براك في بيروت… فحص «إعلان نيات» نتنياهو بالتعاون

براك في بيروت… فحص «إعلان نيات» نتنياهو بالتعاون

المصدر: الراي الكويتية
26 آب 2025
– نتنياهو مستعد لـ «الانخراط في مسار من الإجراءات المتبادلة مع لبنان»
– أورتاغوس من بيروت تلقّفت بيان نتنياهو بـ «شكراً شكراً شكراً»
– نعيم قاسم: نزع سلاحنا يعني نزع الروح منا وعندها سيرى العالم بأسنا
– «حزب الله» يعلنها بالفم الملآن: لا للخطوة مقابل خطوة مع إسرائيل
– الحرس الثوري: خطة نزع سلاح «حزب الله» مؤامرة أميركية
– إسرائيلية لن تنجح أبداً

عاشتْ بيروت ساعاتٍ عصيبةً على وقع رماديةٍ طبعتْ مآل المَسار الشائكِ الرامي إلى توفير «مهبطٍ آمِنٍ» لملف سَحْبِ سلاح «حزب الله» بما يوائم بين مقتضيات «المصلحة الوطنية» التي أمْلَتْ على حكومة الرئيس نواف سلام إطلاقه، وبين معاندةِ الحزب أي تفكيكٍ لترسانته وفق «التوقيت اللبناني»، المضبوطِ في جانب منه على الاستعجال الأميركي، وإصراره على سلّم أولوياتٍ لا يمكن عزْلُه عن الارتجاجاتِ المستمرّة لـ «حرب الـ 12 يوماً» على جبهة إيران واسرائيل/ الولايات المتحدة ومحاولة طهران تخفيف الطوق عنها عبر معاودة تشكيل «حزام النار» حول تل ابيب.

وتترقّب بيروت بأعصاب مشدودة نتائج زيارة الموفدين الأميركييْن توماس براك ومورغان أورتاغوس اللذين يُجْريان اليوم لقاءات مع كبار المسؤولين يُنتظر أن يتضح معها الخيط الأبيض من الأسود في ما خصّ مستقبل مسار «الخطوة مقابل خطوة» التي تَسعى واشنطن لإرسائه بين لبنان واسرائيل ليكون الناظمَ لعملية سَحْبِ سلاح «حزب الله» وانسحاب تل ابيب من التلال الخمس التي تحتلها جنوباً وإطلاقها الأسرى ووقْف اعتداءاتها و«متمماتها» على صعيد معالجة ملف الحدود البرية بما في ذلك مع سورية.

 

التلويح بالشارع

وإذ كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي التقى براك وأورتاغوس في تل ابيب (الأحد)، يمنح الموفدين الأميركييْن «إعلانِ نياتٍ» مفاجئاً وإيجابياً في الشكل بإزاء استعداده للانخراط في مَسارٍ من «الإجراءات المتبادلة» مع لبنان إذا «اتخذتْ قواته المسلّحة الخطوات اللازمة لتنفيذ عملية نزع السلاح»، فإن «حزب الله» أوشك أن يُطْلِق أمس، تصعيدَ «الخطوة خطوة» بوجه الحكومة بتحُّرك شعبي اتخذتْ الدعوةُ إليه من الحزب «لبوساً نقابياً» قبل أن يتم التراجع عنه في ضوء ما بدا «توازن رعب» في الشارع أرستْه إشاراتٌ لتحرّك مضادّ من أحزاب مُناهِضَة له واستشعار بأنّ «عرض العضلات» على الأرض قد يَستجرّ رَدات فعل ذات طبيعية مذهبية في ضوء التخوين المتمادي الذي تَعَرَّضَ له سلام ناهيك عن مَحاذير استدراجه «انفجاراً شعبياً» جارفاً لكل رافضي الإبقاء على السلاح.

وقد شكّل رئيس البرلمان نبيه بري رافعةً لتأجيل التحرك الذي كان مقرَّراً غداً في ساحة «رياض الصلح» في وسط بيروت (كانت احتضنت تظاهرة حلفاء سورية في 8 مارس 2005 والتي أعقبها «الردّ المليوني» في 14 مارس تاريخ انطلاق «ثورة الأرز»)، وسط معطياتٍ عن أن أيّ مَضيٍّ في التظاهر كان مُدَجَّجاً بخطر الانزلاق الى صِدام مع الجيش اللبناني سيَخسر الحزب منه كثيراً، ناهيك عن أنه سيظهِّر العزلة التي بات يعيشها في ظل انكفاءِ حلفائه عنه تباعاً، وهو ما جَعَل أوساطاً سياسية على خصومة مع الحزب تَعتبر أنه وجد نفسه أمام تَراجُع «اضطراري» عن مسار ضغط لم يتأخّر في «الارتداد عليه» وإظهار أن خياراته في الضغط على الحكومة باتت ضيّقة وأقرب إلى «إطلاق النار على قدميه».

