
أسبوع آب الأخير: اوله للـ 1701 …وآخره للـ “17 صفر واحد!”؟
بالتأكيد لن يقفل الأسبوع الجاري النقاش حول قرار “حصر السلاح” وفق القرار 1701، ولكن لن يمرّ دون إقفال الجدل حول التمديد لـ “اليونيفيل”..والى ان تنتهي المعركة عالمكشوف يولد قرارٌ جديد!؟
يبدو أنّ الأسبوع الأخير من آب سيختصر معظم الأزمات اللبنانية العميقة، فزيارة الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك ومعه نائبته مورغان اورتاغوس إلى لبنان برفقة وفد أميركي كبير، سيرفع منسوب الضغوط الأميركية. وإن حملوا في بدايته الردّ الإسرائيلي على الاقتراحات اللبنانية الخاصة بتفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، ومعهم من سوريا رسائل سورية مماثلة عن الحدود وترتيبات مختلفة، فإنّهم يستعدون في نهايته للبتّ بقرار التمديد لـ “اليونيفيل”. وبذلك يتحول الأسبوع بكامله مخصصاً للبحث في نسختي الـ1701 القديمة والجديدة. وعليه ما الذي سيأتي به؟
قليلة أيام الواحد والثلاثين من شهر آب من كل عام التي لا تحمل ذكرى معينة منذ عقود، فمنذ يومه الاول حمل هذا الشهر عيد الجيش الـ80 لهذه السنة، وقبل أن ينتهي بالذكرى الـ 45 لاختفاء الإمام موسى الصدر، تؤرخ أيام أخرى لأحداث جسيمة عسكرية وأمنية وسياسية. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تلك المتصلة بحرب تموز 2006 وصدور القرار 1701 في الثاني عشر منه، كما بالنسبة إلى انتشار الجيش في الجنوب اللبناني للمرّة الأولى في 17 منه، قبل 19 عاماً، كما الذكرى الـ43 لانتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميل، إلى ما تبقّى من أحداث لا يمكن الإشارة اليها كاملة.
لا تقف هذه الإشارة، عند الحاجة إلى التذكير بمثل هذه المحطات، لكنها تصلح للحديث عمّا يجري في الساعات الفاصلة عن بدء لقاءات برّاك واورتاغوس اليوم في بيروت، ومعهما وفد من الكونغرس الأميركي وآخر تقني عسكري وفني، عدا عن الوفد الموجود في بيروت منذ أمس يتقدّمه عضو الكونغرس الأميركي دارين لحود. في وقت ينتظر المسؤولون اللبنانيون ما يحملون معهم من أجوبة إسرائيلية على مجموعة الطروحات الأخيرة التي تبادلها برّاك معهم مطلع الأسبوع الماضي، وما انتهت إليه لقاءاته في باريس وتل أبيب ودمشق قبل وصوله إلى بيروت.
وعليه، فإنّه ليس من المفيد التوقف أمام ما تسرّب من معلومات وسيناريوهات سبقت وواكبت محادثاتهم في تل ابيب خصوصاً. فقد سبقت وصولهم مجموعة منها توزعت بين تلك التي صدرت عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو صباح أمس، وقالت إنّ “قرار لبنان بشأن حصر السلاح فرصة لاستعادة سيادته وبناء مؤسساته، وإن اتخذت القوات الأمنية اللبنانية خطوات لنزع سلاح “حزب الله” فإنّ إسرائيل ستتخذ خطوات متبادلة بما في ذلك تقليص تدريجي لوجود الجيش الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة”. ولا تقف هذه التسريبات عند هذا الحدّ، فقد أشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أنّ “النقاط الخمس في جنوب لبنان لم تكن جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار وفرضتها إسرائيل أمراً واقعاً”، قبل أن تعلن الإذاعة عينها لاحقاً أنّ إسرائيل “ستعلن رسمياً أنّها ستنسحب من النقاط الخمس في جنوب لبنان إذا تمّ نزع سلاح حزب الله”.
على هذه الخلفيات، وعلى رغم من تعليق اورتاغوس على موقف نتنياهو بـ إشارة شكر” بعد نشرها للموقف، قالت مصادر مطلعة على مجرى المفاوضات مع الجانب الأميركي، انّها اطلعت على مزيد من هذه المواقف الإسرائيلية المتناقضة بطريقة غير رسمية، ولن تتخذ منها أي موقف قبل أن يأتي برّاك بها. فلبنان لم تعد تغريه هذه المعادلات قبل أن يطلع من الوسيط الأميركي عمّا لديه بنحو دقيق ورسمي على قاعدة “لا تقول فول حتى يصير بالمكيول”. ولذلك لن يكون للبنان أي تعليق أو موقف رسمي قبل عبور هذه المراحل على دقتها. فبعض الكلمات أحياناً تذرّ الرماد في العيون وأخرى تثير القلق، فيما العبارات المطمئنة “قليلة ونادرة”.
