
65 ضحية في آب… حكاية إهمال على طرقات لبنان
في لبنان، لا تبدأ المآسي دائمًا بانفجار أو أزمة… أحيانًا قد تبدأ بخطوة خارج عتبة المنزل. الطرقات هنا ليست مجرد بنية تحتية متآكلة، بل هي انعكاس مباشر لانهيار الدولة وتراخي القانون وتراكم الفوضى. كل شارع يحمل احتمال كارثة، وكل مركبة مشروع جنازة مؤجلة.
ففي وطن فقد سيطرته على اقتصاده، أمنه، وخدماته الأساسية، لم يكن غريبًا أن يفقد السيطرة أيضًا على طرقاته. وموسم الصيف، الذي يُفترض أن يكون متسعًا للحياة والحركة، تحوّل مجددًا إلى موسم موت. فقد حصد شهر آب وحده عشرات الأرواح تحت عجلات الإهمال.
في بلد تتناقص فيه فرص النجاة كما تتناقص إشارات المرور، باتت السلامة المرورية مجرد بند منسي في بيانات رسمية لا يقرأها أحد، ولا ينفذها أحد، بينما القتلى يُعدّون بصمت، والحوادث تتكرر بلا نهاية.
وفي هذا السياق، أشار رئيس جمعية “اليازا إنترناسيونال” زياد عقل لـ “نداء الوطن”، إلى أن شهر آب شهد سقوط 65 ضحية بسبب حوادث السير في لبنان، وأوضح أن شهري تموز وآب يشهدان عادة ارتفاعًا في عدد هذه الحوادث، نتيجة الفوضى الكبيرة على الطرقات وغياب تطبيق القانون بشكل فعّال.
ورداً على سؤال حول التزام الحكومة، بحسب البيان الوزاري، بجعل السلامة المرورية أولوية وطنية، أكد عقل أن هذا الالتزام موجود نظريًا، ولكنه لم يُترجم فعليًا على أرض الواقع بالجدية المطلوبة حتى الآن.
عقل أعرب عن أمله بأن تضطلع وزارتا الداخلية والأشغال بدورهما المطلوب في الأشهر القادمة، مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة تفعيل دور لجنة الأشغال العامة النيابية في مراقبة ومحاسبة الوزارات المعنية، وهو دور غائب منذ نحو سبع سنوات. أضاف، أن الجمعية تعمل على التواصل مع قوى الأمن الداخلي وتبدي استعدادها للتعاون من أجل استعادة هيبة النظام.
ولفت عقل إلى أن “اليازا” قد طرحت مجموعة من الإجراءات ضمن اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، وهي مدرجة ضمن خطة وطنية تتطلب إشراك البلديات بجدية في تنفيذها. وشدد على الحاجة الملحّة لإعادة تنظيم المعاينة الميكانيكية، خصوصًا للمركبات الثقيلة، مؤكدًا ضرورة إجراء المعاينة قبل موسم الشتاء لضمان سلامة المركبات.
وأشار إلى التدهور الكبير في نوعية السيارات الموجودة في لبنان، بالإضافة إلى الفوضى العارمة في قطاع الدراجات النارية، والتي يشكل العديد من سائقيها خطرًا حقيقيًا بسبب مخالفاتهم المتكررة كالسير بعكس الاتجاه.
إذًا، ما يحدث على طرقات لبنان ليس قضاءً وقدرًا، بل نتيجة واضحة لسنوات من الإهمال وغياب المساءلة. ففي بلد تتصدّع فيه البنى التحتية، وتُهمّش فيه القوانين، لا يمكن أن تُصان الأرواح، ولا أن يُبنى أمن مروري فعلي.
65 ضحية في شهر واحد ليست مجرّد رقم، إنها ناقوس خطر، وصفعة في وجه كل الجهات المعنية التي تكتفي بالتفرّج. الطرقات لا تُصلحها البيانات، ولا تُنقذها الوعود، بل تحتاج إلى إرادة حقيقية، وقانون يطبَّق، ومؤسسات تنهض من غفلتها قبل أن يتجاوز عدد الضحايا قدرة البلد على الحداد.