بين الجيش والثنائي: بصمات بري- عون تشق طريق الحلّ المؤجل

بين الجيش والثنائي: بصمات بري- عون تشق طريق الحلّ المؤجل

الكاتب: حسن فقيه | المصدر: المدن
6 أيلول 2025

هي جلسة اللاعودة، وفي ضوء ما ستخرج به يُبنى على الشيء مقتضاه. على هذا النحو وصف البعض جلسة الحكومة التي عقدت في الخامس من أيلول، وخُصّصت لمناقشة خطة الجيش اللبناني المتعلقة بتجريد الحزب من سلاحه.

قبل انعقاد الجلسة، خطت الحكومة خطوة استباقية لضمان حضور الوزراء الشيعة، فأضافت بنوداً جديدة إلى جدول الأعمال. وبالفعل، حضر الوزراء الخمسة: أربعة منهم عبّروا عن موقف واضح يمثّل ثنائي “أمل ـ حزب الله”، في حين بقيت الأنظار شاخصة باتجاه الوزير فادي مكي، انتظاراً لموقفه المرتقب.

انسحاب الوزراء الشيعة

ما إن اكتمل الحضور، وبدأت الجلسة في قصر بعبدا عند الثالثة وعشر دقائق، حتى تحوّلت أنظار الصحافيين إلى لحظة الانسحاب المرتقبة. ولم تمضِ سوى عشر دقائق تقريباً، حتى غادر وزيرا الصحة والعمل، تبعهما وزيرا المالية والبيئة، ولحق بهم الوزير فادي مكي إلى غرفة جانبية. عندها، علم الحاضرون بدخول قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الذي شرع في عرض خطته.

وزير الصحة راكان ناصر الدين توجه إلى الجيش قبل المغادرة بالتحية قائلاً: “كل الاحترام والتقدير والثقة في المؤسسة العسكرية وقيادتها، وخروجنا من الجلسة ليس موقفاً ضدها أبداً؛ إنما هو اعتراض على النقاش في هذا الأمر في حين أنَّ إسرائيل تستمر في عدوانها”. وفي حديث مع “المدن”، أكد وزير العمل محمد حيدر أن الخروج من الجلسة “نتيجة طبيعية”؛ إذ يعتبر وزراء الثنائي أن ما أقرته الحكومة في جلستي الخامس والسابع من آب غير ميثاقي، وبالتالي لا يمكن مناقشة خطة بُنيت على قرار باطل.

أما الموقف الأبرز فكان لوزير التنمية الإدارية فادي مكي الذي توجه إلى رئيس الجمهورية قائلاً إنه سعى بقدر ما أتيح له لتجاوز العقبات، وكان من الداعين إلى مناقشة خطة الجيش، وترك موضوع المهلة الزمنية لتقدير قيادته، لكنه لا يستطيع تحمل وزر البقاء وحيداً، خصوصاً أن إسرائيل تعتدي يومياً في الجنوب. واستشهد بالاعتداء الأخير في أنصارية، واضعاً استقالته الشفهية بتصرّف رئيس الجمهورية “إذا كانت تحقق المصلحة العامة“.

استكمال الجلسة وعرض خطة الجيش

بعد خروج الوزراء الشيعة الخمسة، استكمل مجلس الوزراء جلسته، وشرح قائد الجيش الخطة تفصيلياً. وقد أثنى جميع الوزراء عليها، ليخرج وزير الإعلام بول مرقص معلناً مقررات الجلسة، مشيراً إلى أن الخطة ستبقى سرية، وأن المؤسسة العسكرية ستقدم تقريراً شهرياً عن سير التنفيذ.

وبدا واضحاً أن الحكومة تلافت شرارة الصراع، وقدمت حلاً وسطياً يؤجل اشتعال فتيل الأزمة. وظهرت بصمات الرئيس نبيه بري واضحة، متقاطعة مع مساعي رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون؛ إذ كان بري الغائب الحاضر. وقد تعاطت الحكومة بعقلانية، موجهة سهام اللوم باتجاه إسرائيل والدول الراعية. وعليه، فإن الحكومة ستنفذ التزاماتها بما يخص حصرية السلاح، لكن في المقابل شددت على وجوب أن تنسحب إسرائيل وتلتزم أيضاً، وإلا فإن لبنان في حِلّ من أمره، خصوصاً في ما يتعلق بورقة الموفد الأميركي توم براك.

إسقاط المهل الزمنية وتثبيت المبدأ

بدا واضحاً أن الحكومة غيّرت نبرتها عمّا كانت عليه قبل شهر، وأدركت أن الحل ليس بالصدام؛ بل ببعض الواقعية تجاه ما طالب به الثنائي. فسقطت المفاعيل الزمنية المستعجلة، وبقي قرار “حصرية السلاح” من دون سقف محدّد.

