
بري والإنقاذ من حافة الهاوية
بري أقفل رد الفعل من الحزب نفسه ملتقطاً اللحظة المناسبة، لذلك وجّه رسالة للخارج والداخل أنّه لا يزال يمسك بمفاتيح قرار الطائفة ويضبط حركتها، وأنّها لم تخرج كليّاً عن سلطة الدولة…
كان أول رئيس للجمهورية “حكم” بعد اتفاق الطائف الياس الهراوي يُردّد في ظل استمرار الاعتراض المسيحي على هيمنة سوريا في لبنان وترحيل ميشال عون إلى فرنسا وسجن سمير جعجع، أنّه سيُنقذ المسيحيين في لبنان رغماً عنهم. إذ كان يرى عن صواب أو عن خطأ ان مستقبل المسيحيين في ظل الظروف التي كانت قائمة مهدّد بخطر كبير. وهي كانت كذلك فعلاً.
يرى البعض تماثلاً وليس تطابقا كليّاً مع مهمة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سارع فور انتهاء جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول/ سبتمبر إلى منع “الانزلاق” الشيعي السياسي والشارعي على حدّ سواء من خلال رد فعل إيجابي على نتائج الجلسة، على رغم مساهمته في التسعير السياسي المسبق رفضاً لقراراتها. فحتى في أفضل سيناريو الإخراج الممكن والمعدّ سلفاً، يُمكن للأمور أن تفضي إلى مخاطر غير متوقعة في اللعب على حافة الهاوية.
فهو أقفل رد الفعل من الحزب نفسه ملتقطاً اللحظة المناسبة، لذلك وجّه رسالة للخارج والداخل أنّه لا يزال يمسك بمفاتيح قرار الطائفة ويضبط حركتها، وأنّها لم تخرج كليّاً عن سلطة الدولة. فعلى “الكتف حمال” إذ لا يتم تقديم الذرائع الموضوعية لإسرائيل لاستمرار استهدافاتها في الجنوب وأكثر لتوسيع عملياتها الذي يبقى غير مستبعد، وقد دمرت قدرات الجيش السوري كليّاً في المرحلة الانتقالية ما بعد خروج بشار الأسد واستلام أحمد الشرع السلطة في سوريا. ولا شيء يمنع استكمال إنهائها “حزب الله “، فيما أنّ إسقاط الحكومة باستقالة الوزراء الشيعة أو بمنعها من مواصلة اتخاذ القرارات بحصرية السلاح يفتح البلد على مجهول باحتمالات خطيرة، فيما أنّ على بري التزام ما تعهّد به في اتفاق وقف النار وفي الموافقة على البيان الوزاري ايا كانت ملاحظاته.
بذلك يفهم البعض إطاحته بموقفه الايجابي نسبيّاً ذريعة الميثاقية التي تذرع بها وزراء “حزب الله” في إطار الاعتراض على قرار الحكومة وشاركه فيها وزراؤه أيضاً. إذ إنّ ترحيب بري بما اتخذه مجلس الوزراء على رغم خروج الوزراء الشيعة الخمسة من الجلسة دحض، لمرة أولى ونهائية على الارجح لأنها ستُشكّل سابقة، هذه الذريعة التي كان يستخدمها الثنائي بقوة منذ خروج وزرائه من حكومة فؤاد السنيورة في 2006، وذلك بغض النظر عن إضعاف الصدقية بالوزراء الشيعة المشاركين في الحكومة الذين حين تم اختيارهم، فعلى أساس لا يتصل بتبعيتهم “الحزبية ” الضيّقة للثنائي والمحافظة على حد من استقلالية ولو وهمية إزاءه. الأمر الذي انتفى كليّاً في جلستَي مجلس الوزراء لحصرية السلاح على رغم عضويتهم في الحكومة تحت هذا العنوان.
وهذا الأمر مهم جدّاً في السياق الداخلي في لبنان، فيما يُقدّم للخارج مشهداً عن الصراع او التجاذبات التي يواجهها لبنان والتي يفترض أن توفّر له أسباباً تخفيفية إزاء ضغوط هذا الاخير ، في حين أنّه قد لا يظهر تعاطفا فعليا او تسامحا معينا يخفف من وطأة هذه الضغوط.
فموافقة الحكومة على الخطة التي أعدّها الجيش اللبناني، والتي تمتدّ لأشهر، يخشى كثيرون أن تُشكّل فرصة للحزب لأن يُعيد تشكيل نفسه في ظل المبررات الموضوعية أمام الجيش من حيث قدراته من جهة، ومن حيث رفض الحزب التعاون معه من جهة أخرى، في وقت لم تستطع الولايات المتحدة أن تستدرج من إسرائيل أي تجاوب يقوي ورقة الدولة اللبنانية في استعادة سيادتها.
نزعت الحكومة فتيلاً داخليّاً من ازمة يفتعلها الحزب للابقاء على سلاحه ولكن لم يصدر أيّ رد فعل ايجابي خارجي باستثناء فرنسا التي أثنت على موقف الحكومة وعزمها. إلّا أنّه هناك ثلاثة انتظارات على الاقل لردود الفعل المحتملة قد يكون أبرزها من إسرائيل. إذ إنّ خطة للجيش التي تمتد على مراحل متعددّة إنّما تعني بأنّ نزع سلاح الحزب لن يحصل بحلول نهاية عام 2025. مما يخشى معه وفي ظل تهديدها انها ستواصل العمل ضد الحزب وتستهدفه حتى يتم نزع سلاحه دعوة صريحة للاستمرار في ما تقوم به. وذلك علماً أنّ خطة الجيش تكتسب أهميتها في مراحلها الأولى من حيث أنّها تترجم فعلاً بانطلاق قرار الدولة ووجود قرار سياسي لدى الحزب بالتعاون مع الجيش اللبناني من أجل ذلك، وهذا حدوده أشهر قليلة معدودة. وردود الفعل التي لا تقلّ أهمية هي رد الفعل الأميركي لانه يشكل امدادا حيويا للبنان على اكثر من مستوى بدءاً من الحاجة إلى واشنطن لمساعدة لبنان في الضغط على اسرائيل وردعها كذلك. يُضاف إلى ذلك رد الفعل السعودي ربطا باعتماد لبنان على امداد حيوي سياسي وغير سياسي من المملكة واستتباعا من دول الخليج العربي.