
حساباتٌ لانتخاباتٍ قد لا تحصل في 2026
يقترب الموعد المُفترَض للانتخابات النيابية في أيار 2026، لكن الرؤية إليه ضبابية، وتزيدها تشوُّشاً سياسة بنيامين نتنياهو المتفلّتة والمتغوِّلة في المنطقة بأكملها. فكيف لبلد كلبنان، واقع على فوهة بركان مُتحرّك، أن يُخطِّط لاستحقاقه الديمقراطي كأنه واقع حتماً؟
بالرغم من كل ذلك، الحياة الطبيعية للدول يجب ألّا تتوقف. واللبنانيون أثبتوا قدرتهم على التكيُّف مع أصعب الظروف حين يُفرَض عليهم التعامل معها. وما دام رئيس الجمهورية يُعلِن تمسكه بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المبدئي، بعد 9 أشهر تقريباً في أيار/مايو المقبل، فيُفترض بالقوى السياسية الاستعداد لها اليوم كأنها حاصلة غداً. لكن المسألة هي: كيف ستُحَلّ العراقيل، كتصويت المغتربين على سبيل المثال؟
إرادة دولية وعربية تدير الوضع اللبناني
”لا نختبئ خلف أصابعنا”، يقول لـ”المدن” قيادي سياسي شاء عدم ذكر اسمه، مضيفاً أن الوضع اللبناني تُديره إرادة دولية متمثلة خصوصاً في أميركا وعربية متمثلة في السعودية والإمارات، وهما منسجمتان ومتعاونتان في ما يتعلق ببلادنا. وبقية الدول شرقاً وغرباً داعمة وجاهزة من أجل التدخُّل والمساهمة في نزع الألغام السياسية عند الحاجة. لولا هذا الوضع لاستمرّ الفراغ الرئاسي بفعل الانقسامات. ولما كنا شهدنا انتقال العماد جوزاف عون من مقر قيادة الجيش في اليرزة إلى قصر الرئاسة في بعبدا وتكليف القاضي نوّاف سلام رئاسة الحكومة وتأليف هذه الحكومة. لأسباب شخصية أو غير شخصية، هناك على الدوام نواب لا يسيرون في الحلول إلّا مُرغَمين.
تآكل تحالفات “حزب الله” واستقطاب الشارع السنّي
هل هناك سياسة في هذا السياق لحرمان “حزب الله” حلفاءه السُنّة، على ما رأينا في طرابلس (النائب فيصل كرامي) وفي البقاع الغربي (النائب حسن مراد) وأمكنة أخرى، بعد ابتعاد حلفائه المسيحيّين (النائب جبران باسيل، مثلاً)؟
هذه السياسة تبدو واضحة، يقول القيادي، لكن السؤال هو ماذا سيفعلون بهم؟ في الشارع السنّي نقمة حقيقية على السياسيّين الذين تحالفوا مع بشار الأسد ونظامه. الناس لن يمنحوهم فرصة الوصول إلى مجلس النواب في سهولة. أحدهم قال لي إن تكلفة الكرسي ستكون غالية جداً عليه. نتحدث عن عشرات ملايين الدولارات.
مَن سيأخذ مقاعد هؤلاء الحلفاء السابقين للنظام السوري إذاً، في حال واصل “تيار المستقبل” تعليق عمله؟ حتى اليوم لا مؤشرات، سواء إيجابية أو سلبية، تتعلق بعودة “المستقبل” كتيار، وليس كشخصيات مستقلة، إلى الساحة السياسية.
هناك احتمال أن تأخذ “الجماعة الإسلامية” مكان حلفاء نظام الأسد في البيئة السنّية، لكنها غير مُحبَّذة إقليمياً لارتباطها بتنظيم “الإخوان المسلمين”، وداخلياً بسبب قتالها في مرحلة من المراحل إلى جانب “حزب الله”. وهناك “الأحباش” (جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية)، يشكلون القوة الثانية المنظَّمة في الشارع السنّي بعد “المستقبل”، وإن بفارق واسع في الأرقام الانتخابية.
في المحصلة، الشارع السنّي مُرشَّح للاستمرار في شتاته من دون كتلة وازنة وصلبة تستطيع التنسيق مع بقية الكتل النيابية لخوض مواجهات سياسية صعبة تلوح دوماً في الأفق، كما هو مرشح في الآن نفسه لوضع نقيض. إذا توافرت الظروف الملائمة وقرَّر الرئيس سعد الحريري مشاركة “المستقبل” رسمياً في الانتخابات، حتى من دون ترشُّحه شخصياً، فالأرجح أن يؤمِّن وصول كتلة من 18 نائباً. أما “المستقبليّون” المنفردون فيمكنهم من دون غطاء تيّارهم الرسمي الحصول على 9 نواب.
ثمة نقطة أخرى تعترض طريق الحلفاء السابقين للنظام السوري الذين ابتعدوا عن “حزب الله”، يختصرها القيادي بسؤال: مع مَن يمكنهم التحالف انتخابياً؟ هل يستطيعون التحالف مع حزب “القوات اللبنانية” في بعض المناطق؟ وهل تستطيع “القوات” أو الحزب التقدمي الاشتراكي؟ يجيب: أشكّ في ذلك.
الثلث المعطِّل أو الأكثرية؟
أليست هناك احتمالات خرق وتشكيل كتلة نيابية شيعية غير مؤيدة لما اصطُلح على تسميته بـ”الثنائي”؟ بلى. ممكنة، لكنها تتطلب خطة وعملاً وتنسيقاً على مستوى كل لبنان وتنازلات كبيرة. تستلزم أولاً تحديد استراتيجية لخوض الانتخابات على أساسها. هل يراد الثلث المعطّل في البرلمان أم الأكثرية (65 نائباً)؟ الخيار الثاني يستلزم تحالفاً بين “القوات” والكتائب والاشتراكي و”المستقبل”، وأن تربح “القوات” وحلفاؤها نصف المقاعد المسيحية. هذه ممكنة، كما يمكن الوصول حتى إلى 70 نائباً متفاهمين على سياسة عامة واحدة.
يذهب الحديث في اتجاه آخر أكثر إثارة للجدل، عندما يُلمّح إلى تفضيل رئيس الجمهورية قانوناً للانتخابات غير الساري المفعول حالياً، ويُقال إنه يرتكز إلى النظام الأكثري بدوائر مختلطة. يتوقف عند الاقتراح الذي يطرحه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل (الدائرة الصغرى والصوت الواحد)، معتبراً أنه جدير بالمناقشة ويتيح انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي. لكن هل تقبل الأحزاب الأخرى؟ المساس بالقانون الحالي سيجمع “القوات” و”التيار” على الرفض. ثم إن البحث في قانون الانتخابات أشبه بفتح صندوق باندورا، لا يعود يُعرف ما الذي سيخرج منه. فتح الصندوق يعني تأجيل الانتخابات حتماً.
عقدة المغتربين كافية
حتى من دون فتح “صندوق باندورا”، هناك عقدة جاهزة لفرض التأجيل، هي قضية المغتربين. “القوات” والكتائب وحلفاؤهم والتغييريون يُصرّون على مشاركتهم الكاملة في ملء المقاعد الـ 128، في حين يُصِرّ “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحرّ” على حصر مشاركتهم في ستة مقاعد فقط موزعة على القارات. هذا الخلاف كافٍ وحده، إن لم يُحَلّ بالسرعة القصوى، لتحويل الحديث والكتابة عن حسابات انتخابات 2026 مجرد تمضية وقت، في انتظار أحداث كبيرة ما.