الحكومة اللبنانية بين التباينات الداخلية والمأزق العسكري

الحكومة اللبنانية بين التباينات الداخلية والمأزق العسكري

الكاتب: ندى أندراوس | المصدر: المدن
1 أيلول 2025

كشفت الأيام الماضية عمق الانقسامات داخل حكومة نواف سلام، في ظل تحولات دقيقة في مواقف بعض الوزراء، ولا سيما نائبه طارق متري، بشأن مقاربة ورقة توم باراك وملف حصر السلاح. فقد رأى متري أنّ لبنان لم يعد ملزماً بالورقة ما دامت إسرائيل لم توافق عليها، فيما يتمسك رئيس الحكومة نواف سلام باعتبارها إطاراً لبنانياً معتمداً صيغ على أساس مقترحات الموفد الأميركي، بما يعكس جدية الدولة في حماية سيادتها وتعزيز موقعها التفاوضي.

هذا التباين تجاوز حدود اختلاف الرأي، وبدأ يترك أثره على المقاربة الاستراتيجية للحكومة: فمتري يميل إلى التهدئة والدبلوماسية وتدوير الزوايا لخفض التوتر الداخلي، بينما يتجه سلام إلى التشدد في الإجراءات وفرض سلطة الدولة، حتى ولو تطلّب الأمر مواجهة سياسية. ومع ذلك، يؤكد الجميع أنّ لا مصلحة لأي طرف في إسقاط الحكومة، ما يجعل كل خلاف داخلي قابلاً للإدارة والمناورة بحذر.

جلسة الخامس من أيلول

تشير مصادر حكومية إلى أنّ هذا التباين قد يلقي بظلاله على جلسة الخامس من أيلول المخصصة لمناقشة خطة الجيش لحصر السلاح، إذ ستتطلب إدارة دقيقة توازن بين تشدد سلام وميول الحوار لدى آخرين. في هذا السياق، يبرز دور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون كعامل توازن يسعى إلى إدارة النقاش بحكمة ومنع أي انزلاق سياسي قد يضعف موقف الدولة أو يزيد الانقسامات، مع الحفاظ على وحدة الحكومة وحق كل طرف في المشاركة.

النصاب سيكون مكتملًا، إذ سيحضر وزراء ثنائي أمل ـ حزب الله لمتابعة تفاصيل الخطة والاستماع إلى عرض قائد الجيش العماد رودولف هيكل. إلا أنّ احتمال انسحاب وزراء الثنائي يبقى قائماً في حال طُرح التصويت أو تقرر إقرار الخطة، فيما يبدو المخرج المرجح هو الاكتفاء بعرض الخطة وإعطاء الوزراء مهلة إضافية لدراستها قبل رفع الجلسة للتشاور.

في المقابل، يصرّ سلام على حسم القرار خلال الجلسة، بينما يتعامل رئيس الجمهورية بحذر لتجنب التصادم وضمان استقرار البلد في ظل حساسية الملف داخلياً وخارجياً. وتشير المصادر إلى أنّ خطة الجيش تنصّ على مراحل زمنية وجغرافية لحصر السلاح، من دون تحديد ساعة صفر حاسمة لبدء التنفيذ، وهو ما يتيح للوزراء مساحة للنقاش والتقييم قبل اتخاذ أي قرار.

ورقة باراك والمأزق الخارجي

تعتبر ورقة توم باراك معلّقة عملياً، لعدم موافقة الجانب الإسرائيلي عليها حتى الآن، وعدم صدور جواب واضح من الجانب السوري. هذا الواقع يضع الحكومة أمام مأزق مزدوج: الحفاظ على مرجعية الدولة كورقة تفاوضية، مقابل غياب التزامات مقابلة من الأطراف الأخرى، مع ما يرافق ذلك من ضغوط داخلية متزايدة.

الورقة، التي كانت أداة ضغط للتفاوض، باتت اليوم عبئاً سياسياً يعرقل إمكان الوصول إلى موقف موحّد بشأن خطة الجيش، في ظل غياب التزامات إقليمية ودولية واضحة.

تبعات الانقسام

يبقى المشهد الحكومي معقداً، حيث تتقاطع الانقسامات الداخلية مع الضغوط الإقليمية والدولية. وتجد حكومة سلام نفسها أمام اختبار مزدوج: فرض سلطة الدولة وحماية موقعها التفاوضي من جهة، وتفادي صدام داخلي قد يضعفها من جهة أخرى.

ويزيد المأزق تعقيداً تنصّل إسرائيل من الالتزامات في ورقة باراك، ما يحوّلها من ورقة تفاوض إلى عبء سياسي، ويضع لبنان أمام تحدٍ مزدوج: حماية الموقف الداخلي واستعادة المصداقية الدولية.

في المحصلة، تصبح الأيام المقبلة حاسمة ليس فقط لمسار جلسة الخامس من أيلول، بل لقدرة الحكومة على التماسك وإدارة الانقسامات وضبط الأولويات الوطنية في ملف حساس يمس الأمن والاستقرار. نجاح الحكومة مرهون بمزيج من الحزم السياسي، والمرونة الدبلوماسية، والحكمة الرئاسية، لتجنّب تحوّل ملف السلاح وورقة باراك إلى فخ يضعف الدولة، وجعل التغلّب على هذه التحديات دليلاً على قدرة لبنان على حماية مصالحه وسيادته في بيئة إقليمية ودولية بالغة التعقيد.