أفخاخٌ في مسار «الخطوة خطوة» بين بيروت وتل أبيب… فهل أحبط؟

أفخاخٌ في مسار «الخطوة خطوة» بين بيروت وتل أبيب… فهل أحبط؟

المصدر: الراي الكويتية
28 آب 2025
– احتجاجات تلغي جولة لبراك في صور والخيام

«خطوة إلى الأمام… خطوتان إلى الوراء». هكذا بدا حال المسعى الأميركي الذي يقوده الموفدان توماس براك ومورغان أورتاغوس على خط لبنان – اسرائيل لضمان ترجمةِ اتفاقِ وَقْفِ الأعمال العدائية (27 نوفمبر الماضي) وبلوغ «حلّ دائم وشامل» بمرتكزاتٍ عسكرية وأمنية، قد يُراد أن تمهّد لـ «أبعاد أخرى»، وتَشتمل «حلقاتُه» على معطى سوريّ يَفترض متابعةً بين بيروت ودمشق.

فبعد نحو أسبوعٍ على «هَبّةِ التفاؤلِ» التي أشاعَها الترحيبُ الأميركي العارم بقراريْ حكومة الرئيس نواف سلام بسحب سلاح «حزب الله» بحلول نهاية السنة وإقرار الأهداف الـ 11 الواردة في مقدّمة مقترح براك الذي جرت «لبْننته» بإضافاتٍ أصرّ عليها لبنان الرسمي، فإنّ «إطارَ الخطوة مقابل خطوة» الذي يشكّل جوهر المقترح بدا مزنَّراً بعوامل تَشي بـ «إحباطه»، سواء اتخذتْ شَكْلَ مواقف «بالفم الملآن» أو التباساتٍ على طريقة «الغموض المتعمّد» وترْك «فراغاتٍ» لتُملأ بالشيء وربما… عَكْسه.

وعبّرتْ المحطةُ الثانية لبراك وأورتاغوس في بيروت خلال أسبوع، ومعهما وفد من الكونغرس والمستشارين على رأسهم السيناتوران جاين شاهين وليندسي غراهام، عن التعقيداتِ الواقعية التي تحوط بمسار سَحْبِ سلاح «حزب الله» وانسحاب اسرائيل من التلال الخمس التي ما زالت تحتلّها وإطلاقها أسرى الحرب الأخيرة ووقف اعتداءاتها، وعن أن «تَبادُل رمي الكُرات» بات يَجْري على حافةِ مواعيد يتمّ التعاطي معها على أن ما بعدها قد لا يكون كما قبْلها.

ولعلّ الموعد الأبرز في هذا الإطار يتمثّل في الجلسة التي سيَعقدها مجلس الوزراء الثلاثاء المقبل لمناقشة الخطة التي كُلف الجيش في 5 أغسطس وَضْعَها حول كيفية تطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة قبل 31 ديسمبر، والتي أعلن براك الثلاثاء، أن اسرائيل تَنتظرها

لـ «يُبنى عليها» على صعيد تقديم الاقتراح المُقابل من ضمن مسار «الخطوة خطوة وبانتظام تام»، متضّمناً «ما سيقومون به لجهة الانسحاب والضمانات الأمنية على حدودهم أيضاً، النقاط الخمس، وذلك على إيقاع ما سنعرضه عليهم من الجهة اللبنانية».

وفي أبعاد هذا الكلام، بحسب أوساط مطلعة، أن اسرائيل عاودتْ وَضْع لبنان «تحت الاختبار» راهنةً انخراطها في مسار «الخطوة مقابل خطوة» – الذي كانت أطلقه بيروت في 5 و7 أغسطس – بتبلْور خطة الجيش لتنفيذ قرار سحب السلاح، أي تَبيان المدى الزمني الذي سيَطلبه وهل يتجاوز نهاية السنة، ثم الآليات التنفيذية ومراحلها وعلى ماذا ستشتمل كل منها، وبعدها انتظار هل سيكون في وسع الجيش تطبيق خطته في ظل رفض «حزب الله» الحاسم لتفكيك ترسانته وهل سيكون في وارد الاصطدام بالحزب، وذلك قبل أن تباشر تل أبيب أي إجراءات مُقابِلة لجهة بدء الانسحاب.

تقليص الضربات!

