
طبولُ حربٍ بين إيران وإسرائيل.. هل تطلَق النارُ من لبنان؟
هل تقف المنطقة مجدداً على شفير اندلاع حرب إسرائيلية إيرانية جديدة؟ كل المؤشرات تفيد بأن الطرفين يستعدان لكل الاحتمالات، وسط انسداد الآفاق أمام أي مخرج بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وبين إسرائيل وحلفاء طهران في المنطقة. حتى الآن لم تنجح كل مسارات التفاوض في إرساء نقاط مشتركة بين الإيرانيين والأميركيين. وضعت طهران خطها التفاوضي الأحمر الذي لا يمكن لها تجاوزه، وذلك انعكس في عدم التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين الذين أعادوا فرض العقوبات على إيران، ويأتي ذلك في ظل التقارب الإيراني مع كل من روسيا والصين وهو ما تجلى خلال قمة شنغهاي. ذلك لا ينفصل أيضاً عن الانسداد أمام المساعي الأميركية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية. غالباً، وعندما تصل الأمور إلى مستوى هذه الدرجة من التعقيد، لا بد لها أن تنفجر في مكان ما.
على مستوى المنطقة، عناصر التفجير أصبحت متوفرة، خصوصاً في ظل إصرار إسرائيل على مواصلة التصعيد، انطلاقاً من توسيع الحرب على غزة، والانتقال إلى مستوى جديد من العمليات العسكرية والأمنية في اليمن، خصوصاً أن اغتيال رئيس الحكومة وعدد من الوزراء والمسؤولين العسكريين يشير إلى ارتفاع احتمالات فتح مسار جديد من المواجهة. هنا لا بد من التوقف عند التصريحات الإيرانية والإسرائيلية المتضاربة حول الاستعداد للدخول في حال الحرب.
لبنان ليس بعيداً عن كل هذه التطورات، فهو دخل في مرحلة من التعقيد السياسي الذي يصعب حلّه، خصوصاً أن إسرائيل ترفع سقف شروطها إلى حدود بعيدة من خلال التركيز على ضرورة نزع سلاح حزب الله قبل تقديمها لأي تنازل وقبل الانسحاب ووقف الاعتداءات. في المقابل، يرفض حزب الله تسليم أي قطعة سلاح ما لم تلتزم تل أبيب باتفاق 27 تشرين الفائت. كما هو الحال بالنسبة إلى الضغوط التي تتعرض لها طهران، كذلك بالنسبة إلى حزب الله، الذي يجد نفسه مطوقاً من اتجاهات متعددة، أبرزها مواصلة إسرائيل لعملياتها، تكثيف الضغوط الدولية والإقليمية لأجل سحب السلاح، والقرار الصادر عن الحكومة بسحب السلاح وتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة تنفيذية لذلك.
كل المحاولات التي تبذل على خطّ تراجع الحكومة عن قرارها لم تؤد إلى أي نتيجة حتى الآن. أما إذا تم الوصول إلى صيغة داخلية تُعتبر مرضية للجميع، مثل تجميد القرار أو عدم البدء بالخطة التنفيذية لسحب السلاح، فذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط الدولية سياسياً، وسيفتح الطريق أمام تصعيد إسرائيلي عسكرياً. ولا بد لحزب الله أن يبحث عن مسار جديد لمواجهة كل هذه الضغوط العسكرية والسياسية. فعلى المستوى الداخلي هو يرفض الالتزام أو الاعتراف بقرار الحكومة، وإذا لم ينجح في دفعها إلى تجميد الخطة أو التراجع، فحتماً سيبحث عن خيارات تصعيدية، إما أن تبدأ عبر تحركات في الشارع، وإما أن تنعكس في منع الجيش من الدخول إلى أي موقع وسحب السلاح منه.
تترقب القوى الدولية الضاغطة لخطة الجيش، ولخطوة الحكومة ما بعد تقديم هذه الخطة. فذلك يضع لبنان أمام احتمالين، إما أن تمضي الحكومة قدماً في تطبيق الخطة ما سيستدعي تصعيداً من الحزب، وإما أن تؤجل التطبيق ما سيستدعي تصعيداً خارجياً وتكثيفاً للعمليات الإسرائيلية. لكن الخيار الثالث قد يكون مرتبطاً بما يمتلكه حزب الله من خيارات أخرى، قد يكون أحدها قلب الطاولة من خلال اللجوء إلى تنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية المحتلة للأراضي اللبنانية، أي أن يلجأ الحزب إلى تنفيذ عملية نوعية غير تقليدية باتجاه أحد المواقع التي تحتلها إسرائيل في الجنوب، ما يؤدي إلى تجدد الحرب القابلة للاتساع على مستوى المنطقة في حال قررت طهران ذلك، لتعيد تكريس مبدأ وحدة الجبهات، أي أن تنخرط بنفسها في المواجهة، إلى جانب حزب الله، الحوثيين من اليمن وفصائل الحشد الشعبي من العراق. بذلك تعتبر طهران أنها ستكون قادرة على توجيه ضربات قوية ومؤذية ضد إسرائيل، بنتيجتها يمكن الجلوس على طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة.
على المستوى الداخلي، تتواصل الاتصالات لتفادي أي أزمة سياسية أو حكومية، ولتفادي الصعيد الخارجي. وبين الأفكار المطروحة عدم حصر جدول أعمال جلسة الحكومة يوم الجمعة ببند وحيد هو بند السلاح، وإضافة بنود عادية إليه، إضافة إلى ترك هامش للوصول إلى تفاهم بشأن كيفية التعاطي مع ملف السلاح من دون الوصول إلى لحظة الصدام. في الموازاة يترقب لبنان جملة زيارات ديبلوماسية. فإلى جانب الزيارة التي سيجريها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان للبحث في عقد مؤتمرين لدعم لبنان على مستوى إعادة الإعمار ودعم الجيش، يترقب لبنان زيارات أميركية جديدة، بينها زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، مع احتمال زيارة الموفدة مورغان أورتاغوس لبيروت، من أجل مواكبة خطة الجيش وما سيليها من خطوات حكومية.