
عقيص: قانون القضاء إنجاز نوعيّ والاعتراضات مليئة بالمغالطات
في 31 تمّوز الفائت، أقرّ مجلس النواب قانون تنظيم القضاء العدلي. خطوة جوهرية، تُشكّل مدماكًا أساسيًّا في إصلاح البنيان القضائي في لبنان وتحصينه من التدخلات السياسية، وإعادة الثقة إلى مؤسسة فقدت الكثير من مصداقيتها وهيبتها في السنوات الماضية. ورغم الترحيب بإقراره، لم يخلُ القانون من انتقادات وجّهتها جهات سياسية ونيابية وقضائية، اعتبرت أنه لا يرقى إلى مستوى الاستقلالية المطلوبة.
إزاء هذا النقاش القضائي الصحّي والمطلوب، أكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص أن إقرار القانون يُعدّ إنجازًا كبيرًا بعد سنوات من المطالبة والنضال، ويُسجّل للجنة الإدارة والعدل والنوّاب الذين آمنوا بهذا المسار ودفعوا باتجاه تعزيز استقلالية السلطة القضائية، رغم كلّ العراقيل. واعتبر أنّ بعض الانتقادات (مشددًا على كلمة بعض) الموجّهة إلى القانون، تنطلق إما من خلفيات سياسية أو من قراءة جزئية للنّص.
في حديث إلى “نداء الوطن”، فنّد النائب جورج عقيص جملة من المغالطات التي وقع فيها بعض النواب والقضاة المعترضين على قانون تنظيم القضاء العدلي. وأوضح أن المشروع استُردّ مرّتين من الحكومة، وأن اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل، والتي تولّت درس الاقتراحات، حرصت على إشراك مختلف الجهات المعنية، من مجلس القضاء الأعلى إلى وزارة العدل ونقابة المحامين وغيرهم، الذين عرضوا ملاحظاتهم واقتراحاتهم بشكل مفصّل.
وشدّد عقيص على أن مجلس النواب كسلطة تشريعية هو من يشرّع، لا على قياس أفكار البعض أو رؤاهم، بل عبر نقاش ديمقراطي يتيح للجميع الإدلاء بوجهات نظرهم. لذا، من حق أي جهة أن تطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري، ومن حق رئيس الجمهورية أيضًا أن يضع ملاحظاته عليه ويردّه، ونحن ملتزمون بما ينص عليه الدستور بالكامل”.
وأضاف أنه حين ينصّ القانون على أنّ القاضي غير قابل للنقل من مركزه طوال أربع سنوات، إلا لأسباب تأديبية، فهذا يعني أننا كرّسنا مبدأ استقلال القاضي وحصّنّاه من أي محاولة ضغط أو انتقام عبر النقل التعسفي. ففي السابق، كان بالإمكان نقل القاضي بعيدًا من مكان سكنه من دون أي مسوّغ قانوني، فقط لأسباب كيدية أو سياسية. أما اليوم، فلا يُنقل القاضي إلا بقرار صادر عن المجلس التأديبي، أو إذا كان النقل إلى مركز موازٍ أو أعلى.
والأبرز أن القانون أتاح للقاضي حقّ الطعن أمام مجلس شورى الدولة في أي قرار فردي يصدر بحقه من مجلس القضاء الأعلى ويتعلق بمساره المهني، ما يُعدّ خطوة متقدّمة نحو تكريس استقلاليته وحمايته من أي تعسّف.
أما بالنسبة إلى انتخاب وتعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، فتوضح الآلية الحالية، أن العضوين اللذين كان يتم انتخابهما سابقًا فقط من قبل قضاة محاكم التمييز، أصبح العدد الآن أربعة من أصل عشرة، بينما يُعيّن مجلس الوزراء، أربعة أعضاء آخرين، لكن بصلاحيات محدودة جدًّا. إذ تعتمد الحكومة التعيينات في المراكز الأربعة بناءً على ترشيحات يقدّمها مجلس القضاء نفسه. كيف؟ عند شغل منصب مدعي عام التمييز على سبيل المثال، يُرشّح مجلس القضاء ثلاثة مؤهلين (أكثر أو أقل)، ومن بين هؤلاء يلتزم مجلس الوزراء تعيين واحد منهم.
في هذا الإطار، يؤيّد النائب عقيص، فكرة “ألا يكون هناك أربعة حكميين في المجلس، بل ثلاثة منتخبين كما اقترحنا في لجنة الإدارة والعدل”، متمنّيًا أن يتم الطعن بهذه المادة حتى يُمارس المجلس صلاحياته بشكل كامل، ومؤكّدًا أنّ كتلة “الجمهورية القويّة” ستصوّت مع هذا الطعن.
كما دعا إلى “إعادة النظر في المادة التي تمنح مدعي عام التمييز صلاحية وقف الإجراءات وإصدار قرارات الكفّ والملاحقات”، ورأى أنه “يجب تجريده من هذه الصلاحية. فنحن صوتنا ضدّها داخل لجنة الإدارة والعدل، ويجب على كل النواب والكتل تحمّل مسؤولياتهم تجاه هذا الأمر”.
من البنود الأساسية والهامة التي تضمنها القانون، هي التشكيلات القضائية التي يقرها مجلس القضاء الأعلى وتصبح نافذة تلقائيًا بعد مرور 45 يومًا إذا لم تُصدر بمرسوم. هذا الأمر يعني تحرير التشكيلات نهائيًا من وصاية السلطة السياسية.
كما أن القانون ضمن حقّ حرية التعبير والتجمّع للقضاة، علمًا أن أعضاء نادي القضاة كانوا سابقًا يتعرضون لمضايقات من بعض الوزراء ومجلس القضاء نفسه. أما اليوم، فقد أصبح بإمكانهم ممارسة هذا الحق بحرية والانضمام إلى هيئات مهنية بأمان ومن دون خوف.
بالنسبة إلى التفتيش القضائي، أوضح عقيص، أن التفتيش لم يُجرد من صلاحياته، إذ بقي مسؤولًا عن متابعة الملاحقات المسلكية للقضاة. أما صلاحية تقييم أعمال القضاة، فانتقلت إلى هيئة التقييم، وهذا تطور إيجابي، لأنه من غير المنطقي، أن يكون من يقوم بالتقييم هو نفسه من يلاحق. فترفع هيئة التقييم تقاريرها إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي يستعين بها عند اتخاذ التشكيلات القضائية، بينما يظل التفتيش القضائي مسؤولًا عن متابعة الانضباط والمخالفات المسلكية.
وختم عقيص قائلاً: “من يسعى لإسقاط هذا القانون هو في الحقيقة ضد استقلالية القضاء، وبعض القضاة يفضّلون بقاء القضاء خاضعًا لأنهم مستفيدون من الواقع الحالي. لنمضِ قدمًا في تنفيذ القانون، وإذا كانت هناك تعديلات، فنحن منفتحون على تحسينه. كفى استهدافًا للنواب وصلاحيات مجلس النواب. دعونا نُظهر الحقيقة: من مع الاستقلالية ومن ضدها، ولن نقبل بأي مزايدة”.