
ذكرى “شهداء القوّات”… الأولى بعد سقوط الأسد
كعادته كلّ سنة ينظّم حزب “القوّات اللبنانيّة” احتفال ذكرى “شهداء المقاومة اللبنانيّة”. شعار السنة “نجرؤ ليبقى لبنان”. شعار يلاقي المتغيّرات الجيوسياسيّة داخليّاً وإقليميّاً. وهي التي تميّز الذكرى لهذه السنة.
أوّل ما تتميّز به الذكرى هذه السنة أنّها الأولى بعد سقوط نظام الأسد. عند سقوط النظام في 8 كانون الأوّل من العام الماضي أقام سمير جعجع احتفالاً في معراب. فوجئ البعض. وانتقد البعض الآخر. ولكنّ في الواقع حزب “القوّات اللبنانيّة”، وتحديداً جعجع، هو أكثر من يحقّ له الاحتفال. فهو أوّل من واجه عسكريّاً جيش ذاك النظام حين تحوّلت مهمّته من قوّات الردع العربيّة إلى قوّات عسكريّة تريد إحكام سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانيّة وفرض هيمنتها على الدولة اللبنانيّة. وكانت المواجهة الأولى في “حرب المئة يوم” التي قادها بشير الجميّل في الأشرفيّة وسمير جعجع في الشمال.
لذا أكثر الصور التي سترتفع في معراب في احتفال معراب هي لشهداء سقطوا في المواجهة مع جيش نظام الأسد في الأشرفيّة وقنات وزحلة وعيون السيمان وصنّين.. بشير الجميّل نفسه، مؤسّس “القوات”، قتله نظام الأسد. يروي مروان حمادة في مقابلة مع برنامج “بالأساس” كيف أجاب حافظ الأسد وليد جنبلاط حين قال له لدينا الآن رئيس للجمهوريّة وعلينا التعامل معه، قال الأسد: “عم تحكوا عن بشير؟ انسوه”. بعد ثلاثة أيّام وقع انفجار الأشرفيّة، واغتيل بشير.
مسؤولو حزب “القوّات” وعناصره هم أيضاً أكثر من تعرّضوا لظلم نظام الأسد وإجرامه، سجناً وتعذيباً وإخفاءً خلال الحرب وبعدها. سمير جعجع نفسه قبع في المعتقل ما يزيد على 11 عاماً، بأمرٍ من ذاك النظام وبتنفيذٍ من ذراعه الأمنيّة في لبنان.
زال نظام الأسد وفي سوريا سلطة جديدة تعمل لإعادة بناء الدولة والمجتمع. وسيتوجّه سمير جعجع في خطابه إلى الشهداء ليقول: “افرحوا وهلّلوا لأنّ دماءكم لم تذهب سدى. لقد سقط نظام الأسد في مزبلة التاريخ. ومرّة أخرى ما بصحّ إلّا الصحيح”.
دولة لا مزرعة
سيضيف جعجع في كلامه للشهداء: “افرحوا لأنّ مسار استعادة الدولة الفعليّة قد بدأ”. وهو ما يميّز ذكرى الشهداء هذه السنة.
أثناء تحضير كوادره لتسلّم السلطة في حزب “القوّات” وتنظيمه كان “الحكيم” يركّز في خطابه على النضال من أجل بناء دولة تليق بأبنائها. لذلك قال في أحد خطاباته أثناء الحرب: “نحن محترفو حرب، للسلم”. وهو خطاب ليس غريباً عن “القوّات”، فمؤسّسها أعلن قبل انتخابه رئيساً للجمهوريّة عام 1982 أنّه يريد بناء “دولة لا مزرعة”. اليوم هناك فرصة فعليّة لبناء هذه الدولة باتّخاذ قرار حصريّة السلاح بيد الدولة اللبنانيّة، وبالتالي تفكيك المنظومة العسكريّة والأمنيّة لـ”الحزب”.
