
“العمل البلدي” المرشد الأعلى لبلديات “الولاية”
م تختلف الانتخابات البلدية في أيار 2025 عن سابقاتها من حيث السيطرة التامة للثنائي “أمل” و”حزب الله” على البلديات ذات الطابع الشيعي مع ريادة واضحة لجماعة “حزب الله” في هذه البلديات. مع نهاية الانتخابات باشرت “جمعية العمل البلدي” الإطار المخوّل بالعمل البلدي لـ “حزب الله” روزنامة نشاطاتها المقررة بعد العملية الانتخابية، فأطلقت ورشة تدريبية في مختلف المناطق تحت إطار برنامجها التدريبي الموجه للمجالس البلدية المنتخبة حديثًا، الذي يدعم استراتيجية تنميط البلديات برؤية تلك الجماعة وتوجهاتها ويرسخ عملية الهيمنة المطلقة على المناطق الشيعية والتي دأب “حزب الله” على العمل عليها منذ إعادة انطلاق الانتخابات البلدية عام 1998 حيث دخل “حزب الله” للمرة الأولى الى عالم الإدارات المحلية، وعمل على السيطرة التامة على الإدارات والمجالس المحلية التي تعنى بشؤون وهموم الأهالي والساكنين في تلك المناطق، ويظهر من خلال الأخبار والنشاطات، الاقتران الواضح لجمعية العمل البلدي مع المجالس البلدية والاتحادات التي تنتج عنها في تلك المناطق وتأثير الجمعية المطلق على عملها وقراراتها، فمن هي “جمعية العمل البلدي” وكيف كانت انطلاقتها؟ وإلى أين وصلت قدراتها وسلطتها؟
لمحة تاريخية
حصلت “جمعية العمل البلدي” على العلم والخبر في 25 نيسان عام 2006 من وزير الداخلية بالوكالة آنذاك أحمد فتفت، وذلك بعد الانتخابات البلدية الثانية في أيار 2004 التي كرّست التفوق الكبير لـ “حزب الله” على الصعيد البلدي، فبحسب كتاب تاريخ شيعة لبنان من الماضي الغامض إلى المستقبل المجهول في جزئه الثاني الصادر عن أمم للتوثيق والأبحاث عام 2023، جرت الانتخابات البلديَّة الأولى بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية بين شهرَي أيار وحزيران 1998، بعد أنْ كانت مؤجّلَة منذ عام 1963، وأبدى “حزب الله” اهتمامًا خاصًّا بها لأنَّ فوزَه فيها سيوفِّر له الفرصةَ الأولى للمشاركة في سلطة تنفيذيَّة في البلاد، مع الأخذِ في الاعتبار استقلاليَّة المجالس البلديَّة نسبيًّا عن الحكومة، ما يُعطيه قدرًا كبيرًا من النفوذ السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الأوساط الشيعيَّة، مع الاحتفاظ برؤيته العامة حِيال المشاركة في السلطة، وأفرزت هذه الانتخابات تقدمًا لـ “حزب الله” وسيطرة على المجالس البلدية في الضاحية الجنوبية، وتفوقًا بقاعيًا رغم خسارته بعلبك، فيما حافظت حركة “أمل” على قواعدها الجنوبية رغم تمدد “حزب الله” فيها، فيما أثبتت نتائج 2004 تفوق “حزب الله” المتسارع على حساب حركة “أمل” في المناطق الشيعية. ففي البقاع فاز “الحزب” بـ 28 بلدية من أصل 30 نافس عليها، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت وجبل لبنان والشمال ذهبت كل البلديات لـ “حزب الله”. أما في الجنوب فحافظت حركة “أمل” على بعض نفوذها مقابل تمدد أكبر لـ “حزب الله” عن الانتخابات السابقة، ما سمح له بتولّي الريادة الشعبيَّة.
إذاً، حصلت الجمعية على العلم والخبر رقم 146 للجمعية المسماة: “جمعية العمل البلدي” مركزها: حارة حريك، شارع دكاش، ملك محمد شري. غايتها:
1 ـ العمل على تأهيل المجتمع الأهلي وتزويده بوعي إنمائي يساعده في أداء واجباته وتنفيذ التزاماته الاجتماعية في بلدته بصورة إيجابية.
