجناح اقتصادي مرتبط بالمعاشات التقاعدية والصناعات المدنية.

الاستمرارية هي ردع: فإذا دُفعت الرواتب وظلت المصانع تعمل، فإن العائد القسري للحرب الهجينة يتضاءل.

ولطالما استخدم «حزب الله» أسلوباً مشابهاً للتكرار، موفراً الرعاية الاجتماعية والخدمات تحت القصف.

ففي كل من إيران ولبنان، يعتمد البقاء على الحفاظ على شرايين الحياة المجتمعية إلى جانب القدرات العسكرية.

لماذا كانت الحملة هجينة؟

أظهرت الحملة أربع سمات مميزة:

– التزامن: تداخل خطوط الجهد الحركية والسيبرانية والنفسية.

– مزج الأهداف: ضربت العقد العسكرية جنباً إلى جنب مع العوامل المدنية المساعدة مثل الإسكان والبنوك.

– تنوع العوامل: أجبرت الطائرات من دون طيار وعمليات التسلل والمتعاونون على ردود دفاعية متوازية.

– إدارة الإسناد: حافظ الوسطاء الذين يمكن إنكارهم على الغموض، مما عقّد خيارات التصعيد.

لم تكن هذه محاولة تقليدية للهيمنة على ساحة المعركة، بل هجوم منهجي على قدرة إيران على الصمود.

الآثار والحدود الاستراتيجية

من المرجح أن إسرائيل كانت تهدف إلى اختبار قدرات الدفاعات الجوية الإيرانية، واختبار المرونة المالية، ورفع التكلفة الاجتماعية للمواجهة.

ومع ذلك، حافظت إيران على استمرار حركة الرواتب، وإنتاج المصانع، واستمرار البث. وقد أضعف التكرار الآثار الهجينة. فهذه الحرب تزدهر في ظل الاختناقات؛ فحيثما لا تؤثر أو تضعف الطرف الآخر، تتآكل مكاسبها القسرية.

التداعيات على الجولات المستقبلية

ستبقى البنية التحتية المدنية ساحة معركة. سيتم استهداف الخدمات المصرفية والمعاشات التقاعدية والمرافق؛ وتُعدّ حالات الطوارئ غير المتصلة بالإنترنت ضرورية.

بالاضافة إلى ذلك، تحاول إيران أن تكون إجراءات مكافحة الطائرات المسيرة إقليمية. وتتطلب الطائرات المُسيّرة التي تُطلق من الدول المجاورة استشعاراً مسبقاً وردعاً دبلوماسياً واتفاقاً أمنياً، لأن التعاون المضاد أمر بالغ الأهمية. أما حماية تجمعات الإسكان الدفاعي، فهي في أهمية الدفاع الصاروخي ليطمئن الفرد على صحة وسلامة عائلته في زمن الحرب.

أما مرونة الخطاب والإعلام، فأمر مهم لا يصنف إلا كسلاح إستراتيجي، فتحتاج الدولة للتواصل السريع والموثوق بشأن الاستمرارية بالحرب ليُخفف من التأثير النفسي للصدمات الهجينة.

الخلاصة

تُجسّد حملة إسرائيل التي استمرت 12 يوماً ضد إيران «الحرب الهجينة» في شكلها الناضج: هجوم شامل لا يهدف إلى تحقيق نصر حاسم في ساحة المعركة، بل إلى تآكل الأنظمة والمجتمعات. ومن خلال ضرب المنازل والشرايين المالية وقنوات المعلومات، سعت إسرائيل إلى إستراتيجية قلب النظام وإحداث حالة من التوحش والفوضى.

كان رد إيران مؤسسياً بقدر ما كان عسكرياً – الحفاظ على الرواتب واللوجستيات والبث تحت النيران والاستمرار بتنويع الصواريخ وإيلام العدو لتضعف هذه الاستمرارية المكاسب الهجينة لإسرائيل.

أما الدرس الأوسع فهو أنه في الحرب الهجينة تنهار الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمقاتلين، لكن نجاحها مشروط. فقد تُحدث الضربات الهجينة صدمة، لكنها نادراً ما تُحقق نصراً حاسماً.

في حروب المستقبل، لن يكون مقياس الصمود في القوة النارية وحدها، بل في القدرة على إبقاء المجتمعات فاعلة – وإيمانها ببقائها – تحت النيران.

ما معنى الحرب الهجينة؟

تشير الحرب الهجينة إلى التكامل الهادف بين القوة التقليدية، والعمل غير النظامي الذي يمكن إنكاره، والأدوات غير الحركية – السيبرانية والمالية والمعلوماتية – لإحداث آثار تتجاوز مجموع أجزائها.

بخلاف الحرب التقليدية، التي تهدف إلى تحقيق النصر في ساحة المعركة، فالحرب الهجينة تستهدف النسيج الجامع للدولة: المالية، واللوجستية، والأسر، والمرافق، والمعلومات. وهدفها هو تآكل المرونة، وزعزعة الثقة في الحكومة، وشل عملية صنع القرار.

تُجسّد المواجهة الإسرائيلية التي استمرت 12 يوماً مع إيران هذا النموذج، بوضوح غير مسبوق. فقد دمجت الحملة غارات جوية دقيقة، وغارات بطائرات مسيرة من دول مجاورة ومن الداخل الايراني، وعمليات تسلل قوات خاصة، وهجمات إلكترونية على الأنظمة المصرفية، وعمليات نفسية، لإلغاء التمييز بين الجندي والمدني، وبين الجبهة والمؤخرة.