
خاص- نزع السلاح: لحظة المواجهة تقترب
قبل أيّام من موعد جلسة مجلس الوزراء المقرّرة في 2 أيلول لعرض خطّة الجيش حول سحب السلاح، بدت الأمور أكثر تعقيداً ممّا كانت عليه قبل شهر، عند إقرار الحكومة أهداف ورقة برّاك ومبدأ حصريّة السلاح في جلستي 5 و7 آب. ولا تبدو الظروف الإقليمية مؤاتية لتمرير هذا الاستحقاق من دون أيّ صدام، مع رفض “حزب الله” تسليم سلاحه في المطلق، ورفع إسرائيل لسقف شروطها، بتأكيد عدم قيامها بأيّ خطوة قبل إنهاء موضوع السلاح، وبطرحها لمنطقة عازلة على حدودها الشمالية، تحت مسمّى المنطقة الاقتصاديّة.
ولم يتمكّن الجانب الأميركي كذلك من الاستحصال على أيّ وعود إسرائيلية بالانسحاب من النقاط المحتلّة في الجنوب. بل على العكس من ذلك، أبلغ الموفدان توم برّاك ومورغان أورتاغوس المسؤولين اللبنانيين بكلّ وضوح أنّ موضوع إنهاء السلاح يأتي أوّلاً، ثمّ يجري البحث في التدابير الأخرى لاحقاً. وبدت الحكومة اللبنانية في الواجهة، مع رمي كرة النار في ملعبها، واختبار قدرتها على تنفيذ القرار الذي اتّخذته بحصريّة السلاح في يد الدولة.
وتقول مصادر لموقع beirut24 إنّ لقاءات الوفد الأميركي الأخيرة في بيروت سادها نوع من التشنّج، حينما ظهر الاستياء اللبناني من عدم قدرة برّاك وأورتاغوس على انتزاع أيّ خطوة من إسرائيل، تسهم في تعزيز موقف الحكومة تجاه “الحزب”، وإزاء الحجج التي يخلقها لعدم تسليم سلاحه. فما كان من الموفدَيْن الأميركيين إلّا أن أكّدا أنّ هذا الموقف الإسرائيلي معروف مسبقاً، ولا جديد فيه. وعندما تقرّ الحكومة الخطّة التنفيذية لسحب السلاح، عندها قد تعرض إسرائيل خطّة للانسحاب التدريجيّ.
وفي المقابل، عبّر برّاك عن استيائه أيضاً من ربط رئيس الجمهورية جوزف عون تطبيق نزع السلاح بالموقف الإسرائيلي، معتبراً أنّ هناك قرار وقف النار الذي وافق عليه “الحزب” في حينه، إضافة إلى القرار 1701 وقرارات أخرى، في معزل حتّى عن الورقة الأميركية الأخيرة. وليس في إمكان واشنطن انتزاع أي تنازل من تلّ أبيب حاليّاً، ما لم يقدِم الجانب اللبناني على خطوات حقيقية توحي بالثقة. وبما أنّ حصريّة السلاح هي مطلب لبناني في الدرجة الأولى، فيجب عدم ربطها بأيّ خطوة من جانب إسرائيل.
وعليه، فإنّ خطّة حصريّة السلاح تجتاز مرحلة دقيقة ومحفوفة بالمخاطر. وفيما يؤكّد قائد الجيش العماد رودولف هيكل أنّه يرفض سفك أيّ نقطة دم، يُطرح السؤال المحيّر عن الطريقة التي يمكن أن يقتنع بها “الحزب” طوعيّاً بتسليم السلاح، وهو الذي أعلن رفضه لذلك رفضاً مطلقاً. وهل هذا يعني المزيد من الانتظار وعدم التزام المواعيد التي حدّدها مجلس الوزراء للتنفيذ، أي في نهاية العام الحالي؟
لقد وعدت مورغان أورتاغوس بأنّ واشنطن ستساعد لبنان على سحب السلاح. وهي لديها وسائل ضغط دبلوماسيّة واقتصادية متنوّعة للوصول إلى هذا الهدف. ولكن كان لافتاً حديث مسؤولَيْن أميركيَّيْن عن استعمال القوّة العسكريّة. أحدهما السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي دعا إلى إنهاء وجود “حزب الله”. وقال: “إذا لم ينزع سلاحه سلميّاً، فعلينا النظر في الخطّة (ب)، وهي نزع السلاح بالقوّة العسكريّة”. والثاني هو وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، الذي اعتبر أنّ “بعض المشاكل لها حلول عسكرية، وأنّ ترسانة الحزب لم تُبنَ من خلال المفاوضات، ولن تُفكّك من خلال المجاملات الدبلوماسية”.
وما يزيد المشهد تعقيداً هو إعلان إسرائيل أنّها تريد إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا، وفي جنوب لبنان أيضاً. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنّه “يركّز على إنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتدّ من الجولان إلى جنوب دمشق وتشمل السويداء”. وفيما تجري محادثات مباشرة بين إسرائيل وسوريا حول عقد اتّفاق أمني، نفّذت إسرائيل عملية إنزال في تلّة سورية في ريف دمشق، فكّكت خلالها أجهزة اتصالات وتجسّس. وقال نتيناهو إنّه “ليس ساذجاً، ويعرف مع من يتعامل في سوريا، ولا ينخدع في شأن من يسيطر على هذا البلد”.
أمّا بالنسبة إلى لبنان، فتبيّن أنّ نيّة إسرائيل إقامة منطقة صناعية قرب الحدود هي حقيقية. وقد طرحها برّاك في بيروت. وهي منطقة لن يعود سكّانها إليها، وستكون بمثابة المنطقة العازلة. فنتنياهو أيضاً لا يجاري كثيراً الرغبة الأميركية في قيام دولة لبنانية قويّة، ويفضّل أن تظلّ إسرائيل مسيطرة أمنيّاً، وأن تواصل ملاحقة “الحزب” بنفسها. وصدرت توصيات من مستويات القرار العسكري في إسرائيل بإقامة المناطق العازلة، على اعتبار أنّها الوحيدة التي تحمي البلاد من هجمات شبيهة بهجمات 7 تشرين.
وفي ضوء هذه الصورة، لا تبدو الطريق سهلة أمام الحكومة لنزع السلاح. فالعراقيل ليست محلّية فقط. ومصالح إسرائيل لا تنطبق كثيراً مع تطلّعات الولايات المتّحدة. لذا، يقترب لبنان من مرحلة المواجهة أو البقاء في المراوحة القاتلة وتحت وطأة العمليّات الإسرائيلية إلى أمد غير محدّد.