لودريان يمهّد في بيروت لمؤتمريْ باريس… دَعْم الجيش معجَّل والإعمار مؤجَّل

لودريان يمهّد في بيروت لمؤتمريْ باريس… دَعْم الجيش معجَّل والإعمار مؤجَّل

المصدر: الراي الكويتية
12 أيلول 2025

لم يَعُدْ مفاجئاً أن يجد لبنان الرسمي نفسَه عند كل منعطفٍ مفصلي في ملف حصْر السلاح بيد الدولة، بين مطرقةِ معاندةٍ تَصاعُدية من «حزب الله» تتكيّف مع كل ديناميةٍ جديدة تحاول حكومة الرئيس نواف سلام فرْضَها، وبين سندانِ ممانعة إسرائيل الالتزام بمقتضيات اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) وورقة الموفد الأميركي توماس براك بما يُبْقي «الأقفال» في طريق التنفيذ المتدرّج لقرار بيروت بتفكيك ترسانة الحزب.

وفي الوقت الذي بقيَ العدوانُ السافر الذي نفّذتْه إسرائيل على قطر يستقطب الأضواء الإقليمية والدولية وسط رصد للقمة العربية – الإسلامية التي تَستضيفها الدوحة ويشارك فيها لبنان ممثَّلاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، مضى «حزب الله» في محاولةِ «رفْع السواتر» أمام مسار سحب سلاحه، تارةً باستخدامِ أحداثٍ آنية لـ «ترميم» سردية «حتمية» احتفاظه به وطوراً بمواقف «اضطرارية» تشي برغبةٍ في فرملةِ كل عملية حصر السلاح وتَقطيع أوصالها طابعها «الُمَرْحَل».

أما إسرائيل، وفي حَضرة الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان الذي زار بيروت، فذكّرتْ الجميع و«بالنار» بأن شمال الليطاني وصولاً إلى البقاع سيَبقى «في متناول يدها» وضرباتها وأنها لن تحوّل فترة الثلاثة أشهر المقبلة التي سيعمد الجيش اللبناني خلالها على استكمال تطهير جنوب الليطاني من سلاح «حزب الله» مُتَنَفَّساً للأخير بل ستواصل اعتماد «جدْولتها» الخاصة للتصدّي لما تَعتبره مخاطر وجودية مازال السلاح الإستراتيجي للحزب يشكّله عليها والتي لا تعترف بزمان ولا مكان.

ضربةً شبه مباشرة

ولم يكن عابِراً أن يَعمد الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الأربعاء إلى تسديد ما اعتبرتْه أوساط سياسية ضربةً شبه مباشرة لمرحلة إكمال سحب السلاح جنوب الليطاني من خلال «مضبطة الاتهام» للآلية المولجة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) «الميكانيزم» التي يترأسها جنرال أميركي وأعيد تفعيلها قبل أيام، إذ اعتبر أن «المكيانيزم موجودة فقط لتخبر عن أماكن وجود سلاح حزب الله ولا تقف عند الاعتداءات الإسرائيلية».

وتوجّه إلى المطالبين بتفكيك ترسانته والسائرين بهذا المسار الذي بات له إطار ناظم عبر مجلس الوزراء، قائلاً «أخرجوا من قصة حصرية السلاح ولا تتحدثوا عن تنازلات عند المقاومة (…) ولا مجال لأي حل خارج نقاش إستراتيجية الأمن الوطني ونحن مستعدون لنقاشها بعد تحقيق أولويات وقف العدوان والانسحاب وإطلاق الأسرى وبدء الإعمار».

وفي حين تَعاطى خصوم «حزب الله» مع هذا الموقف على أنه بمثابة وضْع عصي في دواليب المرحلة الأولى (جنوب الليطاني) من الخطة التطبيقية لقرار حَصْرِ السلاح التي وضعها الجيش اللبناني وتبنّتْها الحكومة في 5 سبتمبر وذلك لـ «وَقْفِ عقارب ساعة» المراحل اللاحقة الأربع، لم تقلّ دلالةً بالنسبة إلى هؤلاء دعوة قاسم دول المنطقة، في ضوء العدوان على قطر، إلى «دعم المقاومة في فلسطين ولبنان» لتكون «خطَّ دفاعٍ» عنها بوجه «مشروع إسرائيل الكبرى».

