إنزال الكسوة: بداية المواجهة التّركيّة – الإسرائيليّة؟

إنزال الكسوة: بداية المواجهة التّركيّة – الإسرائيليّة؟

الكاتب: ابراهيم ريحان | المصدر: اساس ميديا
1 أيلول 2025

فتحَ الإنزال الإسرائيليّ الذي حصل في منطقة الكسوة قبل أيّام الباب للسّؤال عن الصّدام التّركيّ – الإسرائيليّ فوقَ الأراضي السّوريّة. اقتربَ الصّدام هذه المرّة أكثر وأكثر من صيغة الاشتباك المباشر الذي لم يقع بعد.

يدلُّ على ذلك تضارب الرّوايتَيْن عن الأسباب التي دفعَت تل أبيب للقيام بإنزالٍ على بُعد أقلّ من 10 كلم من العاصمة السّوريّة دمشق. لكنّ ما تُجمع عليه الروايتان أنّ عمقَ العمليّة هو امتدادٌ لصراع تل أبيب – أنقرة على الأرض السّوريّة.

الرّواية السّوريّة

تقول الرّواية السّوريّة إنّ ما حصلَ ليلَ الأربعاء – الخميس الماضي كانَ محاولة لتفكيك أجهزة تنصّت إسرائيليّة في منطقة جبل المانع.

في التّفاصيل أنّ جهاز الاستخبارات السّوريّة حصلَ على معلومات دقيقة من جهاز الاستخبارات التّركية عن رصد أجهزة تنصّت متطوّرة كانت قد زُرعت في المنطقة قبل أكثر من 10 سنوات لمصلحة الموساد والاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة.

كانَ الهدفُ من هذه الأجهزة مراقبة تحرّكات واتّصالات الحرس الثّوريّ الإيرانيّ والميليشيات الموالية له. إذ كانت هذه المنطقة أيّام نظام بشّار الأسد تخضع لسيطرة تامّة من الحرس الثّوريّ وتُعتبر نقطة تلاقٍ بين دمشق وطريق لبنان وطريق الجنوب السّوريّ نحوَ الجولان.

في ضوء المعطيات التي حصلَ عليها الجانب السّوريّ من الأتراك، تحرّكت قوّة سوريّة مختصّة إلى المكان وبدأت تفكيك الأجهزة بمعاونةٍ تُركيّةٍ عن بُعد. لكنّ العمليّة تعرّضت لقصفٍ من سلاح الجوّ الإسرائيلي بأكثر من 15 غارة لمنعِ تفكيك الأجهزة أو الاقتراب منها، حتّى إنّ بعض الأجهزة دمّرت نفسها ذاتيّاً.

تزامناً مع القصفِ نفّذَت القوّات الإسرائيليّة الإنزال الجوّيّ الذي استمرّ نحو ساعة كاملة، وشاركت فيه مروحيّتانِ على متنهما ما يقارب خمسة عشر جنديّاً. عملَ هؤلاء الجنود على تفكيك ما بقي من أجهزة التّنصّت والرّصد، خشية وقوع هذه الأجهزة بيد الأتراك بسبب ما تحتويه من معلومات، ومن تكنولوجيا قد تعمل تركيا على هندسةٍ عكسيّةٍ لاكتشاف آليّة عملها وتطوير أجهزةٍ مشابهة.

لكنّ حصول الإنزال يدلّ على أنّ العمليّة لم تكن وليدة ساعتها، وأنّ تل أبيب كانت تُراقب عمليّات وتحرّكات الجانب السّوريّ طوال الأيّام التي سبقت الإنزال.