وانطلاقاً مما تقدّم، تنصح المراجع السياسية والديبلوماسية بالتروي وأخذ الحيطة والحذر من تلك المواقف التي “تدس السم في العسل”، وخصوصاً انّ هناك في بيروت من يقرأ بعض المواقف الإسرائيلية على طريقته الخاصة دعماً لما يسوّق لما يسمّونه “المواجهة المفتوحة” مع الكيان، فإنّ هناك من يواصل عملية فبركة الروايات ليبني عليها المواقف قبل التثبت من دقّتها وأهميتها ومصدرها. فتطلق الشعارات المتسرّعة والغامضة على أنواعها، فيما النتيجة واحدة وهي تصبّ في خانة تخدم “دعاة الفتنة” و”التحريض”، عدا عن الساعين إلى التشنج الداخلي الذي يوفر للغوغائيين السيطرة على عقول اللبنانيين ونفوسهم ومعنوياتهم، ويزيد من تصلّب بعض المواقف المبنية أصلاً على نظريات مسبقة تفيض منها الديماغوجية.
ومن هذه المعطيات بالذات تتواصل الجهود المبذولة لمواجهة الملفات المطروحة على طاولات أهل الحكم والحكومة في الأيام المقبلة الحافلة باللقاءات التي لا توقف نهايتها والقرارات الخاصة بشأنها مداها القصير. وهو أمر تفسّره المساعي المبذولة لتسهيل تنفيذ قرار “حصر السلاح” وتوفير الظروف المؤاتية لضمان بقاء الملف في الإطار الوطني العام، فلا يتسبب بمزيد من الشروخ الداخلية على قاعدة الرفض المطلق لتنفيذه بطريقة عبّر فيها البعض عن قلقه من مشاريع تسلّم السلاح الفلسطيني في بعض المخيمات بين بيروت والجنوب. وهي مواقف لا تقف عند شكل وحجم هذه العمليات التي تحتمل تفسيرات متناقضة تستفيد من حجمها الصغير للتعبير عن هزال الخطوة وتسخيفها، فيما يراها آخرون أنّها مؤشرات لقرارات سياسية كبرى تدعم هذا التوجّه لمصلحة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية على حساب أي سلاح آخر أياً كانت هويته.
ومن المفارقات، تعتقد مراجع سياسية وديبلوماسية انّ الاسبوع الجاري سيحمل بالتأكيد مؤشرات إلى شكل الأطر التي سيسلكها ملف “حصرية السلاح” مستقبلاً، من دون أن يوفّر أي خاتمة “نهائية” لهذا المسار الذي تنتظره مطبات مختلفة، منها ما سيكون عالياً جداً، ومنها ما يمكن تجاوزه على مراحل، إن اكتملت الصيغة التي يعدّها الموفد الأميركي وفريقه. وهو أمر بات رهن الأجوبة الإسرائيلية والسورية على الملاحظات اللبنانية، ومدى تجاوبها معها، كما كشف عنها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي ربط المضي في قرار “حصر السلاح” وفق خطة الجيش المنتظرة بموافقتهما المسبقة.
ولكن نهاية الأسبوع الجاري – تختم المراجع عينها – ستحمل وقفاً للجدل القائم إقليمياً ودولياً حول مصير قرار التمديد لـ “اليونيفيل”. فولاية هذه القوات لهذه السنة تنتهي الأحد المقبل، ولذلك سيصدر القرار كما في كل عام ما بين 29 أو 30 منه. وإن صحّت المعلومات الواردة من نيويورك، انّ الجلسة التي كانت مخصصة لمناقشة المشروع الفرنسي للتمديد لها بالصيغة النهائية قد أُرجئت من يوم أمس إلى الجمعة المقبل، فإنّ ذلك يضمن الظروف المؤاتية لاتخاذ القرار النهائي بحكم “المهلة الحاكمة” لقرار التمديد، والتي لا تحتمل اي تأجيل اياً كان شكل القرار وما سيحمله من تعديلات على آلية عمل هذه القوات وفترة التمديد، كما بالنسبة إلى قواعد الاشتباك المعمول بها.