
سلاح “الحزب”: ترامب يريد الانتصار بأيّ ثمن
يرى الصحافي الأجنبي المقيم في بيروت ميكال كرانز أنّه “لو كان الرئيس الأميركي جادّاً حقّاً في مساعدة الدولة اللبنانية المحاصَرة، لكان سمح لها بنزع سلاح “الحزب” بطريقة تتناسب مع الواقع السياسي الحسّاس للغاية في لبنان”. ويحذّر من أنّ الضغط الشديد على “الحزب” من دون خطّة كافية لدعم قاعدته قد يؤدّي مرّة أخرى إلى تحويل الطوائف الدينية في البلاد بعضها ضدّ بعض.
كتب كرانز في موقع “UnHerd” الإخباريّ البريطاني أنّ “الحزب بعدما كان القوّة المهيمنة في البرلمان والحكومات الوطنية المتعاقبة، وفي الشوارع، أصبح الآن في حالة تشتّت، منظّمته محطّمة، وقادته الناجون يخشون الضربة الجوّية الإسرائيلية المقبلة. أمّا القادة المدنيون في لبنان فهم حريصون على انتهاز الفرصة لنزع السلاح وبناء دولة لبنانية حقيقية قابلة للحياة أخيراً. ولكن إذا كان رئيس الوزراء نوّاف سلام والرئيس جوزف عون مستعدّين للتحرّك بعد سنوات من الجمود السياسي، لا يصبّ الجدول الزمني في مصلحة لبنان، وأيّ خطأ في الحساب قد يجلب الفوضى قريباً”.
يستبعد كرانز تجدّد الحرب الأهليّة في لبنان على الأقلّ في الوقت الراهن. ويرجّح أن يقتصر الخلاف الحالي على صفقات خلف الكواليس. فعلى الرغم من الضربات التي تعرّض لها “الحزب” أخيراً، لا يزال جزءاً من الحكومة اللبنانية ويحتفظ بقدر كبير من قوّة التفاوض داخل الدولة. ولكن إذا استمرّت الولايات المتّحدة في دفع الحكومة اللبنانية إلى اتّخاذ موقف هجومي من دون مراعاة الديناميكيّات السياسية الدقيقة في البلاد، فقد يتغيّر هذا الوضع.
التّرتيب يشمل إيران وسوريا وغزّة
من الواضح تماماً، بالنسبة لكرانز، أنّ أجندة إدارة ترامب في لبنان الآن لا تقتصر على سلاح “الحزب” فحسب، بل تتعلّق بإعادة ترتيب جذريّة تشمل إيران وسوريا وغزّة وغيرها، وستساهم في وضع اللمسات الأخيرة على الشرق الأوسط الجديد الذي يتصوّره بنيامين نتنياهو.
في رأيه أنّ “التحوّل التاريخي في المنطقة يحدث بالفعل، لكن كما أثبتت المجازر الأخيرة في سوريا بوضوح، لا يمكن لهذا التحوُّل أن ينجح إلّا بتدبير وحذر، وأيّ خطأ يمكن أن يتفاقم بسرعة”. ويعطي مثالاً على ذلك “استعراض القوّة الذي قام به مؤيّدو “الحزب” في جميع أنحاء لبنان، في تحذير ممّا سيحدث إذا تحرّك الجيش”. ويشير إلى “تجمّع المتظاهرين أمام كنيسة في ضواحي بيروت الجنوبية وما حمله من طابع طائفي صريح”.
يشير كرانز إلى ادّعاء مسؤول في “الحزب” أنّ “الحزب” سيستخدم فقط الوسائل السلميّة للتعامل مع قرار مجلس الوزراء، وأنّه “لن ينجرّ إلى صراع داخليّ مع الجيش أو أيّ طرف لبنانيّ”.
يعتقد أنّ “الأمر منطقيّ. يُدرك “الحزب” أنّه لم يعد القوّة الجبّارة والمهيمنة التي كان عليها سابقاً. في لبنان الجديد، خياراته محدودة ومتباعدة. اليوم، “الحزب” هو ظلّ للعملاق الذي كان عليه سابقاً… منذ بداية الحرب مع إسرائيل العام الماضي، فقد خمسة من أهمّ قادته، لا سيما أمينه العامّ حسن نصرالله. وتكبّد أكثر من 10,000 خسائر إجماليّة، وربّما دُمّر نصف ترسانته. ونتيجة لذلك، العمل ضمن الدولة هو الخيار الواقعيّ الوحيد الباقي له. ومع ذلك، هذا لا يعني أنّه سيسلّم سلاحه من جانب واحد دون قتال، أو على الأرجح دون عقد صفقة سياسية مفيدة أوّلاً”.