ووفق معلومات “المدن”، أوضح قائد الجيش الصعوبات التي تعترض تنفيذ الخطة، والأمور اللوجستية المرافقة لها، مؤكداً أن الجيش بدأ فعلاً الانتشار في منطقة جنوب الليطاني. لكن ما يؤخر السيطرة الكاملة هناك هو الاعتداءات الإسرائيلية، فضلاً عن طبيعة الأرض التي تفرض مدة زمنية تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر لتنفيذ المهمة في تلك البقعة؛ أي فعلياً حتى مطلع العام المقبل، وهو الموعد الذي كان محدداً سلفاً لحصرية السلاح في كل لبنان.

ومن المعلوم أن حزب الله لا يمانع أيَّ إجراء في منطقة جنوب الليطاني، وهذا ما يمنح الدولة وقتاً إضافياً لإيجاد حلول للتعامل مع العدوانية الإسرائيلية وسحب أية ذريعة يستخدمها الحزب لعرقلة مبدأ الحصرية. ووفق الخطة، ينتقل التنفيذ لاحقاً من جنوب الليطاني إلى شماله، ثم إلى صيدا وبيروت والبقاع، مع مراعاة أي معوقات قد تطرأ على الأرض. وهكذا، تكون المهل الزمنية قد سقطت عملياً من دون إعلان صريح، في حين بقي المبدأ قائماً، وجرى توجيه البوصلة باتجاه الاعتداءات الإسرائيلية، مع الاكتفاء بعبارة “الترحيب بالخطة” من دون أي إضافات أخرى.

دور الرئيسين عون وبري

تفيد معلومات المدن أن سعياً دؤوباً من الرئيسين عون وبري أفضى إلى هذه الصيغة. فليس ممكناً أن يبدأ لبنان بتنفيذ التزامات وردت في ورقة أميركية لم توافق عليها إسرائيل بعد، ولم تلتزم بها. كما أنه ليس ممكناً أن تتراجع الحكومة عن مبدأ “حصرية السلاح” الذي أُقرّ في خطاب القسم والبيان الوزاري. لبنان يحتاج وقتاً إضافياً لإقناع حزب الله بالتخلي عن سلاحه، في حال نجحت الجهود الدولية في لجم إسرائيل عن اعتداءاتها. وهكذا يكون فتيل الأزمة قد أُجِّل، لكنه لم ينتهِ، في حين يكون لبنان قد رمى كرة النار هذه المرة في حضن المجتمع الدولي.

قبل انتهاء الجلسة، عبّر حزب الله عن موقفه عبر النائب حسن عز الدين الذي قال لـ”المدن” إن انسحاب وزراء الثنائي الوطني يفقد الحكومة ميثاقيتها؛ إذ تناقش قراراً بُني على باطل. واعتبر أن ذلك يعقد الأمور، مؤكداً أن “كل الخيارات مفتوحة“.

وبتعليق مقتضب، قال عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قبلان قبلان إن الحكومة “تستمر بسياسة التحدي، وتأخذ البلد إلى مرحلة أكثر تعقيداً”. وبعد بيان الحكومة، أشارت مصادر سياسية في ثنائي “أمل – حزب الله” إلى أن المسألة قيد الدرس، مع تأكيد ضرورة التنبه لكل المعطيات، لكنها ألمحت في الوقت نفسه إلى “بوادر إيجابية”، متمنيةً أن تعي الحكومة خطورة الاعتداءات الإسرائيلية وخذلان المجتمع الدولي، وألا تقدم على خطوات تُضعف لبنان أكثر. وبالفعل كان الرئيس بري يعبر بالقول إن الأمور إيجابية، والرياح السامة بدأت تنطوي، وما حصل في موضوع الخطة العسكرية للجيش يحفظ السلم الأهلي.

أزمة مؤجلة لا محلولة

تأجيل الأزمة لا يعني حلّها، وسحب فتيل الانفجار، وشراء المزيد من الوقت، والتقرب خطوة من الثنائي… كلّها عناوين توصف بها جلسة الخامس من أيلول، التي غلّف الغموض خطة الجيش خلالها. لكن الحقيقة الثابتة هي أنّ التحدّي لم ينتهِ، ولن ينتهي إلا بإلزام إسرائيل بوقف عدوانها، والالتزام بالقرارات الدولية. عندها فقط تصبح مسألة “حصرية السلاح” قابلة للنقاش على أسس واضحة، وبشروط تُرضي الدولة، وتمنح الجيش مساحة ووقتاً للعمل بفاعلية. أمّا اليوم، فيفسّر كل طرف ما يشاء ويرسم معالم انتصاره الخاص، في حين يظل الأفق غامضاً، والمجتمع الدولي يترقب خطوات الحكومة العملية، والانتظار ما زال سيد الموقف.