تحدّثت تقارير عن قدراتٍ متطورة لهذه الأجهزة، لجمع المعلومات عن إيران والحزب أبرزها؛

  • كاميرات مموّهة على هيئة صخور، تتمتع بتكنولوجيا بصرية وحرارية متقدمة. وهي قادرة على مراقبة تحركات القوات والشاحنات لمسافة تصل إلى 20 كم نهارًا و12 كم ليلاً.
  • أجهزة تنصّت متطوّرة لاعتراض المكالمات الهاتفية واللاسلكية، وحتى خطوط الألياف الضوئية. كما تمتلك قدرة على تحليل الاتصالات عبر الذكاء الاصطناعي.
  • أجهزة استشعار لكشف حركة المواد الحساسة أو وقود الصواريخ ضمن نطاق 200 متر إلى 2 كم.
  • أجهزة اعتراض الطائرات المسيّرة لمراقبة الطائرات الإيرانية المسيّرة وتشويشها عند الحاجة.

كما أن هذه الأجهزة كانت تمكن الاستخبارات الإسرائيلية من رصد نصف محيط دمشق الجنوبي، من المطار الدولي إلى السيدة زينب وأطراف درعا جنوباً.

ماذا عن الرّواية الإسرائيليّة؟

جاءَت الرّواية الإسرائيليّة التي نقلتها تل أبيب إلى حلفائها الغربيّين مُناقضةً للرّواية السّوريّة. زعمَت إسرائيل أنّ عمليّة الكسوة جاءَت بعدما وصلَت إلى إسرائيل معلومات تُفيد بأنّ تركيا كانت قد زرعَت في منطقة جبل المانع أجهزة تنصّت ورصدٍ قبل 10 سنوات. هذا ما دفَع تل أبيب إلى اتّخاذ قرارٍ بمهاجمة وتفكيك الأجهزة التّركيّة بعد تحديد عدد ومواقع انتشار هذه الأجهزة.

على إثر ذلكَ نفّذ سلاح الجوّ 15 غارة تمهيداً للعمليّة البرّيّة التي شاركت فيها مروحيّتا إنزال ومروحيّتان للغطاء النّاريّ. وعمل جنود الاحتلال على تفكيك الأجهزة ومصادرتها والعودة بها إلى تل أبيب.

لكنّ الرّواية الإسرائيليّة تفتقر إلى دعمِ الواقعِ لها. إذ إنّ منطقة الكسوة والجنوب السّوريّ كانت منطقة صراع نفوذٍ بين إيران وإسرائيل طوال السّنوات الماضية. بينما كان نفوذ تركيا محصوراً في منطقة إدلب وبعض مناطق ريف حلب في أقصى الشّمال السّوريّ.

إلى ذلكَ لم يُحقّق نفوذ تركيا المُستجدّ في العمقِ السّوريّ حتّى اللحظة أيّ اختراقٍ جدّيّ في المنطقة المُمتدّة من الكسوة جنوب دمشق إلى أقصى الجنوب السّوريّ، وذلكَ بسبب الانقضاض العسكريّ والأمنيّ الإسرائيليّ على المنطقة منذ اللحظة الأولى لتهاوي نظام بشّار الأسد في كانون الأوّل الماضي.

ماذا في السّياسة؟

ما أرادته إسرائيل حقيقةً هو إرسال رسالة إلى الجانب التّركيّ والحكومة السّوريّة عن رسمِ منطقة نفوذ إسرائيل في جنوب سوريا بشكلٍ كامل. يدعمُ هذا الرّأي ما ذكره الباحث التّركيّ الدّكتور سمير صالحة في حديثه لـ”أساس” عن عرضِ تل أبيب على أنقرة فكرة تقاسم النّفوذ على الجغرافيا السّوريّة.

تُريدُ إسرائيل أيضاً تثبيت ما بات يُعرف بحرّيّة الحركة، التي أشارَ إليها المبعوث الأميركيّ إلى سوريا توماس بارّاك بقوله إنّ إسرائيل لا تعترف بحدود “سايكس – بيكو”. إذ تعمل حيثُ شاءَت متى شاءَت. وهذا ينطبق على سوريا ولبنان وإيران وفلسطين التّاريخيّة واليمن وحتّى العراق في المُقبل من الأيّام.