المطلوب انتصارات لأميركا لا أكثر
يجد كرانز أنّ مشكلة نهج الحكومة المُتحمّس لنزع سلاح “الحزب” تكمن في أنّ إدارة ترامب غير مُهتمّة بنوع الصفقات التي يتطلّبها هذا الوضع. وإذا كانت الأشهر الستّة الماضية قد علّمت العالم شيئاً عن نهج الرئيس ترامب في الدبلوماسية الدولية، فهو أنّه يهتمّ في المقام الأوّل بالمظاهر، وضمان انتصارات لأميركا، والتأكّد من أنّه يُنظر إليه كصانع ملوك من قِبل الحلفاء والأعداء على حدّ سواء.
يؤكّد كرانز أنّ “السياسة الأميركية تجاه لبنان لا تتعلّق برفاهية الشعب اللبناني أو نظامه السياسي، الذي يحتاج إلى إصلاح، بل تتعلّق بوضع بصمة ترامب الشخصيّة على الشرق الأوسط الجديد. ويمكن رؤية الشيء نفسه في سوريا، حيث بعد أقلّ من عام على إسقاط نظام الأسد، يهتمّ البيت الأبيض في الغالب بعلاقة البلاد مع إسرائيل، حتّى مع استمرار سوريا نفسها في مواجهة اضطرابات سياسية وطائفية. فعلى الرغم من رفع العقوبات عن دمشق، فرض البيت الأبيض رسوماً جمركية بنسبة 41% على سوريا، وهي الأعلى في العالم، من دون سبب واضح سوى ابتزاز الحكومة الجديدة لإبرام السلام مع الدولة اليهودية”.
بحسب كرانز “قد يكون للولايات المتحدة دور بنّاء في لبنان وسوريا، لكن ما دامت تركّز فقط على تحقيق أهدافها الخاصّة، وأهداف إسرائيل الضيّقة، فقد يكون من الأفضل لها أن تودّع هذا الدور”. ويحذّر من أنّه “في هذه الأيّام تكمن التوتّرات الطائفية في كلّ شارع في لبنان. وخطر الصراع الطائفي لا يزال أداة سياسية، وخاصّة في لحظات عدم الاستقرار. “الحزب” استغلّ سابقاً احتمال الحرب الطائفية كعصا لحماية قاعدته الشعبية خلال الاحتجاجات. والآن، في مواجهة أزمة أخرى، هو سعيد بلعب ورقة الطائفية مرّة أخرى. وقد تكون قاعدته الشيعية التي دمّرتها الحرب، والتي تشعر بالتهميش والإقصاء، يائسةً بما يكفي للانفجار في غضب شعبي، خاصة إذا خشيت أن تُستبعد تماماً من العملية السياسية”.
الصبر الغائب عن ترامب..
ينبّه كرانز: “لو كان ترامب جادّاً حقّاً في مساعدة الدولة اللبنانية المحاصَرة، لكان سمح لها بنزع سلاح “الحزب” بطريقة تتناسب مع الواقع السياسي الحسّاس للغاية في لبنان. وقد يتّخذ هذا أشكالاً متنوّعة، بما في ذلك اتّباع أسلوب خطوة بخطوة، فيقابل التخفيض التدريجي لترسانته انسحابات من جانب إسرائيل، أو قد يوافق “الحزب” على نزع سلاح فعليّ من دون التخلّي عن جميع أسلحته، وهو ما يسمح له بالحفاظ على رمزيّة التحدّي بطريقة أكثر احتفاليّة”.
يخلص إلى القول إنّ “الجانب الأساسي لأيّ حلّ عمليّ يجب أن يكون منح الحكومة اللبنانية فرصةً لتحديد مسارها. لكنّ القوى العظمى تستخدم لبنان مرّة أخرى بيدقاً في ألعاب الشطرنج الإقليمية الخاصّة بها، معتقدةً أنّها في وضع أفضل من شعبه للتعامل مع مشاكل البلد. وهذا أمر محبط، لا سيما أنّ واشنطن قريبة جدّاً من تصحيح الأمور، وكلّ ما عليها فعله هو التراجع وترك اللبنانيين يعملون على التفاصيل. ولكن بالنسبة للشرق الأوسط، ليس الصبر كلمةً تتكرّر كثيراً في قاموس ترامب”.