هل يخرق ملف “الفايبر أوبتيك” جلسات التحقيق بقضيتي مبنى قصابيان و “شرشرة” الرعايات؟

هل يخرق ملف “الفايبر أوبتيك” جلسات التحقيق بقضيتي مبنى قصابيان و “شرشرة” الرعايات؟

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: نداء الوطن
25 آب 2025

تردّد على مسامع اللبنانيين عند طرح كلّ شبهة لهدر المال العام على مدى أعوام مضت، التلويح بإحالة المشتبه فيهم من الوزراء المعنيين على لجنة للتحقيق البرلماني. فنظريًا كلّ الكتل النيابية هي مع فضح مزاريب الهدر والفساد التي أوقعت لبنان في ما يغرق فيه من تدهور مالي وخدماتي، ولكن عند طرح المحاسبة الجدّية، يعيد المشهد التقليدي السياسي إنتاج نفسه، لتتقدّم الاعتبارات الطائفية والحزبية على منطق الدولة. وهكذا إذًا لم تبلغ أي “صفقة” حدود المحاسبة الجدية، وكان أبعد ما توصّل إليه مجلس النواب في ممارسة دوره الرقابي خلال السنوات الماضية، توجيه سؤالات أو استجوابات للنوّاب وعرائض اتهامية، وفي الحدّ الأقصى تشكيل لجان فرعية لاستقصاء الحقائق متفرّعة عن اللجان النيابية الأساسية، لم تفض إلى نتائج ملموسة. فهل يتبدّل هذا الواقع مع سابقة تشكيل أول لجنة للتحقيق البرلماني للنظر في شبهات الفساد المرتكبة بقطاع الاتصالات مؤخرًا؟

نقولا صحناوي، بطرس حرب، وجمال الجراح، هم باكورة وزراء الاتصالات السابقين الذين سيرتبط اسمهم بخرق مجلس النواب لقاعدة “اللامحاسبة” السائدة منذ سنوات طويلة، بعد أن تقرّر إخضاعهم لأحكام المواد الدستورية التي تتيح محاسبتهم بدءًا بتاريخ 23 تموز الماضي. فشكّلت أخيرًا هيئة أولى للتحقيق البرلماني، في جلسة اتّسمت أيضًا برفع الحصانة النيابية عن الوزير السابق جورج بوشيكيان تمهيدًا لملاحقته قضائيًا. وحصلت اللجنة على صلاحيات رسميّة تمكّنها من جمع الوثائق واستدعاء المسؤولين تمهيدًا لتوصيات أو إحالات قضائية.

مسار الملاحقة البرلمانية القضائية للوزراء الثلاثة بني على قضيّتين أحيلتا إلى المجلس، الأولى في العام 2022 عندما أرسلت النيابة العامة التمييزية كتابًا إلى مجلس النواب بواسطة وزير العدل، أودعته من خلاله نسخة عن ملف التحقيق بصفقة مبنى تاتش في الشياح “قصابيان”، والذي جرى استئجاره في العام 2012 بسعي من الوزير الصحناوي وسدّدت أجزاء من أجرته من دون إشغاله، وهي قضية ما زالت تداعياتها مستمرّة قضائيًا حتى اليوم على الرغم من فضّ العقد من قبل الوزير بطرس حرب.

خلص القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت بتاريخ 3 آذار 2022 حينها، والمصدّق من الهيئة الاتهامية في 9 حزيران 2022، إلى اعتبار المسؤولية الجزائية عن الأفعال المدّعى بها في استئجار المبنى، تقع على عاتق شخص وزير الاتصالات، وهما في هذه الحالة الوزيران الصحناوي وحرب، وبالتالي عدم صلاحية القضاء العدلي لملاحقتهما بجرم هدر المال العام.

أما الملفّ القضائي الثاني فمحال إلى مجلس النواب من النيابة العامة “المالية” منذ العام 2019، وفيه اتهام إلى كلّ من الوزراء الثلاثة بهدر أموال شركتي الخليوي في رعايات تمويل مناسبات ونشاطات اجتماعية متفرّقة بمبالغ طائلة.

إلى الإحالتين القضائيّتين، يشكّل تقرير ديوان المحاسبة الصادر منذ العام 2022، مرجعية إضافية تثبت وقوع “الشبهتين”، بما تتضمنه من تدقيق مالي شامل لأرقام وزارة الاتصالات، تتخطى قضية الإنفاق في استئجار المباني والرعايات، إلى الإضاءة على نهج من الإنفاق المُسرف وغير المنضبط الذي اتّبعه الوزراء المتعاقبون وخصوصًا بين العامين 2010 و 2020.