وجاء بيان تأجيل «الوقفة الاحتجاجية» ليعبّر عن مخاطرها، إذ أعلن أنه أتى «انطلاقاً من المسؤولية الوطنية التي تفرضها المرحلة الراهنة، وتلبيةً لتمنيات المرجعيات الوطنية الحريصة على وحدة الموقف وصون الاستقرار، وإفساحاً في المجال أمام حوارٍ معمّقٍ وبنّاءٍ حول القضايا المصيرية التي تواجه وطننا»، وأنه «ينبع من إدراكٍ عميقٍ لمقتضيات الحكمة والشجاعة، ويهدف إلى تحصين الموقف الرسمي، وتثبيت السلم الأهلي، وقطع الطريق على أي محاولة لزعزعة الاستقرار».

الحرس الثوري على الخط

ورغم التراجع عن التحرك، فإن مرتكزاته لم تتبدّل وهي كانت تجلّت في بيان الدعوة الذي جاء تحت عنوان «استنكار القرارين الصادرين عن الحكومة بتاريخ 5 و7 اغسطس 2025 (سحب السلاح بحلول نهاية السنة وتكليف الجيش وضع خطة تطبيقية قبل 31 الجاري ولإقرار أهداف ورقة براك الملبْنَنة) وإيماناً بقدسية المقاومة وسلاحها الشريف الذي يدافع عن الوطن، وتحت شعار هيهات منا الذلة»، وصيغ بلغةِ «طال صبرنا على التحديات التي تواجه وطننا».

وفي حين كانت الخشية من أن يكون التحرك بمثابة «رصاصة انطلاق» ما كان حذّر منه الحزب يوم أعلن أن اعتراضه الشعبي على قراريْ الحكومة حين يقرره لن يكون على شكل مسيرات الدراجات النارية، وسط استحضار البعض «تَخفّي» أحداث 7 مايو 2008 بتحرك نقابي حينها شكل «غطاء» لبدء العملية العسكرية في بيروت ومحاولة اقتحام الجبل، فإنّ المخاوفَ تعاظمت في ضوء الكلمة التي كان مقرراً أن يلقيها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عند الرابعة عصراً ولكنها تأخرت لأكثر من ساعة، ما اعتُبر إشارة إلى «تكييفها» مع قرار إرجاء التظاهرة.

وما عمّق القلق من اقتراب «حزب الله» من تغيير «قواعد الاشتباك» مع الداخل تَمَثَّلَ في تكرار إيران دخولها السافر على خط ملف «حزب الله» رغم إبلاغ المسؤولين اللبنانيين علي لاريجاني رفض التدخل في شؤون لبنان، حيث أكد مسؤول التنسيق في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العميد ايرج مسجدي أن «خطة نزع سلاح الحزب هي «مؤامرة أميركية – إسرائيلية لن تنجح أبداً»، مشدداً على أن «الشعب اللبناني وحزب الله لن يقبلا بأي حال بهذه الخطة».

«لا للخطوة خطوة»

وعلى «الموجة نفسها» جاءت مواقف قاسم، الذي كرر«ان حكومة لبنان اتخذت القرار الخطيئة بتجريد المقاومة وشعب المقاومة من السلاح أثناء وجود العدوان الاسرائيلي باشراف اميركي آثم»، معتبراً «أن القرار الحكومي غير ميثاقي واتُخذ تحت الاملاءات الاميركية الاسرائيلية، واذا استمرت الحكومة بهذه الصيغة فهي ليست أمينة على سيادة لبنان»، مضيفاً «أما الحركة الاميركية فهي لتخريب لبنان ودعوة الى الفتنة، وأميركا تعطي السلاح للجيش ليقاتل داخلياً وممنوع من السلاح الذي يقاتل اسرائيل، وهي تريد إنشاء منطقة اقتصادية في جنوب لبنان لطرد الاهالي وإعطائها لاسرائيل».

وأعلن أن «السلاح الذي يَحمينا من عدونا لن نتخلى عنه، والمقاومة روحنا وشرفنا ومستقبل اولادنا، ومَن أراد ان ينزع هذا السلاح يعني انه يريد نزع الروح منا وعندها سيرى العالم بأسنا»، مستعيداً «أولويات» الحزب القائمة على «وقف العدوان والانسحاب والأسرى وبدء الإعمار وبعدها نبحث في الاستراتيجية الدفاعية، ولا نقبل خطوة خطوة ولا كل هذا الشعار الذي يتحدثون عنه، فلينفذوا الاتفاق الذي وقعنا عليه (27 نوفمبر)».

