
إسرائيل إلى الشّرع: لن ندعم التّقسيم
ماذا دارَ بين الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع والمبعوث الأميركيّ توماس بارّاك؟ وما هي الرّسائل التي حملها المسؤول الأميركيّ إلى دمشق بعد لقائه بنيامين نتنياهو ورون ديرمر؟
أنهى المبعوث الأميركيّ توماس بارّاك زيارته لإسرائيل التي انتقلَ إليها بعد زيارته لبنان، ومنها حطّ رحاله في العاصمة السّوريّة دمشق قبل أن يعودَ إلى بيروت. زيارةُ دمشق سببها أنّ زيارة بارّاك لتل أبيب لم تكُن محصورة ببحث ورقته بشأن سحبِ سلاح “الحزب” في لبنان. إذ إنّ الملفّ السّوريّ هو الأساسيّ في مهمّة توماس بارّاك الدّبلوماسيّة. وهذا واضحٌ في صفة المبعوث الخاصّ إلى سوريا التي يحملها.
ماذا بحثَ اللّقاء بين بارّاك والشّرع؟
السّرعة التي زارَ بها بارّاك دمشق تدلّ على أنّه يحملُ رسائل عاجلة من إسرائيل إلى سوريا. يقول مصدر إقليميّ لـ”أساس” إنّ اللقاء بين توماس بارّاك والرّئيس أحمد الشّرع ناقشَ عدداً من الملفّات، من ضمنها المحادثات السّوريّة – الإسرائيليّة، والعلاقة اللبنانيّة – السّوريّة:
- نقلَ المبعوث الأميركيّ للرّئيس السّوريّ أنّ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب يرغب بتوقيع اتّفاق عدم اعتداء بين إسرائيل وسوريا، يكونُ منطلقُها اتّفاقَ 1974 الذي تتمسّك به سوريا. وقال إنّ الاتّفاق الذي يرغب ترامب برعاية توقيعه في أيلول المُقبل على هامش الجمعيّة العامّة للأمم المُتّحدة ينبغي أن يُنهي مصادر القلق الإسرائيليّة، وأن يضمن انسحابَ إسرائيل من المناطق التي احتلّتها بعد سقوط نظام بشّار الأسد في الجنوب السّوريّ ومن بعض سفوح جبل الشّيخ. وهو ما يضمنُ أن لا تعتدي إسرائيل مُجدّداً على السّيادة السّوريّة.
- حملَ بارّاك رسالةً من القيادة الإسرائيليّة إلى القيادة السّوريّة مُفادها أنّ تل أبيب لا تتمسّك بإنشاء دولةٍ منفصلة للدّروز في الجنوب، ولا للأكراد في شمال شرق سوريا، على الرّغم من التّصريحات الإسرائيليّة بدعم الدّروز والأكراد في وجه الحكومة المركزيّة في دمشق.
- أكّد السّفير بارّاك أنّ بلاده بدورها تدعم وحدة الأراضي السّوريّة، لكن في الوقت عينه تنصح الحكومة السّوريّة بتسويةٍ مع الدّروز والأكراد في شأن إقرار اللامركزيّة، وليسَ الفدرلة أو إنشاء كيانٍ مُنفصلٍ عن الحكومة السّوريّة.
- حمل بارّاك رسالةَ قلقٍ إسرائيليّة من أن تكونَ تُركيا الشّريك الأساسيّ في بناء الجيش السّوريّ الجديد. وقال إنّ الولايات المُتّحدة مُستعدّة كشريكٍ أساسيٍّ لدعم دمشق في بناء وتسليح الجيش السّوريّ، ففي ذلكَ طمأنةٌ لإسرائيل إلى أنّ أنقرة لن تكونَ الشّريك الأساسيّ في هذا الأمر. كما أنّ الولايات المتحدة تدرس إمكانية توقيع معاهدة دفاعية مع سوريا في إطار سياسة طمأنة إسرائيل وسوريا في آن واحد. وهو ما كشفه قبل فترة الصحافي الأميركي السّوري المعروف أيمن عبد النور عبر وثيقة صادرة عن اللجنة العسكرية في مجلس النواب الأميركي، حيث تُوجّه اللجنة وزير الدفاع بالتنسيق مع قائد الولايات المتحدة القيادة المركزية، ومساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، ومدير وكالة استخبارات الدفاع لتقديم إحاطة إلى لجنة مجلس النواب المعنيّة بالخدمات المسلّحة في موعد لا يتجاوز 15 شباط 2026 حول التقدّم والتحديات والتوقعات للشراكة الدفاعية الأميركية المحتملة مع الحكومة السّورية الجديدة.