سرّية العمل أساس نجاحه

منذ إعلان تشكيلها في شهر تموز الماضي، عقدت لجنة التحقيق النيابية اجتماعين. وفقًا لمصادر نيابية مطلعة تتعاطى اللجنة مع الملف الذي بين أيديها بجدّية تامة، وتنعكس جدّيتها تحديدًا في إبقاء تحقيقاتها سرّية وضمن دائرة مغلقة تمامًا لا تتعدّى أعضاء اللجنة الأساسيين، أي كلًّا من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، رئيس لجنة الاتصالات النيابية ابراهيم الموسوي والنائبة غادة أيوب، ولا تشمل بالتالي الأعضاء الرديفين، أي فريد البستاني، بلال العبدالله وياسين ياسين. وعليه لم يستدع هؤلاء حتى الآن إلى أي جلسة. وعلى الرغم من الخشية التي يعبّر عنها البعض من أن تتحوّل السرّية إلى ستار يحول دون شفافية التحقيقات التامة، تبدي أوساط نيابية تفهّمها لها، وتعتبر أنها تحمي عمل اللجنة من الضغوط السياسية والإعلامية التي غالبًا ما تُفرغ التحقيقات من مضمونها. وتشرح هذه الأوساط أن تجربة اللجنة الأولى، تتطلّب الحذر من أي هفوة قد تنعكس مستقبلًا على النيات الفعلية بتشريع أبواب “مغارة الاتصالات” على مصاريعها، وفي طليعتها قضية مبنيي تاتش في الشياح “قصابيان” والباشورا “CITY DEVELOPMENT”، اللذين خصّهما ديوان المحاسبة بتقرير مفصّل منذ العام 2023، واتخذ مسار التحقيق فيهما مع ستة وزراء متعاقبين، منحًى قضائيًا متقدّمًا، بعد عرض الملف على النيابة العامة التابعة للديوان. وبالتالي، من المتوقع أن تصدر قرارات الديوان القضائية النهائية في هذا الملف خلال أيام وعلى أبعد تقدير أسابيع قليلة. هذا في وقت لا تزال المتابعة القضائية الجزائية للجزء المتعلّق بمبنى الباشورا من الملف مفتوحة على ملاحقة الوزيرين جمال الجراح ومحمد شقير وغيرهما من المعنيين في شركة تاتش بتهم صرف نفوذ، تبييض أموال، وإهمال وظيفيّ، من خلال شكوى قضائية مقدّمة من المدير العام السابق لتاتش وسيم منصور.

من قصابيان إلى الرعايات: فساد موثّق بالأرقام

غير أنه إذا كانت قضية المبنيين تختزن واحدة من أكثر قصص الفساد والهدر وضوحًا في تاريخ الإدارة اللبناني، فهي ليست سوى نموذج عن بنية فساد إداري ومالي مستشرٍ في وزارة الاتصالات، وضعتها في دائرة شبهات دائمة، بعضها أحبط في المهد، بينما تداعيات أخرى على المال العام ومستوى الخدمات المقدّمة مستمرّة.

أفرد ديوان المحاسبة نفسه ثلاثة تقارير مفصّلة حول صفقات الاتصالات المشبوهة، صدر الأول منها في العام 2021 وتناولت من خلاله الغرفة السابعة برئاسة القاضية زينب حمود ملفات الهدر في الشبكة الثابتة، وللوزير جمال الجراح حصة منه. والثاني صدر في العام 2022 عن الغرفة الرابعة برئاسة القاضية نيللي أبي يونس، ويشكّل مستندًا بارزًا يوثّق مكامن الهدر والإسراف بالإنفاق بأرقام دقيقة، فيما الثالث صدر عن الغرفة الثانية التي يترأسها القاضي عبد الرضى ناصر في العام 2023 ويشكّل مبنى قصابيان المطروح أمام قوس لجنة التحقيق البرلمانية جزءًا منه.

تزامنت هذه التقارير، مع انهيار قيمة العملة اللبنانية، وانكشاف لبنان أمام العالم ماليًا. فظهرت ارتكابات كلّفت الخزينة ملايين الدولارات، هدرت في قطاع الاتصالات تحديدًا. وهو ما شكّل واحدًا من الشواهد العملية على ما قاله رئيس الجمهورية جوزاف عون في مقابلة تلفزيونية أخيرة له وهو “أن لبنان ليس بلدًا مفلسًا بل منهوبًا”.