ولم يكن عابراً أن يتولّى قاسم أول تظهير علني لرفض منطق «الخطوة مقابل خطوة»، الذي يشكّل جوهرَ مَساعي لبنان مع واشنطن لضمان التزام اسرائيل بهذا المسار وتالياً توفير عبور آمن لملف سحب السلاح وفق مقترح براك الذي تحوّل بفضل تعديلاتٍ لبنانية عليه «ورقة إعلان مشترك»، وذلك في الوقت الذي كان الموفد الأميركي وأورتاغوس عادا من تل أبيب بموافقة نتنياهو على مبدأ الخطواتِ المتبادَلة – بعدما بدأتْ حكومة سلام الخطوة الأولى – ولكن مع إبقاء الغموض حول موقفه من وقف الاعتداءات والاغتيالات أقلّه لأسبوعين، وهل يرتبط حتى هذا الأمر بأن يطلق لبنان المسار التنفيذي لتفكيك ترسانة الحزب.

نتنياهو… إعلان نيات

وكان صدر عن مكتب نتنياهو بيان جاء فيه«إسرائيل تُقرّ بالخطوة المهمة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، بقيادة الرئيس (جوزاف) عون ورئيس الوزراء (نواف) سلام. إن القرار الأخير الصادر عن مجلس الوزراء بالسعي نحو نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية عام 2025 يُعدّ قراراً بالغ الأهمية. فهو يُشكّل فرصة حاسمة للبنان لاستعادة سيادته وتعزيز سلطة مؤسساته الرسمية، العسكرية والحكومية، بعيداً عن تأثير الجهات غير الحكومية».

وأضاف «في ضوء هذا التطور المهم، تُعرب إسرائيل عن استعدادها لدعم لبنان في جهوده لنزع سلاح حزب الله، والعمل معاً نحو مستقبل أكثر أمناً واستقراراً لكلا البلدين. وإذا اتخذتْ القوات المسلحة اللبنانية الخطوات اللازمة لتنفيذ عملية نزع السلاح، فإن إسرائيل ستنخرط في (مسار) إجراءات متبادلة، بما في ذلك تقليص تدريجي لوجود قوات الجيش الإسرائيلي، بالتنسيق مع الآلية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة».

وختم:«الآن هو الوقت لكلٍّ من إسرائيل ولبنان للمضي قدماً بروح من التعاون، والتركيز على الهدف المشترك المتمثل في نزْع سلاح حزب الله وتعزيز الاستقرار والازدهار في كلا البلدين».

الخيط الأبيض والأسود

وفي ضوء هذا «الإعلان»، يُنتظر أن يتبيّن من خلال لقاءات براك وأورتاغوس، اللذين رافقهما وفد أميركي كبير في عداده السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام، القطب المخفية في الموقف الاسرائيلي وهل يحمل الموفدان معهما مزيداً من الضمانات وخصوصاً في ما يتعلق بوقف النار لفتْح الطريق أكثر أمام المَسار التنفيذي لسحْب السلاح عبر تسهيل مفاتحة حزب الله بالأمر، رغم أن مصادر واسعة الاطلاع تعتبر أن الحزب أقفل الباب أمام أي حديث عن ترسانته قبل تحقيق«أولوياته» ثم بحث السلاح وفق إطار الحوار حول استراتيجية دفاعية، وهو ما تَجاوزه لبنان الرسمي ولن يسلّم به الخارج ولا اسرائيل.

وفي حين كانت أورتاغوس تسارع الى الترحيب ببيان نتنياهو إذا عاودت نشره على منصة «إكس» مع إشارة «شكراً شكراً شكراً»، برز ما أوردته قناة «العربية» نقلاً عن مصدر عسكري لبناني عن «أن خطة الجيش بشأن تسليم سلاح الحزب باتت شبه جاهزة وأن الجيش لم يطلب حتى الآن تمديد الخطة وسيَعرضها في جلسة الحكومة في 2 سبتمبر»، ما يعني أن المسار الحكومي ما زال على السكة، وإن مع صعوبة تقدير«الإمكانات التنفيذية».

ولم تقلّ دلالة وفق المصادر المطلعة التقارير عن أن براك الذي زار دمشق قبل وصوله الى بيروت يَعمل على ورقة تسوية أمنية تشمل اسرائيل وسورية ولبنان، علماً أن المسار الثنائي بين الأولييْن سالك في شكل منفصل، في الوقت الذي يشكل مقترح الموفد الأميركي حيال سلاح الحزب «مثلثاً» يشتمل على التزامات على كل من بيروت وتل ابيب ودمشق (ترسيم الحدود البرية والبحرية وضبط تهريب المخدرات).