- لتسهيل المُساعدة الأميركيّة أبلغَ بارّاك الشّرع أنّ واشنطن ستتّخذُ إجراءات تتعلّق برفعِ العقوبات الأميركيّة عن سوريا بشكلٍ أسرع وأكثر فعّاليّة قبل نهاية العام الجاري.
الرّياض وواشنطن بين بيروت ودمشق
- تطرّق اللقاء بين الجانبَيْن إلى مسألة ترسيم الحدود اللبنانيّة – السّوريّة، التي ناقشها بارّاك في إسرائيل أيضاً. تعتبر واشنطن المملكة العربيّة السّعوديّة شريكاً أساسيّاً في نسجِ التّواصل بين بيروت ودمشق لمُعالجة الملفّات العالقة على مستوى “دولة لدولة”. وتدخلُ في هذا الإطار الاجتماعات التي استضافتها الرّياض بين مسؤولين أمنيّين لبنانيّين وسوريّين برعاية وزير الدّفاع الأمير خالد بن سلمان وحضور الأمير يزيد بن فرحان.
ترى المملكةُ استقرارَ لبنان وسوريا جزءاً أساسيّاً من أمنها القوميّ، ومدخلاً لاستقرار المنطقة.
سيُزيل ترسيم الحدود بين البلدَيْن العديد من العوائق التّاريخيّة بين دمشق وبيروت، إذ يُقفل الباب أمام العقدة التّاريخيّة بين من يرى لبنان محافظةً سوريّة، وبين من ينظر إلى دمشق من بيروت بعيْن القلق. وسيكونُ بمنزلة اعترافٍ سوريٍّ بالدّولة اللبنانيّة، بعد امتناع النّظام السّابق عن ذلك لأكثر من نصفِ قرنٍ من الزّمن.
حضور الملفّ اللبنانيّ من بوّابة ترسيم الحدود مع سوريا على طاولة البحث بين بارّاك وأحمد الشّرع أساسهُ أنّ ملفّ التّرسيم حاضرٌ في الورقة التي صاغها بارّاك لتطبيق اتّفاق وقف إطلاق النّار وسحبِ السّلاح في لبنان. وبالتّالي كانَ هذا الملفّ محلّ نقاشٍ بينه وبين بنيامين نتنياهو ورون ديرمر.
حسم هويّة مزارع شبعا..
تتّجه واشنطن إلى حسمِ هويّة مزارع شبعا باعتبارها أراضيَ سوريّة. إذ إنّ حسمَ هويّة مزارع شبعا بالنّسبة للأميركيّين يُخرج مسألة “المزارع” من أيّ محادثات لبنانيّة – إسرائيليّة في شأن الحدود البرّيّة. وتعتبر الولايات المُتّحدة أنّ حسمَ هويّتها باعتبارها أراضيَ سوريّةً ينزَع أيّ ذريعةٍ من “الحزب” أو أيّ فصيل آخر في لبنان لحملِ السّلاح تحت حجّة “الأراضي المُحتلّة”.
يدور أيضاً حديثٌ في الأروقة الدّبلوماسيّة عن أنّ مزارع شبعا قد تكون البديل لسوريا عن بقاء هضبة الجولان المُحتلّة تحت السّيطرة الإسرائيليّة، على أن تخضع منطقة “المزارع” لإجراءاتٍ أمنيّة يُتّفَقُ عليها بين سوريا وإسرائيل.
لكنّ هذا لا يعني أنّ ملفّ ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا سيُعالجُ بسلاسةٍ مسألة مزارع شبعا، خصوصاً أنّ دراسات الجيش اللبنانيّ تعتبر أنّ “المزارع” لبنانيّة. هذا إن لم نُضِف موقف “الحزبِ” الذي سيرفع السّقفَ عالياً تجاه هذه المسألة التي تهدفُ لنزعِ إحدى أبرز ذرائعه لحملِ السّلاح.