حكومات المحاصصة: حصانة أقوى من القانون

لم يتغيّر أداء بعض الوزارات في سنوات الأزمة المالية، لا بل جرت محاولات عديدة، تصدّت لها الهيئات الرقابية، لتمرير صفقات حاولت التطاول حتى على أصول قطاع، انقضّ المؤتمنون عليه على المال العام، واعتبروه دجاجة تبيض لهم الذهب. وكلّ ذلك وسط ممانعة برزت ما بعد انفجار الأزمة المالية لاتخاذ إجراءات إصلاحية تعيد القطاع إلى سكة الإنتاجية الصحيحة، بما تتضمّنه من كلفة مقبولة لخدمة تنافسية ممتازة ومداخيل عادلة للخزينة العامة.

وانطلاقًا ممّا ذكر، يصبح مشروعًا طرح التساؤلات عمّا يحول دون تشكيل لجان مشابهة للنظر في مختلف الشبهات التي لفّت الصفقات المطروحة عبر هذا القطاع، أو حتى غيره من القطاعات، ومحاسبة من تعاقبوا على الوزارات، ولا سيّما منهم وزراء الطاقة والمياه الذين تلوّثت سمعتهم بواقع “العتمة” التي يغرق بها لبنان منذ سنوات طويلة على الرغم من ملايين الدولارات التي هدرت في القطاع، أو حتى وزراء الأشغال وكلّ المعنيين بواقع الطرقات وهيئة إدارة السير، وغيرهم من أصحاب السير الذين لا يملك اللبنانيون إثباتات عملية على ارتكاباتهم، ولكن رائحة “الفساد” في وزاراتهم تعبق في أنوفهم.

وفقًا لآراء خبيرة، تشكّل التركيبة السياسية لمجلس الوزراء من الكتل النيابية الوازنة في مجلس النواب أحد العوائق الأساسية أمام ممارسة مجلس النواب دوره الرقابي الفاعل على الحكومة. هذا في وقت ترتبط آلية تشكيل لجان التحقيق وفقًا للنظام الداخلي لمجلس النواب ولا سيّما المواد 139 حتى 142 بقرار يتخذ في الهيئة العامة بناءً على اقتراح، أو عريضة أو سؤال أو استجواب يوقّع عليه خُمس أعضاء المجلس. هذه السابقة حصلت فعلًا في ملف الاتصالات، حين وقّع 26 نائبًا من مختلف الكتل النيابية على عريضة اتهامية وجّهت إلى مجلس النواب منذ العام 2022 إثر المناقشات التي دارت في لجنة الاتصالات النيابية لتقرير ديوان المحاسبة الصادر في العام نفسه.

هل تتوسّع التحقيقات إلى أبعد من الملفات المطروحة؟

تأخّر مجلس النواب إذًا ليشكل لجنته للتحقيق. فيما مسار القضاء الجزائي الذي شرّع أبوابه لبعض قضايا هذا الملف بطيء جدًا في خطواته، وبعضه أيضًا متواطئ في محاولة عرقلة القضايا المطروحة أمامه، في ظلّ منظومة بقيت تحمي الفساد لسنوات طويلة. ومن هنا، تكمن القيمة المضافة لعمل لجنة التحقيق البرلمانية، بظلّ عهد يؤكد أنّ هدفه الأول بعد بسط شرعية الدولة، هو الإصلاح المالي والاقتصادي. وهذا ما يمكن أن يخلق تفاؤلًا بأن فتح ملف الاتصالات من بوّابة الإحالات القضائية المرفوعة إلى “قوس” المجلس النيابي، قد يتوسّع مستقبلًا نحو التحقيق في ملفات متفرّقة، ويؤدي ربّما إلى مزيد من التوسّع في ما أثاره النائب جهاد الصمد في مرافعة الادّعاء التي قدّمها خلال جلسة إقرار تشكيل لجنة التحقيق، ومطالبته باسم الادّعاء بإحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

حاميها حراميها؟

تتشعّب هذه الملفات بتفاصيلها، إلّا أنّ جذورها تبدو مغروسة منذ العام 2012. وذكر السنة هنا ليس تفصيلًا، خصوصًا أنّ الارتكابات التي حصلت بالنسبة لاستئجار مبنى قصابيان أولًا، بدأت بعد أشهر من انتقال ملكية شركتي الخليوي إلى الدولة اللبنانية، حيث كان يفترض أن يؤدي هذا التملّك إلى خفض نفقات التشغيل وتعزيز الشفافية انطلاقًًا من موجب حرص الوزارة على المال العام، ولكن بدلًا من ذلك ارتفعت هذه النفقات في صفقات انكشفت تفاصيلها تباعًا وكان الأكثر نفورًا بينها صفقة مبنيي تاتش.