واعتبر خصوم الحزب أن هذا الكلام هو في إطار محاولةِ إنتاج سردياتٍ جديدة لتبرير الاحتفاظ بالسلاح من خارج التجارب التي أثبتتْ أن تل أبيب دائماً ما تكون في «قَفَصِ الاتهام» كلما كان اعتداؤها الفاجر والغادر على دولةٍ ذات سيادة وليس على فصيلٍ مسلَّح خارج الشرعية، مذكّرين بأن الرئيس سلام حريص على وضْع مسار حصر السلاح في سياق لبنانيّ بحت يرتكز على اتفاق الطائف وخطاب القَسَم والبيان الوزاري والقرارات الدولية الناظمة للوضع اللبناني وأبرزها الـ 1701، وتالياً فَصْل هذا المسار عن ورقة الموفد الأميركي توماس براك ومعادلة «الخطوة مقابل خطوة» بوصْفه عملية «تأخّرتْ نحو 35 عاماً» وتُعتبر المدخل لقيام «دولة طبيعية» واستعادة ثقة الخارج بها وتقوية موقعها في أي دينامياتٍ تعتمدها لفرض انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها.

جولة أدرعي

في موازاة ذلك، كانت إسرائيل تشن سلسلة اعتداءاتٍ أمس طاولت خصوصاً البقاع اللبناني وتحديداً الجبال المحيطة ببلدة جنتا وجرود قوسايا، ومرتفعات السلسلة الشرقية في محلة «الشعرة» ضمن نطاق قضاء بعلبك، وذلك بعد استهداف طائرة مسيَّرة لدراجة نارية بين بلدتي عين بعال والبازورية جنوباً ما أدى إلى سقوط وسيم جباعي.

وفي حين أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن «طائرات سلاح الجو أغارت على بنى تحتية داخل موقع لإنتاج وتخزين وسائل قتالية إستراتيجية لحزب الله في منطقة البقاع وفي الزرارية»، نشر لاحقاً عبر منصة «اكس» صوراً لِما قال إنه «جولة ميدانية في جنوب لبنان وتحديداً داخل أحد المواقع الدفاعية الأمامية أمام قرية الخيام».

وأضاف «تحدثت مع القادة والجنود عن الواقع الأمني على الحدود الشمالية والتغيير الذي حصل بعد عمليةِ سهام الشمال ومفهوم العمل الإستراتيجي الذي ننتهجه والذي بموجبه لا نسمح بنمو التهديدات الإرهابية على حدودنا».

وتأتي «الرسائل» الإسرائيلية جنوب الليطاني وشماله، في الوقت الذي ترتسم مساعٍ دولية لرفد الجيش اللبناني بما أمكن من دعمٍ لإنجاز مهمته من نطاق المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح بيد الدولة بأسرع وقتٍ.

مساعدات أمنية

وفي هذا السياق، وُضع إعلان البنتاغون عن «الموافقة على حزمة مساعدات أمنية للبنان تقدّر قيمتها بنحو 14.2 مليون دولار».

وأوضح البنتاغون أن«الحزمة ستوفر للجيش اللبناني قدرات للقيام بدوريات، وإزالة الذخائر غير المنفجرة (UXO) والتخلّص منها بأمان، إضافةً إلى تفكيك مخابئ أسلحة حزب الله، وذلك دعماً لوقف الأعمال العدائية المعلن في نوفمبر بين لبنان وإسرائيل».

لودريان

وشكل دعم الجيش عبر مؤتمر خاص تعدّ له باريس أحد أبرز محاور زيارة لودريان لبيروت حيث التقى كبار المسؤولين بعدما كان اجتمع في المملكة العربية السعودية مع الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، حيث نُقل عن الموفد الفرنسي أنّه «خرج من الاجتماع بانطباعات إيجابية».

وفي حين تحدثت معطيات عن أن مؤتمر إعادة الإعمار تعترض انعقاده في فترة قريبة معوقاتٌ تتّصل بتحبيذٍ خارجي لأن يكون ملف حصر السلاح بيد الدولة سلك طريقاً تنفيذياً لا رجوع عنه والحاجة إلى ضمان أن تكون الحرب انتهت إلى غير رجعة، أعرب عون خلال استقباله لودريان عن امتنانه للدور الذي يلعبه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في التحضير لعقد مؤتمرين لدعم الجيش اللبناني، وإعادة الإعمار.

وأبلغ عون إلى المبعوث الفرنسي أن «لبنان ماضٍ في انجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية ليس فقط لأنه مطلب دولي، بل لقناعة لبنانية راسخة بأن هذه الإصلاحات تشكل مدخلاً أساسياً لعملية النهوض الاقتصادي»، مشيراً إلى أن «الجيش يواصل تطبيق الخطة الأمنية بدءاً من منطقة جنوب الليطاني لسحب كل المظاهر المسلحة من جميع الأطراف اللبنانيين والفلسطينيين، لكن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لعدد من الأراضي اللبنانية يحول دون استكمال انتشار الجيش حتى الحدود الدولية».

