
بماذا “سيذخر” عون قبل خطابه في نيويورك؟
لبنان يواجه تحديات لا تقل قسوة عمّا كان يواجهه سابقاً، وما يتم تظهيره في حرب “حزب الله ” على قرار الدولة حصر سلاحها وتخوينه أركانها يغفل جوانب أخرى من هذه التحديات
لا يستطيع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون المشاركة في أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، وفي إحياء الذكرى الـ80 للمنظمة في 22 أيلو،ل وهو خالي الوفاض مع رئاسة لا تزال الآمال كبيرة عليها لاستعادة لبنان سيادته وقراره المستقل ولا تزال تحظى بدعم دولي على نطاق كبير.
فالمنصّة الأممية فرصة لتظهير القدرة على التقاطها وبدء هذا المسار جنباً إلى جنب مع توظيف الرصيد الممكن من أجل مساعدة لبنان على كل المستويات، لا سيما أنّ للبنان قضية محقة ضد اسرائيل يمكن الفوز بها الى حدّ كبير في ظل ما باتت تحظى به سمعة إسرائيل دوليّاً من إدانات لا سيما على خلفية ارتكاباتها الفظيعة في غزة. وبذلك يكتسب ما ستُقرّره الحكومة في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء وطبيعة أو مضمون خريطة الطريق التي ستعتمدها، أهمية بالغة لا تعوضها البراعة الكلامية في صياغة البيانات فيما ان المنتظر تحديد الخطوات اللازمة وبدء تنفيذها . فلا ينفع في هذا الإطار إقرار مبادئ على مهل زمنية مفتوحة وفق ما يتم الدفع به على أساس حفظ ماء وجه الجميع. فلبنان يواجه تحديات لا تقل قسوة عمّا كان يواجهه سابقاً، وما يتم تظهيره في حرب “حزب الله ” على قرار الدولة حصر سلاحها وتخوينه أركانها يغفل جوانب أخرى من هذه التحديات.
قال السيناتور ليندسي غراهام إنّ “الخطة ب” المطروحة لنزع سلاح “حزب الله” هي القوّة العسكرية. وكتب وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو مقالاً بالمعنى نفسه أيضاً على خلفية أنّه لا يجوز تحميل لبنان تبعة نزع سلاح إيراني لا يزال يلقى دعماً وتمويلاً من ايران. وفيما يعد البعض الأمر اعترافاً أميركيّاً بعجز الجيش اللبناني عن القيام بالمهمة التي تلقّى على عاتقه، وربما أيضاً تحميلاً للبنان أكثر من طاقته في ظل كباش أميركي إيراني في لبنان لم ينتهِ مع لإضعاف إيران ومعها الحزب بالضربات الاسرائيلية، فإنّ الجانب الذي أهمل في الجدل الساخن أخيراً في لبنان هو ما قد تفعله إسرائيل إذا نجح الحزب والبعض يقول الثنائي الشيعي في إفشال خطة الحكومة لنزع سلاح الحزب. ولماذا يُهدّد الحزب اللبنانيين وكأنه مطمئن إلى أنّ إسرائيل لن تشنّ حرباً جديدة على لبنان أو كأن لديه هو القدرة على ردعها فيما ان السردية اللبنانية الرسمية أنّ الحزب التزم وقف الأعمال العدائية ولم يُطلق رصاصة على اسرائيل له سبب رئيسي هو عدم قدرته على ذلك تحت طائل استدراج حرب اكبر عليه ومدمرة للبنان، مع مباركة محتملة متجددة من واشنطن إذا أخذ كلام السيناتور غراهام في الاعتبار.
فهذا الاحتمال، أي اكتفاء اسرائيل بما تقوم به من دون توسيع حربها، قوي ويسري على نطاق واسع باعتبار أنّها تكتفي بذلك محققة أهدافها، ولكن هذا كان خطأ من أخطاء الحزب أيضاً حين اعتقد أنّ حرب الإسناد ستبقى من ضمن قواعد الاشتباك بينه وبين اسرائيل ولن تتوسّع إلى أكثر من ذلك.
التحدي الآخر يتمثّل في مواصلة الحزب عبر مسؤوليه ووسائل إعلامه اثارة الشكوك حول قدرة الجيش اللبناني في تولي المسؤولية كليّاً أو رغبته في ذلك تحت وطأة تفاديه أي صدام أهلي، في وقت أنّ الحزب هو من يُهدّد بحرب أهلية إذا تمّت مواجهته لنزع سلاحه. وثمّة خشية هنا أنّه يدفع بهذا المنحى في اتجاه إعطاء إسرائيل أوراقاً إضافية للتمسك باحتلالها النقاط التي لا تزال فيها في لبنان على قاعدة أنّ تهديده بالحرب وتضخيمه عدم قدرة الجيش أو عدم فاعليته، يُعزّز المنطق الاسرائيلي بأنّ اسرائيل يجب أن تبقي على نقاط قوتها وعدم التنازل عنها في المدى المنظور. وهي ورقة اضافية يُقدّمها لإسرائيل الى جانب خطابه المتناقض بين إعلان مسؤوليه أنّ سلاحه يوازي شرفه إلى حدّ يحرم التخلي عنه وتقديم وعود الى الجانب الاميركي عبر رئيس المجلس أنّ البحث في سلاحه سيحصل بعد التزام اسرائيل الانسحاب من الجنوب واعادة الاسرى ووقف اعتداءاتها على لبنان. ويبدو وفق تطور الامور ان الحزب ومعه ايران التي قال وزير خارجيتها عباس عراقجي أخيراً أنّ بلاده لا تتدخّل في لبنان ( !) ولكن لها رأيها (!) واصفا قرار الحكومة بأنّه خطة إسرائيلية، نجحا في إثارة دينامية عرقلة امام الدولة اللبنانية وامام الجهود الاميركية تلاقي الى حد بعيد العرقلة الاسرائيلية من حيث تبادل المصالح بين الجانبين أو خدمتها .
ما تمّ دفعه جانباً في حملة الحزب التخوينية ما يثيره أي تساهل من الدولة اللبنانية إزاء ما يتعين عليها القيام به من تداعيات على مسار إنهاض البلد وانتشال اللبنانيين وليس فقط بيئة الحزب من القعر الذي من المرجح الاستمرار في البقاء فيه حتى اشعار اخر . وذلك غير ان اسقاط المساعي أو الافكار الاميركية كليّاً يفقد لبنان وسائل للضغط على اسرائيل وان لم تكن واشنطن في هذا الصدد كليّاً راهناً، كما يسقط المساعدات المستمرة للجيش اللبناني ودعم قدراته.