وفقًا لتقرير ديوان المحاسبة الصادر في العام 2022، فإنّ الدراسات التي قدّمتها الشركتان المشغلتان لشركتي الخليوي إلى لجنة الإعلام والاتصالات النيابية عن الفترة ما بين العام 2012 و 2018، بيّنت أنّ مجمل الإيرادات التي أودعت الدولة خلال هذه الفترة انخفضت على الرغم من ارتفاع عدد المشتركين من حوالى ثلاثة ملايين إلى أكثر من أربعة ملايين مشترك، وكان ذلك نتيجة لارتفاع الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي بنسبة تقدّر بـ 129 بالمئة تقريبًا.

فما كان محكومًا بشروط إنفاق سابقًا صار متاحًا بعد هذا التاريخ، وفي قضية صفقة مبنى قصابيان تحديدًا، ما كان مرفوضًا في عهد الوزير شربل نحاس، صار مقبولًا منذ عهد الوزير نقولا الصحناوي، بطل قضية مبنى قصابيان مثلما هو جمال الجراح بطل قضية ملف الباشورا، والقضايا الأخرى التي فجّرها الصمد بوجهه خلال جلسة إقرار تشكيل اللجنة، وأبرزها ممّا لم تنته فصول تداعياته حتى الآن، قرار الوزير جراح المنفرد الذي خالف القانون في العام 2017 بالإتاحة لشركة “غلوبال كوم داتا سيرفيس” أو GDS وشركات أخرى، تمديد شبكة “فايبر أوبتيك” واستعمال البنية التحتية لوزارة الاتصالات، على حساب المال العام.

GDS قصّة ثانية

شكّل ملف GDS دليلًا حيًا آخر على أنّ أيّ خطأ ارتكب في الماضي، سيعمّم الخطأ ويجعله قاعدة سائدة، حتى لو أدّى ذلك إلى مزيد في الإمعان بخرق القوانين والأنظمة التي وضعت لحماية هذا القطاع وتطويره.

فمن تداعيات الصفقة التي تناولها ديوان المحاسبة، وأفرد لها حيّزًا من تقريره الصادر في العام 2021، أنّ حصول GDS على الترخيص بمدّ شبكتها للألياف الضوئية، “ألحق عطبًَا دائمًا بالقطاع”. إذ تجاوز الجراح وفقًا لتقرير الديوان كلّ القوانين المرعية، ولا سيّما قانون تنظيم قطاع الاتصالات الذي يربط منح أي ترخيص لشركة خاصة في تقديم خدمة الإنترنت بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، وبعد إجراء مزايدة عالمية وفقًا لدفتر شروط تعدّه الهيئة الناظمة للاتصالات. وهو بالتالي تعدّى على دور الهيئة وليبان تيليكوم التي أعطيت الحق الحصريّ بتوفير الخدمات الأساسية الصوتية لمدة عشرين سنة، ليطيح بمستقبل هذه الشركة حتى قبل أن تبصر النور. وهذا ما أدّى إلى إلحاق ضرر فعلي بالمال العام عن طريق تفويت فرصة تحقيق إيرادات لصالح الخزينة اللبنانية.

وفقًَا لتقرير الديوان أيضًا، فإنّ شركة GDS والتي تتفرّع منها شركات عدّة لتقديم خدمات الإنترنت، أصبحت نتيجة لهذا القرار مالكة ومشغلة لشبكة اتصالات ثابتة وقادرة على تقديم خدمات الإنترنت المختلفة على الأراضي اللبنانية كافة، بتعرفة منافسة للتعرفة المعتمدة من قبل القطاع العام، وذلك نتيجة المرونة التي يتّسم بها القطاع الخاص في تحديد التعرفة المناسبة له للسوق المحلية، بمقابل الإجراءات الإدارية المعقدة التي يحتاجها القطاع العام. كما أنّ القرار أعطى الشركة أفضلية على الشركات الصغيرة التي تقوم بتوزيع الإنترنت، لتفرض شروطها عليها، الأمر الذي يؤدي إلى منافسة القطاع العام بصورة غير مشروعة.

