
«يديعوت أحرونوت»: معظم القرارات الإسرائيلية تأتي من البيت الأبيض
عجّت الصحف والمواقع العبرية اليسارية، وتلك التي تنتهج اليمين الوسط، بالتحاليل والتقارير والمقالات التي تتهم الإدارة الاميركية، بدعم رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لليوم التالي في حرب الإبادة والتدمير في قطاع غزة، ودعم التطرف في إسرائيل بالانقلاب على الحكم الديمقراطي، ما تسبب بعزلة الدولة العبرية، وخروج الملايين ضدها في العالم.
ورأت «فيستي»ـ وهي صحيفة لليهود الروس – يمين الوسط – أن الدور الأميركي في الحرب على غزة ودعم التطرف في إسرائيل «يأتي من وجهة نظر متوازنة على السياسة الخارجية وتأثيرها على ديناميكية الصراع المتفجر والمتصاعد لمصالح الغرب وواشنطن».
وأكدت أن «الولايات المتحدة، من خلال دعمها غير المشروط لتل أبيب، تخلق بيئة تمكّن التطرف من تنفيذ مخططاته التي تعمل على ضم الضفة الغربية (المحتلة) والقضاء على حل الدولتين، وتضعف أصوات السلام وللتغيير».
وخرجت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتقرير تحليلي، يؤكد أن «معظم القرارات الإسرائيلية السياسية والعسكرية تأتي من البيت الأبيض».
«لكن هذا الرهان يحمل في طياته مخاطر جسيمة»، بحسب تحليل ضابط الاستخبارات ميخائيل ميلشتاين «فالاستخفاف بالكل ما عدا الولايات المتحدة، أوقع إسرائيل في أزمات متصاعدة حتى مع حلفائها التقليديين: فرنسا على وشك قيادة موجة اعتراف دولي بدولة فلسطينية في سبتمبر المقبل؛ ألمانيا قلصت تصدير السلاح، بينما تتزايد التوترات مع بريطانيا وأستراليا وكندا. النقد الدولي آخذ في التحول إلى عقوبات اقتصادية سيشعر بها كل مواطن إسرائيلي. والأخطر من ذلك، أن طبيعة (الرئيس دونالد) ترامب المتقلبة والمفاجئة لا تضمن استمرار هذا الدعم اللامحدود، ناهيك عن أن بعض أفكاره، مثل الريفييرا الغزية، هي مجرد أوهام غير قابلة للتحقيق».
الضفة كمختبر لغزة
في خضم هذا الفراغ الإستراتيجي والاعتماد على واشنطن، قال المحلل والعسكري جاكي خوري إن «الوثائق والتطبيقات على الأرض تكشف أن خطة اليوم التالي ليست مجرد كليشيهات أو حلماً، بل هي نموذجٌ يعمل بنجاح – من وجهة النظر الإسرائيلية – منذ عقود في الضفة الغربية، وهو جاهز للتطبيق في غزة».
وأوضح «في الضفة، تثبت إسرائيل سيطرتها الكاملة على المنطقة (ج) التي تشكل 60 % من مساحتها. هناك، أقامت منظومةً متكاملةً من الفصل العنصري العملي: حرية حركة كاملة للمستوطنين مقابل قيود صارمة على الفلسطينيين، وسيطرة مطلقة على مداخل ومخارج كل شيء من وقود وغذاء ودواء – وهو ما يُعرف بـ«الحصار المتَنَفَّس»، آلية خنق مراقبة تمنع الانهيار الكامل مع الحفاظ على السيطرة».
«اليوم التالي» المخطط له
وأكد أن «هذا النموذج هو بالضبط ما يُعتزم تطبيقه في غزة: ستنشئ إسرائيل منطقة عازلة (تمثل نحو 25 % من القطاع) وتحتفظ بحرية عمل عسكرية مطلقة للدخول والاقتحام والهجوم في أي وقت، ما يخلق شعوراً دائماً بعدم الأمان ويمنع أي نشاط سياسي أو أمني معاد».
اقتصادياً، سيعتمد القطاع كلياً على إسرائيل، حيث سيُسمح لعشرات الآلاف من العمال بالدخول إلى إسرائيل كـ«جزرة» مشروطة بـ«الهدوء»، مكرسين بذلك آلية «العصا والجزرة» المجربة.
أما الإدارة المدنية، فستكون عبر «مقاول من الباطن» – كيان فلسطيني ضعيف (ليس بالضرورة السلطة الفلسطينية الحالية) يتولى تقديم الخدمات ويتعاون أمنياً مع إسرائيل، ما يمكنها من التحكم من دون تحمل المسؤولية الكاملة عن السكان، تماماً كما هو الحال مع السلطة الفلسطينية في رام الله، التي تحكم من دون سيادة حقيقية.
ويتابع خوري «المشكلة أن هذا النموذج، رغم نجاحه من المنظور الإسرائيلي في الضفة، يواجه تحديات وجودية عند تطبيقه على غزة. فالعالم العربي، المتوتر أصلاً بسبب الحرب، لن يرغب في الظهور كممول لاحتلال جديد. والسلطة الفلسطينية سترفض هذه المقارنة التي تفسد أسطورة… دولة في الطريق. والأهم، أن المجتمع الدولي، المتشكك أساساً، قد يرفض تمويل هذه الآلية التي تحافظ على الوضع القائم تحت غطاء من الإدارة المدنية».
هنا تتعقد المعضلة، بحسب خوري، “فالضوء الأخضر الأميركي يمنح إسرائيل شعوراً زائفاً بالحصانة، دافعاً إياها للمضي قدماً في خطط ضم واحتلال واسع ستؤدي إلى عزلة دولية حادة وتمزق في العلاقات مع الغرب والعالم العربي. كما حدث في 2020 عندما أوقف ترامب نفسه خطط الضم من خلال اتفاقيات ابراهيم وصفقة القرن، فإنه اليوم لا يلوح في الأفق أي سحر مشابه لإنقاذ الموقف. فالتطبيع متجمد، ووزن الأحزاب الدينية الصهيونية في صنع القرار، ازداد بصورة دراماتيكية، والبيت الأبيض لا يُظهر أي معارضة أو حتى اهتماما جديا بالعواقب.
وختم خوري بالتأكيد أن «إسرائيل تتجه نحو تبني نموذج إدارة للصراع مُكلف ومعزول دولياً، يعتمد على راعٍ أميركي متقلب، ويصمم مستقبلها لسنوات طويلة مقبلة حتى بعد رحيل ترامب».
وأوضح أن «القرارات التي تُتخذ اليوم في واشنطن وتل أبيب، والفراغ الإستراتيجي الإسرائيلي، لا يحددان فقط مصير غزة، بل ومصير إسرائيل نفسها كدولة مندمجة في المحيط الدولي أو معزولة عنه».