
خاص- الأهالي بين خيارين… الدفع حتى الإفلاس أو ترك أولادهم خارج الصفوف!
عام دراسي جديد، ومأساة قديمة تتكرر. آلاف العائلات اللبنانية تدخل موسم الرعب نفسه: أقساط بالدولار الفريش لا يقدر عليها سوى قلّة من الميسورين، لوائح كتب تتجاوز المئات من الدولارات، قرطاسية بأسعار فلكية تتفاوت بشكل فضائحي بين مكتبة وأخرى، وزي مدرسي يُفرض حصريًا من المدرسة بأسعار تفوق قدرة الأهل. وكأن دخول التلميذ إلى صفّه صار امتيازًا طبقيًا، لا حقًا طبيعيًا.
المشهد لم يعد مجرد أزمة اقتصادية انعكست على التربية، بل فضيحة أخلاقية وتربوية. المدارس الخاصة، التي يفترض أن تكون مؤسسات لبناء الإنسان، تحولت إلى شركات استثمارية لا همّ لها سوى تعظيم الأرباح على حساب الأهالي والتلامذة. والأسوأ أن هذه الإدارات تفعل ذلك بوقاحة كاملة، لأنها تعرف أن لا أحد سيحاسبها.
لكن المسؤولية الكبرى لا تقع فقط على عاتق هذه المدارس، بل على وزارة التربية أولًا وأخيرًا. فالوزارة التي وُجدت لضبط القطاع وتنظيمه، تقف اليوم موقف المتفرّج. لا مساءلة، لا محاسبة، لا قرارات واضحة، ولا أي خطة لضبط الأقساط أو الأسعار. المدارس تتصرّف كسلطات مالية مستقلة، والوزارة تبدو عاجزة أو متواطئة، تاركة الأهل فريسة لجشع متنامٍ بلا سقف.
أي وزارة هذه التي تصمت أمام أقساط تقفز آلاف الدولارات؟ أي وزارة تترك لوائح الكتب غامضة، تُباع في المدرسة أو في مكتبات محددة، بلا أي رقابة أو شفافية؟ أي وزارة تسمح بتحويل الزي المدرسي إلى سوق سوداء تحتكرها الإدارات؟ أين القوانين؟ أين الشفافية؟ أم أن الوزارة تخلّت عن دورها واختارت أن تكون غطاءً رسميًا للنهب المنظّم؟
هذا الصمت لم يعد يُصنّف إهمالًا، بل شراكة مباشرة في الجريمة. الوزير وإدارته يتحملون مسؤولية انهيار التعليم، ومسؤولية إذلال الأهل والتلامذة على أبواب المدارس والمكتبات. فالتعليم لم يعد موسم أمل وانطلاقة جديدة، بل موسم إذلال ونزيف مالي يتكرر كل عام.
إن التعليم ليس سلعة في مزاد مفتوح، بل حق بديهي ومقدّس. وما يحصل اليوم هو تشويه كامل لهذه الرسالة. المطلوب فورًا أن تتحرك وزارة التربية بقرارات ملزمة: إعلان شفاف لكل لوائح الأسعار، تحديد سقوف للأقساط بما يتناسب مع مستوى الرواتب، ومنع المدارس من احتكار الزي والكتب. من دون ذلك، تكون الوزارة شريكة في الجريمة لا ضحية لها.
في الخلاصة: إذا لم تتحمل وزارة التربية مسؤوليتها الكاملة وتضع حدًا لهذه الفوضى، فهي تعلن عمليًا تخليها عن التلامذة والأهالي، وتترك مصير الأجيال المقبلة في يد حفنة تجار يختبئون وراء شعار “التربية”. والسكوت عن هذه الفضيحة لم يعد مقبولًا على الإطلاق.