وأضاف التقرير: “ستكون هذه الشركة قادرة على التحكّم بسوق على قدر كبير من الأهمية وهو “اقتصاد المعرفة” المفترض أن يكون في عصرنا هذا الركيزة الثالثة للاقتصاد اللبناني إلى جانب القطاع المالي وقطاع النفط والغاز. وستقدّم هذه الشركة “خدماتها” وفق منطق القطاع الخاص الذي يسعى بالدرجة الأولى لتحقيق أعلى نسبة أرباح، وبالتالي ستمدّ الشركة شبكتها وخدماتها في المناطق التي تتّسم بجدوى اقتصادية مناسبة لها، بما يضمن لها معدلات ربحية عالية ودون أي مراعاة لأهم المبادئ الدستورية، أي ضمان إنماء متوازن بين المناطق ومساواة في استفادة المواطنين كافة من هذه الخدمة، فضلًا عن مخالفة نص المادة 26 من قانون الاتصالات المتعلّقة بتأمين الخدمة الشاملة.

تجاهلت GDS مؤخرًا كلّ ما ذكر، ولفت في شهر شباط الماضي ما تمّ تداوله عن توجّه الشركة لمقاضاة الدولة في مطالبتها بتعويضات، بسبب أضرار ناتجة من تأخّر تفعيل كوابل الإنترنت الخاصّة بها في سنترالات هيئة أوجيرو. هذا في وقت استمرّ الوزير جراح بالدفاع عن هذه الصفقة من خلال الفرصة التي أتيحت له للمرافعة عن نفسه أمام مجلس النواب في جلسته المنعقدة لإقرار إنشاء لجنة التحقيق النيابية، مع أنه يعلم بأن مجلس شورى الدولة سبق له وأوقف قرار التراخيص للشركة، وهو نفسه أبدى التزامه بكل ما يقرّره المجلس. علمًا أنّ أداء الجراح في هذا الملف خلال توليه وزارة الاتصالات تسبّب في إرباك عام؛ وفي مراجعة لبعض المعلومات الصحافية التي رافقت تلك الحقبة، يتبيّن أنه أصدر أولًا قراره بالترخيص لـ  GDS بشكل منفرد من دون العودة إلى مجلس الوزراء، ثم عاد وطرح مسألة الترخيص لها ولشركتين أخريين على مجلس الوزراء، في مسعى لاستصدار مرسوم ترخيص بالمضمون نفسه ولكن وفقًا لآليات مختلفة، فكان له ما أراد. ليعود على مشارف تسليمه وزارة الاتصالات إلى خلفه، ويلغي هذه التراخيص، مستبقًا صدور قرارات جديدة عن مجلس شورى الدولة، كان يتوقّع أن تلغي هذه التراخيص، ولكن من دون أن تتبلغ الدوائر المعنية في أوجيرو بقرار إلغاء هذه التراخيص، فأفرغ الطعن المقدّم إلى مجلس الشورى من مضمونه وأحيلت تفاصيله للوزير اللاحق في وقت استمرّت الشركات بتمدّدها.

هل انتهى زمن الإفلات من العقاب فعلًا؟

سواء أكان موضوع الفايبر أوبتيك سيثار من ضمن الملفات التي بدأت لجنة التحقيق البرلمانية بمذاكرتها أم لا، خصوصًا أنها ليست مشمولة بإحالات قضائية إلى المجلس النيابي، فإنّ المسار النيابي الذي سلكته بعض ملفات الاتصالات، لا بدّ أن يتكامل مع النتائج التي توصّلت إليها المسارات الأخرى ولا سيّما منها القضائية والرقابية، لتسهم في بناء ملف متكامل يمكن أن يتوّج بمحاسبة فعلية للمرتكبين أمام المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء، إذا ما أجمع ثلثا مجلس النواب على ذلك مثلما أجمع 88 نائبًا على تشكيل لجنة التحقيق. فهل يثبت مجلس النواب أنّ زمن الإفلات من العقاب قد انتهى فعلًا، أم أن نتائج أعمال أول لجنة للتحقيق النيابي تشكّل في عهد “إصلاحي” ستؤكد مجددًا أن المنظومة ما زالت أقوى من أي مساءلة، حتى لو كانت الأرقام فاضحة. أداء اللجنة كما مجلس النواب هو اليوم تحت المجهر… لننتظر ونراقب.