
كيف باتت قطر هدفاً إيرانيّاً إسرائيليّاً؟
لم تكن أهميّة الهجوم الذي شنّته إسرائيل، الثلاثاء، على هدف في الدوحة تكمن في الهدف نفسه، فاستهداف إسرائيل لكلّ قيادات حركة حماس في الداخل والخارج ليس جديداً في سياق الحرب المندلعة منذ “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023. يكمن الحدث في استهداف عاصمة قطر، أي الدولة العضو في “مجلس التعاون الخليجي”، مع ما تعنيه والمجلس من مصالح دوليّة، وما تعنيه المنطقة استراتيجيّاً من اصطفاف كان دائماً قريباً من الولايات المتّحدة.
يُظهر المؤتمر الصحافي الذي ألقاه رئيس الوزراء القطريّ، الشيخ محمد بن عبدالرحمن، غضباً قطريّاً مدعوماً بغضب خليجيّ وعربيّ شامل من اعتداء يتجاوز الأعراف والخطوط الحمر. بدا أنّ اتّصال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد، كان محاولة، قد لا تكون ذات صدقيّة، لتهدئة خواطر الدوحة من هجوم تعتقد عواصم الدنيا أنّه لم يكن ليحصل لولا وجود ضوء أخضر من واشنطن والإدارة ورئيسها.
لطالما كانت قطر تلعب أدواراً تتقاطع داخلها أجندات كثيرها متعارض متناقض. وفّرت دوماً فضاءً لتواصلٍ عسير بين الأضداد وميداناً للملفّات المعقّدة. اختارتها الولايات المتّحدة لتكون مقرّاً لإحدى أهمّ قواعدها العسكريّة في العالم في “العيديد”. عملت الدوحة على تنظيم العلاقة بين واشنطن وحركة طالبان في أفغانستان قبل انسحاب القوّات الأميركيّة من هناك. وتولّت وساطات لا تبدأ بجماعة “أبي سيّاف” في الفيليبين ولا تنتهي بملفّات ساخنة في السودان أو إيران مروراً بلبنان.
كلّ من يدخلها آمن
اتّسمت قطر برشاقة وقبول لم تستطِع دول أخرى التحلّي بهما معاً. أقامت مبكراً علاقات متقدّمة مع إسرائيل بالتوازي مع علاقات مع حركة حماس. نسجت علاقات مع كلّ الجماعات المصنّفة إرهابيّة، حتّى باتت قناة الجزيرة المنبر الوحيد الذي يبثّ رسائل بن لادن والظواهري والبغدادي وغيرهم. ومع ذلك لم يتناقض الأمر مع علاقاتها السلسة والحميمة مع واشنطن وباريس ولندن وغيرها. حافظت على علاقة متقدّمة مع إيران على الرغم من مزاج خليجيّ عربيّ كان قبل اتّفاق بكين معادياً لمقاربات ودّ من هذا النوع.
يقول وزير الخرجية القطري إنّ وجود قادة حماس في قطر جاء بطلب أميركي وبالتنسيق مع الدوحة. صحيح أنّ قواعد اللعبة تغيّرت بعد “الطوفان”، لكنّ الدوحة تلعب دور الوساطة منذ حوالي عامين بطلب مستمرّ من واشنطن، حتّى بعد الضربة الأخيرة، لتحرير الرهائن الإسرائيليّين وتدبير محاولات لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة. ويفترض أنّ كلّ الأدوار التي لعبتها الدوحة كانت تجري بشفافيّة مع الحليف الأميركي وبدعم وتشجيع من واشنطن، حتّى إنّ خبث التخطيط لاستهداف قيادات حمساويّة “استُدرجت” إلى الدوحة لدرس مشروع ترامب لوقف الحرب، كان يستند إلى قبول أميركيّ يشبه مقولة: “كلّ من دخل قطر هو آمن”.
قد تكون قطر ضحيّة أدوارها. الوظائف التي تولّتها، ومنها أن تكون ناقلة رسائل بين الأضداد، جعلتها أيضاً ميداناً لتصفية ملفّات ساخنة وصندوق بريد للرسائل الحرجة. بدا أنّ صفقة أميركية إيرانيّة مشتركة ارتأت اختيار قطر مكاناً تقوم داخله إيران بالردّ على الهجوم الأميركي على المفاعلات الإيرانية في حزيران الماضي. جرى أنّ ما هو مدبّر قضى في 23 من ذلك الشهر بإسقاط الصواريخ في قاعدة “العيديد” بعد إخلائها.
أعراض جانبيّة مؤذية
الأرجح أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحرجه فشل العمليّة الإسرائيليّة في الدوحة. والأرجح أنّه كان مستعدّاً للترحيب بالإنجاز لو نجح كما جرى الترحيب بقضاء إسرائيل على حكومة الحوثيّين في اليمن. فأهداف حماس مشروعة أينما وُجدت، وفق ما دُرج على ترداده. غير أنّ فشل العملية وانكشاف حتميّة معرفة الجيش الأميركي بها دفعا واشنطن للمبالغة في الدفع بتصريحات تكاد تقسم أن لا علاقة لترامب وإدارته بها. فأن تنجح العمليّة فتلك واقعة يمكن تداركها بالدبلوماسية مع الدوحة، لكن أن تفشل فتلك خيبة وإخفاق يتعذّر معهما تسويق الحذاقة التي تصدرها واشنطن في بياناتها أو قد يتضمّنها اتّصال الرئيس بالأمير.
يلفت مرجع سياسي لبناني كبير إلى أنّ قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي ضربتها إيران باعتبارها هدفاً أميركيّاً وضربتها إسرائيل باعتبارها هدفاً فلسطينيّاً. يلخّص المشهد سوريالية أدوار قطر وموقعها ووظائفها داخل المشهدين الإقليميّ والدوليّ. ولئن تبدو قطر الغاضبة مدركة لأهميّة الدور الذي تحتاج إليه المنظومة الدوليّة برمّتها، فإنّها تدرك أيضاً مخاطر الأمر وأنّ له أعراضاً جانبيّة مؤذية كتلك التي شهدتها الدوحة الثلاثاء.
لا تشعر قطر بأنّها وحدها. كان اتّصال وليّ العهد السعودي، الأمير محمّد بن سلمان، بأمير قطر عاجلاً متضامناً متآزراً. وكانت زيارة الرئيس الإماراتيّ، الشيخ محمد بن زايد، للدوحة مبادرة تضامن ودعم وتأييد في وقت الشدائد. بدا الموقف العربي شاملاً يعبّر عن أنّ المصاب واحد، والموقف واحد، بمستوى يكشف مستوى هواجس المنطقة من “إسرائيل الكبرى” التي وعد بها نتنياهو في الشرق الأوسط، مستفيداً من بطاقة خضراء منحتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون لإسرائيل انتقاماً من “الطوفان”.