وقال «إن لبنان طالب مرات عدة بإلزام إسرائيل بالتقيد بالاتفاق الذي أعلن في 27 نوفمبر الماضي، إلا أن كل الدعوات لم تلق أي تجاوب من الجانب الإسرائيلي الذي يواصل اعتداءاته على لبنان، ولم يُعِد حتى الساعة أي من الأسرى اللبنانيين، ولم يلتزم تطبيق القرار 1701».

وأكد عون أن «أي ضغط فرنسي أو أميركي على إسرائيل للتجاوب مع إرادة المجتمع الدولي بوقف الأعمال العدائية ضد لبنان، سيساعد على استكمال الخطة الأمنية التي وضعها الجيش ورحب بها مجلس الوزراء الأسبوع الماضي»، لافتاً إلى أن«الجيش يواصل عمله على الأراضي كافة وعلى طول الحدود، ويقيم الحواجز ونقاط التفتيش، ولديه أوامر صارمة بمصادرة الأسلحة والذخائر من أي جهة».

وجدد عون شكر لبنان للدور الذي لعبه ماكرون والدبلوماسية الفرنسية «في التجديد للقوات الدولية سنة وأربعة أشهر كقوة عملانية، وسنة كاملة للمباشرة بالانسحاب من الجنوب»، معتبراً أن «هذه المدة ستجعل مغادرة القوات المشاركة في اليونيفيل منظمة، وتوفر المهل الضرورية للجيش اللبناني لكي يزيد إمكاناته وقدراته لاسيما إذا ما انسحب الإسرائيليون وأوقفوا اعتداءاتهم».

كما أكد أن «التماسك والتضامن بين اللبنانيين ثابت لا جدال فيه ولا خوف عليه، وان التباين في وجهات النظر حيال بعض القضايا السياسية أمر طبيعي في النظم الديمقراطية، لكن الأكيد أن ما من أحد يعمل لإحداث أي شرخ في وحدة الموقف اللبناني حيال المواضيع المصيرية والثوابت الوطنية».

وكان لودريان نقل إلى عون تحيات ماكرون وتأكيده استمرار الدعم الفرنسي للبنان في المجالات كافة، لاسيما بالنسبة إلى العمل لانعقاد مؤتمرين دوليين، الأول لدعم الجيش اللبناني والثاني لدعم الاقتصاد وإعادة الإعمار.

وأطلع رئيس الجمهورية «على نتائج الاتصالات المشجعة التي أجراها في المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء»، لافتاً إلى أن «الإجراءات التي اتخذها لبنان في 5 أغسطس و 5 سبتمبر، ومنها الخطة التي وضعها الجيش لتحقيق حصرية السلاح، وكذلك إصدار قوانين إصلاحية في المجالين الاقتصادي والمالي، شكلت خطوات إيجابية من شأنها أن تساعد في زيادة الدعم الخارجي للبنان في المجالات كافة».

من جهته أطلع سلام الموفد الفرنسي على الوضع العام في لبنان بعد القرارات الحكومية الأخيرة لجهة حصر السلاح بيد الدولة، مؤكداً أن «هذا المسار أصبح خياراً وطنياً لا عودة عنه». كما عرض أولويات عمل الحكومة في المرحلة المقبلة، محدداً ثلاث محطات أساسية تشكل ركائز في هذا المسار: مؤتمر إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي مؤتمر دعم الجيش اللبناني لتأمين التمويل والقدرات اللوجستية والعتاد، بما يمكنه من تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة، ومؤتمر «بيروت 1» للاستثمار لفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات وترسيخ ثقة المجتمع الدولي بلبنان.

وشدد سلام على أن «هذه المحطات مترابطة وتكمل بعضها بعضاً، إذ لا يمكن تحقيق النهوض الاقتصادي من دون الاستقرار الأمني، ولا ترسيخ الاستقرار من دون مؤسسات قوية وبيئة استثمارية جاذبة».

من جانبه، هنأ الموفد الفرنسي الحكومة اللبنانية على «الخطوات التي اتخذتها لبسط سلطة الدولة»، وأعاد التأكيد على «التزام فرنسا بدعم لبنان في مساراته الثلاثة: إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، دعم الجيش، وتحفيز الاستثمار». واعتبر أن «الجيش اللبناني هو الضامن الأول للاستقرار الداخلي وثقة المواطنين»، مشيراً إلى أن «باريس ستواكب هذه المؤتمرات الثلاثة».