ملتقى التأثير المدني يناقش “لبنان دولة المواطنة: السيادة الناجزة والشرعية الفاعلة”

ملتقى التأثير المدني يناقش “لبنان دولة المواطنة: السيادة الناجزة والشرعية الفاعلة”

المصدر: beirut24
10 أيلول 2025

تابع “ملتقى التأثير المدني” قبل ظهر اليوم مسار “الحوارات الصباحية” الشهرية بانعقاد اللقاء الخامس عشر في فندق “جفينور” – روتانا الحمرا، بعنوان “لبنان دولة المواطنة: السيادة الناجزة والشرعية الفاعلة”. شارك في اللقاء نخبة من الشخصيات الأكاديمية، والإدارية، والقانونية، والدستورية، والثقافية، والفكرية، والقضاة، والضباط المتقاعدين، والإعلاميات والإعلاميين، وناشطات وناشطين في المجتمع المدني ونائب رئيس وأعضاء من الهيئة الإدارية، والمدير التنفيذي للملتقى.

وقائع اللقاء

في بداية اللقاء الذي قدمت له الإعلامية دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالملتقى، كان النشيد الوطني وبعده وثائقي تعريفي عن “ملتقى التأثير المدني”، ومن ثم وثائقي استعراضي للقاء الرابع عشر الذي عقد تحت عنوان: “لبنان دولة المواطنة واتفاق الطائف: السياسات والخيارات”.

كلمة الخليل

بعدها كانت كلمة رئيس “ملتقى التأثير المدني” فيصل الخليل الذي استهل كلمته بالاشارة الى ان “لبنان يعيش  مرحلة مفصلية تاريخية يبدو فيها التلازم بين تطبيق اتفاق الطائف، واستكمال تحقيق سيادة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وتفعيل مسار الإصلاح”. وهي مرحلة “تتطلب منا جميعا أقصى درجات الحكمة، وأعلى مستويات الالتزام بحماية الصيغة والميثاق تحت سقف تطبيق الدستور بكامل مندرجاته دون استثناء. يكفينا مغامرات انتحارية وتدميرا منهجيا لفكرة الدولة وبنيتها التي تصون العيش المشترك والسلم الأهلي”.

أضاف: “نحاول اليوم الإضاءة على إشكالية دقيقة تتعلق بارتباط السيادة بالشرعية، وقد تعرض هذا الارتباط لتشويه والتباس على مدى الأربعين عاما الماضية. لا دولة دون سيادة واحدة، وسلطة واحدة، وقرار واحد، وجيش واحد” وإن “ما نحن بصدده يؤكد استمرار نضالنا من أجل أن تقوم الدولة في لبنان بعيدا عن منطق اللادولة. وهذا عهد علينا ووعد”.

اللقيس

ثم تحدثت ميسرة الحوار السيدة داليا اللقيس فاستهلت كلمتها بالتعبير عن “مفهومي السيادة والشرعية من خلال عدسة المواطنة”، معتبرة انها “ليست مفاهيم سياسية مجردة، بل هي ترتبط مباشرة بحياة كل مواطن وواقعه اليومي”.

واعتبرت أن “السيادة في لبنان تتعرض لتحديات عميقة. فحتى الأمان والخدمات الأساسية من تأمين صحي وتعليم وبنى تحتية، غالبا لا تأتي من الدولة بل من الأحزاب السياسية أو المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي، في غياب دولة قوية وعادلة”، وأن “أبرز الأمثلة على تحديات السيادة أزمة اللاجئين السوريين”. وثانيها في “مسألة الحرب والسلم على الحدود الجنوبية. فلما لم يكن القرار بيد الدولة بل بيد أحزاب استأثرت بأحقية المقاومة”، ما “منع الجيش من القيام بدوره، وأضعف مرة أخرى سيادة الدولة وكرس دور اللادولة”. وثالثها ما ينتهك السيادة “بفعل التدخلات الخارجية”.

وقالت:”أما بالنسبة الى الشرعية، فالسيادة لا تكون ذات معنى إلا إذا اعترف بها الشعب كشرعية. ومن دونها تصبح الشرعية فارغة ففي علم النفس الاجتماعي، أن الناس يطيعون السلطة عندما يرونها شرعية. كما ان الثقة ضرورية، وان فقدانها بالسلطة رهن الازدواجية في المعايير. ولما فشلت الدولة تاريخيا في تأمين العدالة المنصفة، وتطبيق القوانين والحماية والخدمات المتساوية، نقل العديد من المواطنين ولاءهم من الدولة الى سلطات بديلة”.

 ولما سألت السيدة اللقيس عن كيفية “إعادة بناء السيادة والشرعية”، قدمت “مجموعة من المواصفات التي تعني المواطن وحقوقه”. فاعتبرته بانه “ليس مجرد تابع لزعيم طائفي”. ذلك أن “المواطن الحقيقي هو من يعترف بالدولة كسلطة وحيدة وضامنة للحقوقه كافة من العدالة الى الخدمات العامة والتوزع العادل للثروات والامان”. واعتبرت أنه “حين تفي الدولة بواجباتها، لن يعود المواطن بحاجة إلى مصادر شرعية بديلة”.

