استنفار إردوغان: تركيا تسهّل مرور الأموال الإيرانيّة إلى الحزب؟

استنفار إردوغان: تركيا تسهّل مرور الأموال الإيرانيّة إلى الحزب؟

الكاتب: ابراهيم ريحان | المصدر: اساس ميديا
4 أيلول 2025

تشهدُ أروقة السّياسة والأمن في العاصمة التّركيّة أنقرة استنفاراً غير مسبوقٍ على خلفيّة تصاعدُ التّوتّر بين تركيا وإسرائيل على السّاحة السّوريّة. مردّ هذا الاستنفار معلومات وتحليلات لأجهزة الاستخبارات التّركيّة عن إمكان أن تستهدف تل أبيب نقاطاً عسكريّة تُركيّة في سوريا.

يكشفُ مصدرٌ أمنيّ تُركيّ لـ”أساس” أنّ جميع أجهزة الأمن والاستخبارات التّركيّة تُحضّر لإمكان تحوّل التّوتّر مع إسرائيل في سوريا إلى “أزمة أمنيّة مفتوحة على كلّ الاحتمالات”.

في هذا الإطار عقدَ مجلس الأمن القوميّ التّركيّ اجتماعاً قبل أيّام برئاسة الرّئيس رجب طيّب إردوغان، الذي سمِعَ إحاطاتٍ وتقديرات من الجيش والاستخبارات والاستخبارات العسكريّة أجمعَت على أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو لن يتوانى عن استهدافِ قواعد الجيش التّركيّ في سوريا متى سنحَت له الفرصة.

تعزيزات غير مسبوقة

دفَعَت هذه التطوّرات الرّئيس التّركيّ لدراسة إمكان إعلان حالة الطّوارئ الأمنيّة والسّياسيّة. وقد أعطى توجيهاته لحراك سياسيّ – دبلوماسيّ – أمنيّ في المنطقة لـ”ردع أيّ خطوة إسرائيليّة في هذا الاتّجاه” عبر إرسال رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى تل أبيب عن أنّ أيّ تعرّضٍ للمصالح التّركيّة في سوريا سيُقابله ردّ فوريّ من أنقرة.

من أجل ذلك أيضاً، اتّخذت تُركيا في الأسابيع الأخيرة 3 خطوات عمليّة في إطار الاستعداد لأيّ صدام مُحتمل مع إسرائيل على الأراضي السورية:

1- عزّزَت أنظمة الدفاع الجوّيّ عبر تسلّم الجيش التّركيّ منظومة “القبّة الفولاذيّة” المحلّية الصّنع.

2- أعطِيَت توجيهات لتعزيز الجبهة الداخلية وبناء ملاجئ متطوّرة مضادّة للتهديدات النوويّة.

3- باشرَت أنقرة شراء واقتناء طائرات “يوروفايتر” الأوروبيّة لتعزيز سلاح الجوّ.

هذا بحدّ ذاته رسالة مُفادها أنّ تُركيا تريد الاستفادة من ضعف حالة الرّدع في المنطقة، خصوصاً بعد انهيار نفوذ إيران في سوريا ولبنان. ويدخلُ ذلكَ أيضاً في إطار الاستعداد لأيّ خللٍ في موازين القوى في المنطقة.

استفادت أنقرة من قراءة ودراسة أخطاء الوجود العسكريّ الإيرانيّ في سوريا أيّام حكم بشّار الأسد. ومن هذا المُنطلق كان القرار التّركيّ أن لا يتحوّل الوجود العسكريّ والأمنيّ التّركيّ في سوريا إلى نسخة أخرى من “النّموذج الإيرانيّ”.

دفعت دراسة النّموذج الإيرانيّ تُركيا لتركيز نفوذها في سوريا على “القوّة النّاعمة” بالدّرجة الأولى وليسَ على القوّة العسكريّة. وذلكَ على الرّغم من امتلاكها قدرات عسكريّة هائلة. لكنّ هذه القوّة العسكريّة تُريدها أنقرة أن تكون عامل ردعٍ وليسَ عامل مواجهة أو صدام مباشر مع إسرائيل.

حرب الوكالة

يخوضُ الجانبان حرباً بالوكالة، تُشبهُ إلى حدٍّ بعيد حرب الوكالة التي كانت بين إيران وإسرائيل قبل خوضِ الحرب المباشرة في حزيران الماضي. لكنّ طبيعة المواجهة بين تركيا وإسرائيل تختلف عن تلكَ التي كانت بين تل أبيب وطهران. ذلك أنّ تركيا وإسرائيل تُعتبران حليفين مُهمّين للولايات المُتّحدة، ولا حالة عداء بين أنقرة وتل أبيب من النّاحيّة السّياسيّة العمليّة، على عكس إيران وإسرائيل.

تعتمدُ تل أبيب في صراع النّفوذ مع أنقرة على الانخراط في دعمِ الأقلّيّات، وتحديداً دعم الأكراد في شمال شرق سوريا. بحسب معلومات “أساس” جمعت لقاءات دوريّة مسؤولين من “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” ذات الغالبيّة الكرديّة مع مسؤولين من الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، كانَ آخرها قبل أسبوعيْن. وصلَت هذه المعلومات إلى أنقرة، التي تعتبر وجود الفصائل الكُرديّة في سوريا تهديداً مباشراً لأمنها القوميّ.

لهذا عملت تُركيا طوال الأسابيع الماضية على التّفاوض مع حزب العمّال الكُردستاني ومع زعيمه عبدالله أوجلان لضربِ أيّ محاولة لتصدير مبدأ الانفصال من سوريا إلى تركيا، ولقطعِ الطّريق أمام الاستثمار السّياسيّ والأمنيّ والعسكريّ الإسرائيليّ في الملفّ الكُرديّ.

قد تدفع حربُ الوكالة هذه أنقرة لاتّخاذ إجراءات عسكريّة مُباشرة ضدّ المقاتلين الأكراد في سوريا، بخاصّة إذا لم تلتزم قوّات “قسد” تنفيذ الاتّفاقات التي أبرمها الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مع قائد “قسد” مظلوم عبدي في آذار الماضي.

لكنّ المسؤولين الأتراك يبحثون عن جواب السؤال التالي: كيف ستكون ردّة الفعل الإسرائيليّة إذا ما قرّرت أنقرة التّدخّل المباشر لمُعالجة الحالة الانفصاليّة في شمال شرق سوريا؟

تعزيز القبضة الإسرائيليّة

البحثُ عن هذه الإجابات تدور رحاهُ في الاجتماعات الأمنيّة التي يعقدها مسؤولون أتراك وإسرائيليّون في العاصمة الأذربيجانيّة باكو في محاولة لحلّ المسألة الكُرديّة من دون أن تتحوّل إلى مواجهة مباشرة بين تُركيا وإسرائيل.

لكنّ واقعَ الحال في المنطقة، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة الغارات العسكريّة الإسرائيليّة ضدّ الحوثيّين في اليمَن و”الحزب” في لبنان وبعض مناطق سوريا، يدلّ على إرادةٍ إسرائيليّة ماضية لتعزيز القبضة الأمنيّة والعسكريّة في المنطقة. وتحدّثت تقارير إسرائيليّة عن دورٍ تُركيٍّ في تمرير الأموال إلى “الحزبِ” في لبنان. وهذا ما يُعزّز القول إنّ أنقرة بدورها تُمارس حربَ الوكالة ضدّ إسرائيل بطريقةٍ مُختلفة، عنوانها إزعاج إسرائيل بدعم الفصائل التي تُعاديها تماماً كما تفعل تل أبيب في سوريا.