جبران باسيل تزويرٌ متنقّل

جبران باسيل تزويرٌ متنقّل

الكاتب: ماريو ملكون | المصدر: نداء الوطن
1 أيلول 2025

على مسافة أقلّ من عام على الانتخابات النيابية، اختار النائب جبران باسيل “السياحة التزويريّة” كوسيلة رئيسية يُرسّخ من خلالها نهجه في خوض الاستحقاقات الدستورية، علّه بذلك يُعيد لمجموعته السياسية بعض التأييد الشعبي، الذي فقده إثر سقوط كلّ الشعارات التي رفعها على مدى عقود.

لجأ رئيس التيار الوطني الحر، خلال جولاته على بعض المناطق اللبنانية، مؤخّراً، إلى قلب الحقائق الموثّقة ظنّاً منه أنّ ذاكرة اللبنانية قابلة للاستغباء أو النّحر.

حاول باسيل أن يتنصّل من مسؤولية تيّاره في تغطية سلاح حزب الله على مدى عقود، عبر اتّهام الآخرين بأنّهم شاركوا في بعض الحكومات التي شرّعت هذا السلاح، في حين أنّ “الوطني الحرّ” كسر إرادة اللبنانيين في انتفاضة الاستقلال، وعوّم هذا السلاح في تفاهم الاذعان “السلطة مقابل السلاح” المعروف بتفاهم مار مخايل عام 2006، ثمّ غطّاه وبرّر دوره في محطات عدّة من استجرار حرب تموز 2006 المدمّرة، والثلثاء الأسود في 23 كانون الثاني 2007، واجتياح بيروت ومحاولة اجتياح الجبل في أيار 2008، وتسخيف استهداف النقيب الطيّار في الجيش اللبناني الشهيد سامر حنا في 25 آب 2008، والصمت عن مشاركته في الأحداث السورية بعد العام 2011، وتغطية الاعتداء العنفي على انتفاضة اللبنانيين في ثورة 17 تشرين، ومساندته في تقويض العدالة بعد تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب 2020، وتبرير أحداث الطيونة في 14 تشرين الأول 2021.

حاول باسيل أن ينتقي بعض الحكومات التي شاركت فيها “القوات اللبنانية” ليدّعي زوراً أنّه تمّ تشريع سلاح حليفه عبرها فقط، في حين أنّ “القوات”، وخلال كلّ مشاركتها الوزارية والنيابية، قد رفضت وتحفّظت بشكل واضح ومباشر على ذكر أي دور لهذا السلاح، الأمر الذي لم يفعله باسيل وتيّاره لا في السلطة التنفيذية ولا في السلطة التشريعية، وهو مَن كان جزءاً رئيسياً من “أكثرية قاسم سليماني”.

إنّ استقالة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من الحكومات بعد اتفاق الطائف واختياره المعتقل السياسي عوض “ذلّ السلطة” كان لرفضه بشكل قاطع المساومة على مشروع بناء الدولة، ومطالبته بوجوب تسليم ميليشيا حزب الله لسلاحها أسوةً بكل اللبنانيين، الأمر الذي رفضه الرئيس السابق ميشال عون عندما أبرم اتفاق العودة مع النظام السوري واستكمله بتفاهم الاذعان ذاك، مُطيحاً بكلّ أكاذيب “توحيد البندقية”، والدفاع عن دور وحصرية السلاح الشرعي، وقد قال عون في هذا السياق بتاريخ 13 شباط 2017، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيسي السيسي في مصر أنّ “الجيش اللبناني لا يتمتّع بالقوّة الكافية، وسلاح حزب الله لا يتناقض مع مشروع الدولة.”

وبعد، ادّعى باسيل أنّ مشروع الآخرين هو تقسيمي في حين أنّ “التيار” يريد وحدة لبنان، فهل حرص على ذلك، عندما وصف مؤسّس تيّاره أهل السنّة بكلمة نابية عام 2011؟  أو في وصف تيار المستقبل بـ”الداعشي” عام 2015؟ أو عندما روّج الوزير غسان عطالله أنّ المسيحيين يخافون النوم في الجبل عام 2019؟ أو عندما جال بنفسه بين المناطق حينما وُصفت جولاته بالفتنة المتنقلة مع خطاباته التحريضية عام 2019؟