حصريّة السّلاح
بعد نهاية الوصاية السوريّة عن لبنان (2005) أصبح “الحزب” العائق الأساسيّ أمام قيام دولة طبيعيّة، دولة فيها سلطة واحدة وقرار واحد وجيش واحد، دولة تحكمها سلطتها المنتخَبة، وحكومتها تمارس مهامّها التنفيذيّة بالكامل. وواقع الحال كانت في لبنان سلطتان، واحدة متمثّلة في رئاسة الجمهوريّة والحكومة، وأخرى في الأمين العامّ لـ”الحزب” المقيم في الضاحية.
كان هناك قراران، واحد شرعيّ تمثّله الدولة، وآخر غير شرعي يمثّله “الحزب”. وكان هناك جيشان، واحد شرعيّ هو الجيش اللبنانيّ وآخر غير شرعيّ هي ميليشيا “الحزب”. هذا كان قبل أن يُطبِق “الحزب” كلّيّاً على قرار الدولة ويحتكره ويفرض مرشّحه رئيساً للجمهوريّة، والقريب منه رئيساً للحكومة، ويفرض هيمنته على العديد من الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، وكلّ ذلك بقوّة السلاح وبطشه. واغتال الكثير من معارضيه وهدّد مصالحه وأمنه، ومنع الأجهزة الأمنيّة من التحقيق في الاغتيالات.
اليوم هناك فرصة فعليّة لنهاية كلّ هذا الشذوذ في الحياة السياسية اللبنانيّة الذي فرضته الوصاية السوريّة والهيمنة الإيرانيّة. اتُّخذ قرار حصريّة السلاح. وضع الجيش خطّة لتنفيذه. لن تبدِّل مكابرة “الحزب” وقيادته في القرار شيئاً. رفض القرار واعتباره غير موجود لن يطولا.
قريباً سيجد “الحزب” نفسه مضطرّاً إلى التعامل معه والتنسيق مع الجيش لتنفيذه بأقلّ خسائر ممكنة. والكلام عن اعتبار السلاح للدفاع عن الطائفة الشيعيّة سيسقط. وبحسب مصادر قوّاتيّة لـ”أساس” فإنّ “الحكيم سيتوجّه بكلام مباشر للشيعة في لبنان ليقول لهم إنّ المستهدَف ليس الطائفة ولا الشيعة إنّما “الحزب” الذي رهن الطائفة ولبنان لمشروع غير لبنانيّ وقادهما إلى الدمار والخراب”.
محاربة الفساد
سيكون لمحاربة الفساد حيّز في خطاب سمير جعجع في ذكرى الشهداء. وهو ملفّ، بالنسبة لـ”القوّات”، لا يقلّ أهميّة عن حصريّة السلاح. فالفساد كان شريك السلاح غير الشرعيّ في منع قيام دولة فعليّة، خاصّة بعد زوال الوصاية السوريّة. هذا ما تؤكّده التقارير الدوليّة عن نسبة الفساد في لبنان التي ارتفعت بعد خروج الجيش السوريّ.
هناك فرصة فعليّة لحصريّة السلاح، يبدو أنّ هناك فرصة أيضاً لمحاربة الفساد. وقد بدأت إرهاصاتها بأداء حكومة نوّاف سلام. وهذا ما ذكره سمير جعجع في العديد من أحاديثه وإطلالاته الإعلاميّة. يرى أنّ الحكومة تتعامل مع الملفّات والتلزيمات بنسبة أكبر من الشفافيّة. ليست مثاليّة، لكنّها واعدة.
لذلك تؤكّد مصادر القوّات لـ”أساس” أنّ “الحكيم” سيشيد في خطابه بأداء رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس الوزراء، خاصّة في هذين الملفّين: حصريّة السلاح ومحاربة الفساد، وهما شرطان أساسيّان تطالب بهما الدول الداعمة للبنان منذ سنوات. ولكن قبل ذلك هما “مطلب لبنانيّ أوّلاً، ومصلحة لبنانيّة أوّلاً”، كما يقول النائب السابق أنطوان زهرا عضو الهيئة التنفيذيّة في “القوّات اللبنانيّة” في حديثه لبرنامج “بالأساس”.