وبعدما توجهت اللقيس بمجموعة من الدعوات، ل “إزالة ما يعيق قيام دولة تحمي جميع اللبنانيين،  وتجاوز الولاءات الطائفية لبناء رؤية وطنية واستراتيجية موحدة تضع لبنان أولا”.  انتهت الى القول:”  لا يمكن للبنان أن يحقق سيادة كاملة وشرعية مستدامة بدون الشعار الذي يقول: “مواطنة قوية، شرعية حقيقية، لبنان سيد واحد.”

الهاشم

بعدها كانت ورقة عمل المتحدث في اللقاء العميد الركن المتقاعد زياد الهاشم الذي استهلها بالقول: “إن منطقة الشرق الأدنى ومن ضمنها لبنان تمر بمرحلة انتقالية مصيرية تتصف  بسخونتها وضبابيتها، مما يطرح أخطارا وتحديات أمنية، اقتصادية واجتماعية هائلة على لبنان، مقابل فرص واجب اقتناصها مثل العبور من دولة تحالف الفساد والسلاح الى دولة المؤسسات الفاعلة ودولة المواطنة ذات السيادة الناجزة”.

لذا سأل العميد الهاشم عن العوامل المؤسسية والسياسية التي تعيق السيادة الناجزة؟ وكيف ترتبط قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة بشرعيتها الفاعلة؟. وأجاب: ” أن السيادة ترمز الى قدرة الدولة على حكم كيانها وشعبها وفقا لنظامها محتكرة استخدام العنف والسلاح، دون التدخل بشؤون غيرها”.  وفي لبنان “تقيد السيادة بعوامل متداخلة، تشمل الانخراط في صراعات الاقليم والرعاية الخارجية، وجود أطراف مسلحة غير حكومية،  وعدم مأسسة النظام السياسي، ومؤسسات دولة ضعيفة”.

وقال: “اعاقت السيادة في لبنان عوامل عدة: مثل “عدم مأسسة النظام السياسي، السلاح بأيدي جهات غير حكومية وعلى رأسها “حزب الله”، واعادة تعريف السيادة نتيجة الضغوط الخارجية بهدف التنازل عن بعض الأراضي، والتدخل الخارجي في لبنان والتدخل اللبناني في الخارج”. ولفت الى “أن السيادة تقاس من خلال مؤشرات “مثل حصر السلاح بيد الدولة”. وان القرار قد اتخذ من قبل مجلس الوزراء وهو “شكل نقطة تحول في مسار السياسات الأمنية الخاطئة التي كانت متبعة”. اما المؤشر الثاني فهو في عملية ضبط الحدود والتي “تبدأ عادة بعمليات الترسيم ثم تنتقل الى الضبط عبر منع تهريب البشر والممنوعات. ولم ينجز من الترسيم سوى البحري مع اسرائيل ويبقى الترسيم النهائي برا وبحرا مع سوريا واعادة النظر بالترسيم البحري مع قبرص”.

وبالنسبة إلى توصيفه للشرعية قال الهاشم:”هي القبول الشعبي للسلطة، والذي ينبع من الاعتقاد والامتثال الطوعي بأن النظام مناسب وسليم ويمارس السلطة بشكل شرعي،  مما يساعد على الحفاظ على النظام”. ويبرز هذا المفهوم “العلاقة بين السلطة والشعب”. فالشرعية هي “الاجراءات Procedures  التي تتخذها السلطات العامة خدمة للمواطنين”. ولذلك فان “قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة وبفعالية هو الاساس في اكتساب شرعيتها، خاصة انه تتم منافستها من قوى مسلحة غير حكومية.  وتشمل هذه الخدمات الأمن الذي لم تؤمنه الدولة بفعالية لعدم بنائها قدرات أمنية، مع وجود أمن مواز شكلته  الهيئات المسلحة غير الحكومية”.

والخدمة الثانية هي”في القضاء، الركيزة الاساسية لتأمين العدل والعدالة للبنانيين، والذي يتعرض لضغوطات شتى من حملة السلاح وأصحاب النفوذ”. ويشكل “ملف انفجار مرفأ بيروت وترقب صدور القرار الظني فيه معيارا لاستقلالية القضاء وفعاليته. يبقى الأمل في اقرار قوانين تعطي القضاء استقلاله”.

وقال: “تقاس مؤشرات الشرعية بتحديد نسبة ثقة اللبنانيين بالمؤسسات الدستورية والقانونية ونسبة الرضى عن الاداء”. ووفقا لعدة استطلاعات واحصاءات اجريت العام 2024 يتبين أن لا ثقة بالحكومة ولا رضى عن ادائها”.

ختم: “إن دولة المواطنة هي تقاطع السيادة الناجزة مع الشرعية الفاعلة. وقد بدأت الحكومة خطاها الاولى في استعادة سيادتها لكن ينقصها الخطط التنفيذية الشاملة”، والسيادة لا تطلب بل تفرض كمنظومة متكاملة من أمن موحد، قضاء مستقل، ومالية عامة رشيدة. وان الشرعية لا تتحقق بالبيانات بل بقدرة الدولة أن تتخذ اجراءات تنفيذية وتنتج أمنا وعدالة وخدمات عامة قابلة للقياس”. ويشكل “وضع استراتيجية أمن وطني فرصة ذهبية لمواجهة التهديدات والأخطار والتحديات التي يواجهها لبنان ولبناء دولة السيادة والمؤسسات”.