وتبلغ الوقاحة ذروتها مع مجاهرة باسيل في اتّهام “القوات اللبنانية” بالتسبّب بأزمة قطاعيّ الكهرباء والمياه، وكأنّ ما ارتكبه خلال عقدين من الزمن في وزارة الطاقة والمياه، من تشريع للحلول المؤقتة وتغطية العجز وملحقاته في إدارة القطاع عبر الاستدانة وتحميل الخزينة والمال العام فشله وفشل وزرائه بمعالجة ولوّ ثغرة واحدة، يُضاف إليها تمنّع تيّاره عن الالتزام بتطبيق القانون وكانت خطوة تشكيل الهيئة الناظمة أوّل الغيث وذلك لإبقاء “قبضة الوزير” متفرّدة بالادارة، يُمكن له أن يُشوّش ذاكرة اللبنانيين، فيأتي اليوم ليرمي كلّ فشله على الوزير جو الصّدي الذي نجح خلال أشهر معدودة بعدم تكبيد الدولة واللبنانيين أيّ ديون جديدة ووضع القانون على سكّة التنفيذ، وفتح التواصل مع الدول والشركات العالمية من أجل إرساء حلول مستدامة، وهنا، لا ينسى الشعب اللبناني مَن ركل العروض الالمانية والكويتية، لغاية ما في إبقاء المؤقت.

يستذكر النائب باسيل الرئيس الشهيد بشير الجميل، متجاهلاً أنّ أولى مبادئه، هو قول الحقيقة، لا نقل البارودة من كتف لآخر وفق رياح المصالح، تارةً مع سلاح حزب الله لغايات سلطوية وطوراً ضده لشدّ العصب العوني فالمسيحي.

ولا يتردّد باسيل في تزوير التاريخ الحديث، عبر إصراره على اتهام “القوات اللبنانية” بالانقلاب على اقتراح “القانون الارثوذكسي”، في حين أنّ مسار هذا الطرح يتناقض تماماً مع الترويج العوني التضليلي الذي لا يخلو من الشعبوية والنفاق.

في 22 تشرين الثاني 2011، أكّد الرئيس السابق ميشال عون خلال مقابلة له عبر قناة “أو تي في” أنّ “مضمون الارثوذكسي يمسّ بالميثاق… لا أن يمكن يبقى مطروحًا من طرف واحد”، وعدم موافقة المكوّنات اللبنانية الأخرى على هذا الطرح، دفع باجتماع “القادة المسيحيين” في بكركي، وعون ضمناً، على وقف المطالبة به، والدفع نحو قانون توافقي، لتجنّب الابقاء على قانون “الستين”، وهذا موثّق ببيان صادر عن المجتمعين بتاريخ 4 نيسان 2013، وقد أكّد المطران سمير مظلوم، بتاريخ 22 أيار 2013، لقناة “أو تي في”، أنّ “اقتراح تعليق القانون الارثوذكسي في اجتماعات بكركي جاء من النائب ميشال عون بهدف البحث عن مخرج آخر”. لكن ما حصل بعد ذلك، أنّ عون وتيّاره واظبوا على المزايدة دون السعي إلى قانون انتخابي جديد بهدف الابقاء على “الستين” الذي لا يمنح المسيحيين القدرة على إيصال أكثر من 35 نائباً، بينما ضغطت “القوات” على حلفائها بغية التوصّل إلى قانون توافقي يُحسّن التمثيل بشكل أقصى، وهذا ما حصل.

إنّ لائحة قلب الحقائق ورمي الارتكابات على الآخرين، التي ينتهجها باسيل وتيّاره، تطول، لكنّ الأكيد بأنّ مسار العتمة الذي طبع مدرسة “الوطني الحر” في انعدام الأخلاق السياسية وسوء ادارة الدولة والانقلاب على المبادئ واسقاط الكرامات والطعن بالنضالات، لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة، ومن المستحيل أن تُعالج آثاره بشهور معدودة، لأنّه وبعد معاينة المخلّفات يظهر جليّاً حجم الكوارث المتروكة، لكنّ الأكيد، إنّ مصير التزوير المتنقّل اليوم سيلقى مصير الفتنة المتنقلة بالأمس، فقد ولّى زمن معادلات الوهم وسياسات الخديعة وأهل ثلاثين الفضة من حولها.