
تفعيل “الميكانيزم” اللبناني… فرصة أخيرة لتكثيف الزخم الدبلوماسي والعملياتي الأميركي
يبدو أن شهر أيلول اللبناني بدأ يعكس حراكًا أميركيًا وصفته المصادر بـ “ديناميكية الفرصة الأخيرة”. ففي ظل العقبات الكبيرة التي لا يزال “حزب الله” يشكلها داخل لبنان، إضافة إلى شبكات التمويل الإيرانية، ونقص موارد الجيش اللبناني، ثمنت واشنطن ما وصفته بالجبهة الموحدة في الحكومة اللبنانية متمثلة بالقادة المسيحيين والسنة والدروز، لمواجهة عملية نزع السلاح. غير أن الإدارة الأميركية حذرت من تأخيرات وخطر إعادة تنظيم “حزب الله” قبل الانتخابات النيابية المقبلة. واعتبرت مصادر دبلوماسية أن الكشف عن المرحلة الأولى لنزع سلاح “الحزب” قرب الحدود الإسرائيلية مهم، لكن المراحل المستقبلية تفتقر إلى مواعيد نهائية واضحة، لافتة إلى أن عدم الوضوح في تنفيذ المراحل الأخرى سوف يعتمد على التطورات الإقليمية والتدخلات الدبلوماسية الجارية.
مع ذلك، يعكس تحديد جلسة لتثبيت تعيين السفير الأميركي في لبنان مايكل عيسى في 17 أيلول اهتمامًا أميركيًا وسعيًا لتقديم مشروع نزع السلاح في لبنان. فعلى أثر الجلسة الحكومية التي انعقدت في الخامس من أيلول الجاري، إضافة إلى زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجديد الأدميرال براد كوبر إلى لبنان، بدأت تتفعّل “آلية الإطار الدولي لنزع سلاح “حزب الله” ودفع السلام على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية” المعروفة بـ “الميكانيزم اللبناني” التي كانت تتقدم ببطء خلال الأشهر الستة الماضية، فيما تتصاعد التوترات الإقليمية والداخلية الكبيرة. ففي ظل الترحيب الرسمي اللبناني بخطة الجيش اللبناني المرحلية لنزع السلاح، واستمرار معارضة “حزب الله” للقرارات الحكومية، إضافة إلى تعيين ضابط أميركي جديد سيتسلّم مهام تنسيق الأنشطة الخاصة بـ “الميكانيزم”، أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن لقاءات كوبر في لبنان كانت إيجابية، وأثمرت نتائج ملموسة فيما تعمل واشنطن على استتباع ذلك بخطوات أميركية وإسرائيلية ولبنانية بشكل متوازن.
ووفقًا للمصادر، من المتوقع أن يتسلّم الضابط الجديد، وهو من عديد مشاة البحرية الأميركية (المارينز)، مهامه في غضون أسبوعين في إطار الجهود المستمرة لإحياء وتعزيز آلية وقف إطلاق النار. ويعكس هذا التعديل القيادي الأولويات المتطورة للتدخل الأميركي، ويهدف إلى تسريع تنسيق وتنفيذ مهمة “الميكانيزم” في لبنان. ورجحت المصادر العسكرية أن الضابط الجديد، حضر لقاءات كوبر الأخيرة مع اللجنة الخماسية، واعتبرت أنه سيقوم بدور محوري حيث من المتوقع أن يُشرف على عمل “الميكانيزم” بينما يُنفذ الجيش اللبناني خطته لبسط سيطرة الدولة ونزع سلاح “حزب الله” جنوبي نهر الليطاني، إضافة إلى عرض وجهة النظر والمقترحات الأميركية من خلال أنشطة عسكرية مكوكية مستمرة تشمل لبنان وإسرائيل وأطرافًا معنية أخرى.
وعلمت “نداء الوطن” أن المسؤول العسكري الأميركي الجديد متمرس في العمليات العسكرية المشتركة في الشرق الأوسط، وهو سيتولى مسؤولية مراقبة وقف إطلاق النار، ودعم أمن الحدود، وتعزيز جهود الجيش اللبناني لتحقيق الاستقرار في جنوب لبنان. كما سيعمل بصفته “واجهة الوجود العسكري الأميركي في لبنان” بشكل وثيق مع المسؤولين العسكريين والسياسيين والدبلوماسيين لتعزيز الدعم الأميركي المستمر للإصلاحات الأمنية ومبادرات حفظ السلام في لبنان.
من ناحية أخرى، أعلنت إدارة ترامب عن حزمة مساعدات أمنية للبنان تُقدر قيمتها بـ 14.2 مليون دولار. وأشارت مصادر البيت الأبيض والكونغرس إلى أن هذه الحزمة، التي ستتبعها حزمات أخرى، تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش اللبناني على تفكيك مخابئ الأسلحة والبنية التحتية العسكرية لـ “حزب الله” والجماعات المسلحة الأخرى. وتندرج هذه الحزمة في إطار الدعم العملاني للجيش اللبناني لتمكينه من تسيير دوريات والتخلّص الآمن من الذخائر غير المنفجرة ومخابئ أسلحة “الحزب”.
ولفتت مصادر عسكرية أميركية لـ “نداء الوطن” إلى أن هذه الحزمة تندرج في إطار سعي واشنطن لتمكين الجيش اللبناني من إضعاف “الحزب”، بما يتماشى مع أولوية الإدارة الأميركية في مواجهة الجماعات “الإرهابية” المدعومة من إيران في المنطقة.
وفي معرض تعليقها على القرارات اللبنانية الساعية لنزع الأسلحة غير الشرعية لا سيما من “حزب الله”، أشادت هذه المصادر بديناميكيات الحكومة اللبنانية وإصرارها على بسط سيادة الدولة كاملة. غير أنها في المقابل، أشارت إلى أن كوبر والوفد العسكري المرافق له رغم تثمينه لإرادة الحكومة يعتبر أن خطة الجيش اللبناني لاحتكار الدولة للسلاح بهدف نزع سلاح “حزب الله” مصممة لتجنب المواجهة المباشرة مع الميليشيات، مشيرة إلى أن إتمام نزع السلاح من خلال عملية تدريجية تستغرق حوالى 15 شهرًا، قد لا تلبي المواعيد النهائية الأولية بنهاية عام 2025 بسبب القيود اللوجستية.
في المقابل، تشهد واشنطن حراكًا لحث إدارة ترامب والكونغرس للضغط على لبنان لإتمام نزع السلاح قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة في أيار 2026. ويضع أصحاب هذا الحراك مسألة مواصلة “حزب الله” والوزراء الشيعة المتحالفين معه “مقاومتهم الشرسة” للانضمام إلى الشرعية في خانة سعي “حزب الله” للتقليل من خسائره واستمرار تمسكه مع “حركة أمل” بما أسموه بـ “السلطة الشيعية” التي تضمن استمرارية “الحزب” من خلال عصا الخدمات، كما تضمن المجيء برئيس للبرلمان اللبناني من ضمن تركيبة الثنائي. وقد حذر بعض الدبلوماسيين الأميركيين السابقين من التقارير الأخيرة التي أفادت بأن إيران تُحوّل الأموال إلى “حزب الله” عبر أساليب جديدة لتجاوز الحصار. من هنا يشدد أصحاب هذا الحراك على ضرورة أن تدعم واشنطن الجيش اللبناني بمزيد من المعلومات الاستخبارية والموارد. كما دعوا الولايات المتحدة إلى ربط المساعدات أو إعادة الإعمار المستقبلية باتخاذ الحكومة اللبنانية إجراءات ملموسة لنزع سلاح “حزب الله”.