2 ـ التنسيق مع البلديات بما يتوافق مع أحكام القوانين والأنظمة توخيًا لتحقيق الأهداف الأساسية في مجال التطور والإنماء للبلديات والقرى.
3 ـ عقد ندوات ومحاضرات تثقيفية دورية غايتها التوجيه والإرشاد يتم فيها بحث ومناقشة مختلف المواضيع الإنمائية.
ومثّل الجمعية تجاه الحكومة النائب أمين محمد شري.
وبحسب موقع الجمعية على الإنترنت، تقف الجمعية إلى جانب أكثر من 1000 سلطة بلدية لتدعم على مختلف الصعد، وتسعى للوصول إلى كل معني بالشأن البلدي لتبيّن بوضوح كيف تصمد هذه الإدارات المحلية رغم كل الصعوبات.
الواقع والاستراتيجية
يدير جمعية العمل البلدي مسؤول ملف العمل البلدي المركزي في “حزب الله”، ويتداخل عمل الجمعية مع الإطار التنظيمي لـ “الحزب”، حيث يتم اعتماد المناطق التنظيمية الحزبية في العمل، ولكل منطقة مسؤول عمل بلدي، وبحسب موقع الجمعية، تتنوع الأعمال بين ورش تدريبية وزيارات تنسيقية ولقاءات تشاورية ومناطقية، فعلى سبيل المثال أطلقت “العمل البلدي” في 22 آب 2025 الملتقى البلدي في منطقة جبل لبنان والشمال من بلدة المعيصرة الكسروانية بحضور بلدات المنطقة ذات الطابع الشيعي، كما عملت الجمعية على معاونة البلديات في التخطيط الاستراتيجي من خلال ورش تخطيط سنوية ومساهمات إنمائية ومساعدات عينية ومالية للبلديات، فعلى سبيل المثال، وبحسب الموقع، بلغ إجمالي تقديمات جمعية العمل البلدي للاتحادات والبلديات في منطقة النبطية وبعض القرى الواقعة شمال نهر الليطاني خلال عام 2023 أكثر من 2.8 مليون دولار، حيث شملت دعم تجهيز الآبار بالطاقة الشمسية وتقديم الدعم للعاملين في مؤسسة المياه، بالإضافة إلى دعم ملفَّي النظافة والصحة، وتضمنت المساعدات تأمين المازوت مجانًا لتشغيل وتجهيز الآبار وصيانة شبكات المياه، ودعمت جمعية العمل البلدي موازنات البلديات والاتحادات، بالإضافة إلى صيانة الطرق الرئيسية والفرعية، كما تقوم الجمعية بلقاءات تنسيقية مع الوزراء، وتتعاون مع بعض الإدارات في كثير من المشاريع المشتركة كالتعاون مع مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، وغيرها من المؤسسات والمصالح.
وخلال “حرب الإسناد” عامَي 2023 و2024، نعت الجمعية عددًا من رؤساء البلديات والعاملين فيها في البقاع والجنوب.
لا شك أن الاستراتيجية التي عمل عليها “حزب الله” في الموضوع البلدي، رسّخت سيطرة وهيمنة كاملة على الإدارات المحلية في المناطق الشيعية، وأضحى نهجها يلبس نهج “جماعة الولاية” ورؤيتها، ما أرسى نمطًا اجتماعيًا وثقافيًا في تلك المناطق يتطابق مع نمط مشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية، إن من حيث أسماء الشوارع والحدائق والأنصاب وإن من خلال السلوك الاجتماعي والثقافي حيث للبلديات دور أساسي فيه، ويبتعد هذا النمط كل البعد عن النمط والمفاهيم والأدبيات اللبنانية، فأضحت تلك البلديات بلديات الولاية وسكانها سكان الولاية، والسؤال المطروح، أين هي سلطة الدولة وإداراتها في مراقبة السلوك البلدي وتماشيه مع الرؤية والمفاهيم والتوجهات الوطنية اللبنانية، أوليست هي المنظم لهذا السلوك؟ أم أنها ملزّمة هذه المناطق لهذا المشروع أو لهذه الجماعة؟ والسؤال الأهم، ألم يحن الوقت لتعود الدولة إلى ممارسة دورها؟