وإذ لم يكن ممكناً في ضوء محادثات براك وأورتاغوس استشراف أين يقع وقف الاعتداءات أقله لنحو 15 يوماً في حسابات اسرائيل، وهل هي في وارد «تقديم» هذه الخطوة بحال اعتبرت أن خطة الجيش «مُطابِقة» لتعهدات الحكومة اللبنانية زمنياً ولتوقّعات تل أبيب في ما خصّ «أولويات» سحب السلاح نوعاً، لم يكن عابراً إطلاق معهد «ألما الإسرائيلي للدراسات الأمنية والاستراتيجية» ما يشبه الإنذار من «الدعوات المقلقة لإسرائيل لتقليص ضرباتها العسكرية التي تستهدف أنشطة حزب الله غير القانونية»، واعتباره أن «هذا سيكون خطأ فادحاً. فالمعنى العملي لتقليص الضربات هو عدم استهداف العناصر الإرهابية ومواقع تصنيع الأسلحة، ومن الواضح أن حزب الله سيستغل هذا الهدوء لإعادة بناء قدراته العسكرية».

وارتكز المعهد في هذا التحذير على موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد زيارة براك وأورتاغوس لتل ابيب الأحد، والذي أعلن فيه أنه «إذا اتخذتْ القوات المسلحة اللبنانية الخطوات اللازمة لنزْع سلاح حزب الله فإن إسرائيل ستَنْخرط في (مسار) إجراءات متبادلة، بما في ذلك تقليص مُمَرْحَل لوجود قوات الجيش الإسرائيلي، بالتنسيق مع الآلية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة».

ورغم ما عبّر عنه هذا التقرير من إيحاءات بأن نتنياهو قد يكون في وارد السير بوقف الاعتداءات مرحلياً أو تقليصها أقله، فإنّ ترْكَ رئيس الوزراء في بيانه مجالاً لتأويلاتٍ سبّبها كلامُه عن «نزْع السلاح» وربْط ذلك بالسير

بـ «الإجراءات المتبادلة» من دون ذكر عبارة «البدء بنزعه»، شكّل ما يشبه ألغاماً لم يفكّكها حتى تكريس براك واورتاغوس أن مسار الحلّ يقوم على الخطوات المتبادلة «وتأكيدهما سير تل أبيب بهذا الإطار«وهم سيلاقون خطوة بخطوة ما سيتم وما هي خطة نزع السلاح».

إحباط بري

من هنا جاء الموقف الذي نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة«إحباطه من نتائج زيارة الوفد الأميركي إلى لبنان»، وقوله لصحيفة«الشرق الأوسط» إن الأميركيين «أتونا بعكس ما وعدونا به»، في إشارةٍ – وفق الصحيفة – إلى ما كان يُتوقع من ردّ إسرائيلي على سياسة «الخطوة بخطوة» التي تمسك بها براك في تصريحاته، ولكن مواقفه – مع أعضاء الوفد الآخرين- أتت معاكسة، لجهة التأكيد على خطوة سحب سلاح الحزب قبل البحث بأي خطوة مقابلة لجهة الانسحاب من الأراضي اللبنانية، ووقف الاعتداءات.

وإذ قال بري إن الوفد الأميركي«لم يأتِ بأي شيء من إسرائيل، وبالتالي ذهبت الأمور نحو التعقيد مجدداً»، رفض الكلام عن المرحلة المقبلة في ضوء هذا التعقيد الجديد، مكتفياً بالتشديد على أن الأمور«ليست سهلة»، ليضيف رداً على سؤال عن الاجتماع الحكومي المقرر في الثاني من سبتمبر والذي سيبحث في خطة الجيش لسحب السلاح«إن كل أمر يؤدي إلى خلاف في البلد مستنكَر».

ورأت أوساطٌ سياسية على خصومة مع«حزب الله» أن كلام بري معطوفاً على تسريباتٍ عن قريبين من محور«الممانعة» حول مَضامين زيارة براك وأورتاغوس والوفد المَرافق وقولهم إن المناخ هو بسحْب سلاح «حزب الله» أولاً وتنفيذ خطة الجيش قبل أي انسحاب اسرائيلي، يَنْطوي على «التباسٍ» موازٍ للذي ساد الموقف الاسرائيلي وأن«الكلمة الناقصة» فيه هي نفسها«بدء التنفيذ»، معتبرةً أن مسار«الخطوة مقابل خطوة» الذي على الأرجح لا يريح اسرائيل ولا تريده، تولى نسفه بالكامل الحزب عبر موقف أمينه العام الشيخ نعيم قاسم يوم الاثنين الذي رفض بصريح العبارة هذه المعادلة.

واعتبرتْ أن «حزب الله» أضعف الموقف اللبناني الرسمي بهذا الرفض وبإصراره على«خطوة كاملة اسرائيلية تشمل كل الخطوات معاً»، وبعدها بدء حوار داخلي حول سلاحه تحت سقف بحث إستراتيجية دفاعية، وهو ما يرفضه الخارج في شكل قاطع واسرائيل كما غالبية الداخل اللبناني الذي «اكتوى» بانتظار هذه الإستراتيجية منذ 2006 في ظل مناوراتٍ وربْط للسلاح بذرائع مختلفة ترتكز على جوهر لم يتغير وهو«ما دامت اسرائيل موجودة فالخطر موجود والسلاح باق باق باق».

ولاحظت هذه الأوساط أن الموقفَ الرسمي الذي سيختبر الثلاثاء امتحاناً صعباً وسط ترقب هل سيَحضر وزراء الثنائي الشيعي جلسة إقرار خطة الجيش أم لا، انطوى على غموضٍ كبير – يعكس التضييق المستمرّ لهوامش المناورة أمامه بفعل تصلُّب «حزب الله»،- كما «تَلاعُب» اسرائيل – بإزاء الطرح الأميركي المتعلق بقيام منطقة اقتصادية على الحافة الحدودية مع اسرائيل، معتبرة أن هذا الطرح واقعياً هو «تمويه» لهدف تل أبيب الاستراتيجي المتمثل في إنشاء شريط عازل (امتداداً للمنطقة العازلة في جنوب سورية) عبر تسويق «منطقة ترامب الاقتصادية» كبديلٍ عن التسليم لاسرائيل باقتطاع «معلَن» لأراضٍ لبنانية.

ورأتْ أن هذا الطرح، يَعكس عملياً موازين الحرب وما انتهت إليه، وسط صعوبة تنصُّل لبنان الرسمي منه ووقوعه أمام مفاضلة بين منطقةٍ اقتصاديةٍ تحت راية «أميركية» وبين شريط عازل اسرائيلي.

وفي الوقت الذي ألغى براك والوفد المرافق أمس جولة كانت مقرَّرة في صور والخيام على وقع احتجاجات شعبية من مناصري الحزب، بعدما زار ثكنة فرنسوا الحاج في مرجعيون على متن طوافة، كان بارزاً كلام المعاون السياسي للأمين العام ‏لـ «حزب الله» حسين الخليل الذي اعتبر «أن الإدارة الأميركية تريد القضاء على كل مقوّمات الصمود والدفاع ‏التي يتمتع بها لبنان، وتحويله مستعمرة أميركية – إسرائيلية تنحو به نحو ما يُسمى مسار التطبيع ‏والاستسلام».

وانتقد الحكومة وانجرارها إلى اتخاذ «القرارات الخطيئة» ‏كخطوة أولى نحو مسار متكامل من الاستسلام والخضوع الكاملين، داعياً رئيس الجمهورية جوازف عون«للعمل على وضع حدٍ لهذه الانبطاحة السياسية لقرارات الحكومة ‏وإبعاد الجيش عن الفتنة الداخلية التي تُهدد الأمن والاستقرار (…) وأخوف ما نخافهُ هو جر البلد إلى حربٍ أهلية، ‏جاء اتفاق الطائف لوأدها بعد معاناة طويلة ألمّت باللبنانيين».

شكوى جزائية ضد نعيم قاسم

تقدّم عدد من النواب اللبنانيين وشخصيات سياسية بشكوى جزائية سُجّلت في قلم النيابة العامة التمييزية بحق الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم «وكل مَن يظهره التحقيق فاعلاً، شريكاً، متدخلاً أم محرّضاً» على خلفية تصريحاتٍ وصفوها بـ «أنها تحمل تهديداً بالحرب والفتنة والانقلاب على قرارات السلطة الدستورية» في ما خص سَحْب سلاح الحزب.

وتقدم بالشكوى إلى المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار كل من النواب، إلياس الخوري، أشرف ريفي، كميل شمعون، جورج عقيص، النائب السابق إدي ابي اللمع ورئيس حركة «التغيير» المحامي إيلي محفوض.